جبهة شمالي أفريقيا في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك:
وصل المد التوسعي في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك إلى ذروته، وهو أكثر الخلفاء الأمويين تشجيعاً في هذا الاتجاه، وكان يعطي السياسة الخارجية كامل اهتمامه؛ لأن الظروف كانت لصالحه، وأن استقرار الوضع الداخلي سبباً كافياً لايجاد المناخ المناسب حتى يحقق منجزات عسكرية في العديد من الجبهات في الوقت نفسه، وإن أعظم الإنجازات كانت تلك السياسة التوسعية.
وسجل حسان بن النعمان جهوداً عظيمة في تطهير منطقة المغرب من البيزنطيين، بالإضافة إلى القضاء على ثورة البربر الثانية، وكان هذا القائد لم ينتهي من المشاكل الخارجية للدولة ويفرغ للمشاكل الخارجية حتى تم استبداله بالقائد موسى بن نصير في عام 85هـ، حتى وإن كانت قد اكتملت هذه المهمة في وقت متأخر من عهد الخليفة عبد الملك بن مروان.
وقد رافق موسى بن نصير أولاده الأربعة المفطورون على التربية العسكرية، وبتعيينه بدأت المرحلة السابعة والأخيرة من فتوحات شمالي أفريقيا، زلم تكن مهمته على شيء من الصعوبة، فقد بدأ مهمته بتدعيم مركز القيروان ثم عمل على تثبيت دعائم النصر الذي حققه سلفه في المغربين الأدنى والأوسط، واستهلَّ أعماله في أواخر عام 85هـ بفتحه لقلعة زغوان التي تقع في منطقة جبلية بين القيروان وتونس.
وبعدها قام بغزو صناجهة وسجومة في شمالي المغرب الأقصى، وأرسل أبنائه في كل الاتجهات؛ حتى يثبتوا أقدام المسلمين في المناطق المفتوحة، وكان فتح سجومة أمراً بالغ الأهمية؛ فهي كانت قاعدة لجزء كبير من قبيلة أوروبا أي قبيلة كسيلة، وهي مفتاح الطريق إلى سبتة وطنجة، التي قام المسلمون بفتحها عقب ذلك، وعملوا على جعلها قاعدة ولاية جديدة أطلقوا عليها اسم ولاية طنجة أو المغرب الأقصى.
وبعدها قام موسى بن نصير باستكمال إخضاع البلاد إلى الجنوب من جبال الأطلس، فقام بالسيطرة على المغرب الأوسط وطارد المتمردين من البربر حتى إقليم السوس الأقصى في عمق المغرب، وقرر النصر الإسلامي في مستقبل البرابرة الذين اعتنقوا الدين الإسلامي فيما بعد ودخلوا إلى الجيوش العربية كجنود محاربين، وكان بعضهم أكثر حماسةً من العرب أنفسهم.
وهذا التحول الذي طرأ أحدث آثاراً إيجابية في فتح الأندلس؛ وذلك لأن الكثير من القبائل البربرية التي دخلت للإسلام أصبحت تتوق إلى الجهاد والحرب، واستغل موسى بن نصير هذه النزعة لتوجيههم نحو الفتوحات الخارجية، ولم يكن أمامه إلا عبور المضيق حتى يحقق هدفه.
ولم تقتصر غزوات موسى على المناطق البرية في المغرب فقط، بل قام بنشاط بحري كان الهدف منه الجزر القريبة من شاطئ المغرب، ولم تكن حملاته تهتم بالاستقرار بقدر ما كانت مهتمه بالاستطلاع والحصول على الغنائم، ونتج عن هذه الحملات شل لحركة الأساطيل البيزنطية في البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت خطراً مباشراً يهدد المسلمين في أفريقيا، فقام بغزو جزيرة صقلية في عام 86هـ وحصل على الكثير من الغنائم.