كيف قام الملك عبد العزيز آل سعود بتوحيد المملكة؟

اقرأ في هذا المقال


توحيد حدود المملكة الداخلية في عهد عبد العزيز:

لقد ذكر في السابق أن الملك عبد العزيز لم يكن يخطط دخول الرياض فقط، بينما كان هدفه وغايته أكبر، إِذ كان يأمل إِلى تحقيق الوحدة الكاملة التي تضم جميع مناطق المملكة، تلك المناطق التي شملها حكم أسلافه وتوحدت تحت راية الإسلام، وحكمت به. كان يتطلع إِلى الحكم  في الشريعة في شبه جزيرة العرب، وإِلى أن تستمر الديار المقدسة في رسالتها تجاه الإِسلام والمسلمين.

تلك الرسالة التي جاهد في سبيلها آباء الملك عبد العزيز وأجداده رحمهم االله. إنّ دخول الرياض لم يُعتبر إِلا بداية الرحلة العَظيمة التي قام بها الملك وعقد العزم على قطعها إِلى النهاية. لم يقض الملك وقتاً طويلاً في تحصين الرياض من هجوم يقع عليها ولا في الاستعداد لمواجهة خصومه، الذين أسهموا في تدمير وحدة البلاد، وجرها إِلى نزاعات، وفتن فرقت أهلها.

لقد حقق النجاح الذي قام به الأمير الشاب في السيطرة على الرياض بعدد قليل من الجيش والعدة، وهذا النحاح أدى إلى انجذاب الناس إِليه وإِحساسهم برجوع حكم آل سعود للمنطقة. بدأ الملك عبد العزيز في ضم المناطق المجاورة للرياض، ولم تمر سنوات بسيطة حتى ضمها كلها إِليه.

حيث أصبح نفوذ ابن رشيد يتقلص في التدريج. لم يُقدر ابن رشيد قوة الملك عبد العزيز، ولم يدرك خصائصه ومزاياه وهنا يبدو الفارق الكبير في ذكاء القيادة، والحكمة السياسة، والشجاعة. لم تكن في قوة العدد، وكثرة العدة لدى كل خصم. لقد كانت أسباب النصر بعد مشيئة االله وتوفيقه أساسها المواهب التي يمتلكها الملك، وكانت تظهر في المعارك التي تصب في صالحة وهذا المعيار الأساسي للنصر.

قام الملك في استرجاع نجد إِلى أراضي الدولة السعودية، وقام في القضاء على أصحاب المظالم، وأصبح عبد العزيز آل سعود سلطان نجد دون خلاف وبعدها انتهت حكم ابن رشيد فيها. قام في مبايعته العلماء والشعب على ذلك. وفي الوقت نفسه كان الملك ينظر إِلى جزء ثمين من بلاده يسيطر عليه الأتراك، وهو الأحساء وكان ذلك في أخر حكم الدولة العثمانية التي لم يكن خيارها أن تقاوم إرادة الملك على توحيد بلاده.

لقد توجه الملك عبد العزيز في سنة ١٩١٣ ميلادي إِلى مدينة الهفوف التي كانت فيها مجموعة من الحامية تركية، فقامت المدينة في الاستسلام هي وحاميتها الأتراك، وسمح لهم الملك عبد العزيز بالخروج دون سلاح فرحلوا إلى تركيا بحراً. وبذلك أصبحت الأحساء تحت سيطرة سلطان نجد، ولم يكن ذلك بعد معارك حاسمة، ولا تضحيات كبيرةً، بل تحقق ذلك بفضل الله، ثم بحسن القيادة وذكاء وحكمة التصرف من الملك عبد العزيز، ففي أقل من شهر ضم الأحساء إِلى حكمه.

في الحرب العالمية الأولى سنة ١٣٣٢ هجري الموافق ١٩١٤ ميلادي لم يكن لدى الأتراك القوة التي تجعلهم  يفكرون في استرداد ما ضاع منهم، ولكنهم قاموا في تقدير موقف الملك عبد العزيز بأنه سمح لهم الخروج مع جنودهم أحياء من بلاده. تبدو عبقرية الملك، وذكائه في خطته لضم الأحساء، فقد خرج إِليها، وهو يتظاهر بأنه يؤدب القبائل الخارجة عليه في نجد، ولما شك الأتراك في نيتهُ بأنه يقصدهم أزال شكوكـهم بعودته إِلى الرياض مع ترك جيشه قريباً منهم، ثم فاجأهم بالهجوم، فاستسلموا، وقام عبد العزيز  بضم أهل الأحساء إِلى جانبه بحمايتهم في مدينتهم، حيث كتبوا للملك يطلبون منه ضم الأحساء، لينهي معاناتهم مما كانوا يعيشونه من مصاعب اقتصاديةً وسياسيةً، كما استطاع أن يجتذب أهل القطيف.

لقد زادت مكانة الملك عبد العزيز عندما قام  في استرداد الأحساء، وقد قدّم له البريطانيين خطاً ساحلياً نحوه، كما قوى أمله في دولةٌ موحدة، والذي لم يخفي رغبته في أقامته مملكته، فقد تطور لديه الشعور باقتراب تحقيق النصر على جميع الأعداء، وأن مملكته سوف تضم أغالب شبه الجزيرة العربية، ولم يكن هذا الشعور فقط رغبةً في التوسع والحكم، بقدر ما كان اعتزازاً بمكانة العرب، وحقهم في أن يكون لهم مكان تحت الشمس في ظل الدين الخاتم، والعروبة الأصيلة.

كان الملك عبد العزيز يعتبر مكة المكرمة والمدينة النبوية، من الأماكن الخاصة له بسبب مكانتهما الدينية. ففي مكة الكعبة التي وضعت للناس لعبادة االله، وفي المدينة المنورة مسجداً مخصصاً للعبادة إِن هذه الأماكن المقدسة لها مكانة خاصة في نفوس المسلمين، يستقبلون بيت االله تعالى في صلاتهم، وبقومون في مناسك الحج في مكة الركن الخامس للإِسلام، ويزورون مسجد رسول االله صلى الله عليه وسلم رغبةً في مزيد من الأجـر والثواب من االله سبحـانه.

تتبع تسلسل أحداث توحيد المملكة في عهد الملك عبد العزيز:

إنّ الملك عبد العزبز يدرك ضرورة وجود الأمن في جميع أماكن شبه الجزيرة، وأهمية السعي في تيسير طرق الحج والعمرة والعمل في الأسباب التي تُعين المسلمين على القيام في عباداتهم. كان رحمه االله يعلم ذلك كله، ويعتبر تتطبيقه واجب ديني، ونوعاً من أنواع الجهاد في سبيل االله ويدرك أن أسلافه قد حققوا ذلك وأن البلاد المقدسة وما جاورها كانت جزءاً من الدولة السعودية، وأن ضمها إِلى الأجزاء الأخرى؛ لتنعم بما نعمت به، مطلب شعب تلك البلاد، ومطلب المسلمين كافة.

لقد أجمعت الكتب التي ذكرت سيرة الملك عبد العزيز وتأسيس المملكة، أن الملك لم يدخل في حرب إِلا وهو مضطر لها، وبعد  أن يقوم في سلك كل الطرق الصحيحة. وفي اعتقادنا أن االله تعالى أنعم عليه بالصبر، حتى يتمكن تحقيق ما يريد بأفضل السبل وأقل الخسائر، فلم يكن يذهب إِلى معركة، ولا كان بمقدورة أحد أن يستدرجه إِلى قتال، وإِلى جانب ذلك كان خطابه إِلى خصومه عفيفاً، حتى ينتهي الأمر بسلام، أو تنتهي المعركة ويحدد المنتصر والمهزوم منهم، وما كان يلفته النصر، أو يضعف أمام هزيمة في معركة.

لم يمر وقت طويل حتى أصبحت مكة في ظل حكم الملك عبد العزيز آل سعود، فدخلها متواضعاً، خاشعاً لله، وبعد وقت قليل أصبح  الملك حاكم نجد يحكم الحجاز جميعها، وذلك في عام ١٣٤٤ هجري ١٩٢٥ميلادي، وقد أمن أهله وأبقى على جهازه الإِداري الذي كان يعمل من قبل، وسعد الناس بحكم عبد العزيز آل سعود. في جمادى الآخرة سنة ١٣٤٤ هجري الموافق لشهر يناير سنة ١٩٢٦ميلادي نادى به علماء مكة، وأهلها ملكاً على الحجاز، وأصبح عبد العزيز سلطاناًً على نجد، وملكاً على الحجاز، وهكذا اِكتمل توحيد البلاد.

وكان حكم  أسرة آل سعود يعد حكماً عربياً خالصاً دون خضوعه إلى أحد من خارج الجزيرة العربية أو من غير المسلمين، وقد كانت تابعة لراية الإسلام وحدها. وهكذا غدت مختلف مناطق المملكة تحت حكم حاكم واحد، عمل على رفع كلمة االله فيها وتوحيد شعبها، فتحقق بذلك ما كان يهدف إِليه الملك عبد العزيز منذ وجوده بالرياض في عام ١٣١٩ هجري.


شارك المقالة: