كيف توصل ابن خلدون إلى علم الاجتماع وفهم ظواهره؟
استخدم ابن خلدون من قراءته للتاريخ عموماً والتاريخ الإسلامي بشكل خاص أن الحوادث، والظواهر الاجتماعية لا تسير حسب المصادفات أو وفق إرادة الأفراد، وإنما لها قوانين ثابتة لا تقل في ثباتها عن قوانين الظواهر الأخرى، ومن هذه النقطة كان رفضه لكثير من الروايات التاريخية التي رأى أنها لا تتفق مع هذه القوانين.
كما دعى إلى اتباع طريقة دقيقة لتحقيق الأحداث التاريخية، وهذه الطريقة تتمثل في البحث نظرياً عما إذا كانت واقعة من الوقائع ممكنة في ذاتها، وعن مدى تناقضها مع طبائع المكونات وعن مدى اتفاقها مع الزمان والمكان الذي صارت فيهما، وقرر ابن خلدون أن دراسة الاجتماع البشري بهذه الطريقة يجب أن تكون موضوعاً لعلم جديد هو علم العمران البشري، والاجتماع الإنساني وذو مسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال شأنه في ذلك شأن العلوم الأخرى.
وبهذه النتيجة كان ابن خلدون أول من قرر بوضوح نشأة علم الاجتماع، مع ذلك فإنه لا ينكر على سابقين عليه قد تعرضوا لموضوعات الدراسة في هذا العلم، كما لم ينكر أن موضوعاته أيضاً تدرسها علوم أخرى، ولكنها لم تدرس بنفس الطريقة التي يعيشها أو نفس الغرض الذي يشير إليه وهذه الإشارة تتضمن تمييزاً لعلم الاجتماع عن غيره من العلوم الأخرى.
فعلم أصول الفقه مثلاً تعرض للمسائل التشريعية، وكانت غايته شرح أصولها الفقهية، ولكن لم يذهب أحد من قبله إلى أن المسائل التشريعية كمسائل اجتماعية، بالدرجة الأولى، كذلك أمور أخرى مثل الخلافة ونظم الحكم التي أوضح أنها ظواهر اجتماعية لها أسباب عميقة في طبيعة الاجتماع الإنساني.
كما يذهب إلى أن الإنسان مدني بفطرته، كما دلّ إلى ذلك من قبله أرسطو والفارابي وغيرهم فحاجة الفرد لغيره تؤدي إلى التعاون ومن ثم التضامن الذي هو دعامة المجتمع، هذا إضافة إلى استئناس الإنسان بغيره من أجل إستكمال خواصه النوعية والجنسية، واحتياجاته المهمة، ودلّ ابن خلدون إلى العوامل التي ترجع إليها نشأة الحياة الاجتماعية وهي في نظره:
- الضرورة وهي إما ضرورة اقتصادية ﻷن الفرد لا يمكن أن يكتفي ذاتياً، وإما ضرورة دفاعية في مواجهة العدو المشترك المتمثل في الحيوانات المتوحشة، والشعور الفطري، فالإنسان مزود بشعور فطري يدفعه للاستئناف بأخيه الإنسان، وهذا عامل أساسي في قيام الحياة الإنسانية.
- الميل لإنجاز فكرة الجمعية، فلا بد هنا من توفر جانب الإرادة وإلا سوف تحدث الاضطرابات والعدوان المستمر فالإرادة الإنسانية الفردية هي التي تعصم الفرد من عدوان الآخرين وتؤدي للاستقرار والسلام والأمن.
ونشأة المجتمع تؤدي إلى سيادة نوعين من الظواهر: الأول الظواهر الطبيعية، والثاني الظواهر الاجتماعية، والظواهر الاجتماعية تتأثر بالظواهر الطبيعية، كما تتأثر بالظواهر الاجتماعية الأخرى وقد قارن بين المجتمعات الحيوانية، والبشرية، فالأولى تكون مدفوعة بالفطرة فقط أما الثانية فالدافع إليها الفطرة والعقل معاً.