يلجأ العقل البشري إلى الخرافات والخزعبلات عند عجزه عن تأويل وتفسير بعض الأمور التي قد تصادفه في حياته اليومية، تلك هي الطبيعة البشرية التي تعتمد الهروب كوسيلة من العجز العقلي عن العلم والتعليل من خلال أسهل الطرق.
لماذا تنتشر الخرافات في زمن الكوارث؟
يبحث الإنسان عن الأمور الخفية، ثم يؤسس عليها ما يعتقده وما يراه، محاولًا تعميمه كما يضيف إليها الكثير من المنكهات كأن يعرض صورة يظهر فيها لفظ الجلالة في مجموعة متداخلة من جذوع الأشجار، وكأن الإيمان بخالق هذا الكون العظيم سبحانه يحتاج إلى سند خرافي أو مصيدة طبيعية منذ أقدم العصور حتى اليوم؛ إذ لم يستطع الإنسان التخلص منها، فأخذ يربط خرافات معينة بالعِند مثلًا، وكذلك خرافة الأطباق الطائرة التي يحاول الناس وبعض العلماء تفسیرها بشكل علمي.
يبقى الارتباط بالخرافة والتعلق بها ممارسةً وسلوكًا بشريًّا عاديًّا، غير أنها قد تتحول إلى فعل ضارّ جدًّا، وغير أخلاقي؛ وذلك حين ترتبط بالإجبار بصحة الإنسان وسقمه، أو بنجاحه وإخفاقه، أو بما يحصل له في مستقبله، الأمر الذي يفتح السبل إلى تجارة الوهم للمعالجين والروحانيين الذين يتخذون من الإيمان بالخرافة وسيلة إلى زيادة أعداد متابعيهم وتنمية ثرواتهم، وذلك من خلال وسائل الاتصال الحديثة كالقنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي، فلا يكاد يمرّ يوم دون أن نجد ضمن المتابعين الجدد في الفيسبوك أو التويتر معالجًا روحانيًّا؛ إذن نحن نقف أمام مشكلة ثقافية معقدة وممتدة.
الخرافة كانت تدور في مستويات ضيقة، إلا أنها أصبحت تنتشر باستخدام أضدادها من الوسائط التي وصل إليها الإنسان بمعرفته بالخرافة، والوهم يعتبرمشكلة لتعلقه بنقص الفهم والإدراك والوعي والبعد عن العلم والمعرفة بمعناهما التطبيقي، وهذا يدل على قصورفي التحليل وعجز عن ربط ما يحدث للإنسان بأسبابه الموضوعية، وبعبارة أخرى البُعد عن «التبصر» و«البصر» بوصفهما عماد العقل وركيزته.
كلما تعمقت المجتمعات في تعطيل العقل، زاد ارتباطها بالوهم وتعلقها به، وصار سهلًا تشكيلها ووضعها بصورة التابع الأعمى، وكذلك تبتعد عن مسايرة االقافلة الحضارية الإنسانية السائرة إلى الأمام، هنا تنسى المجتمعات كل أحداث حياتها و عوارضها وتلجأ إلى الخرافة لتأويل وتفسير ما تعجز عن تفسيره، ليصبح القصور عن التفسير والفهم تفسيرًا يشابه تفسير الماء بالماء، وبهذا العجز تبدأ مرحلة لحياة منغلقة داخل أسوار الوهم والتبعية. وتلك هي أقل درجات استثمار العقل الذي منحه الله للإنسان لإعماله واستخدامه، لا لأسره بتوافه الأمور وتقييده، أو تسليمه إلى أولئك الذين يشكلونه وفقًا لمصالحهم.
وخلاصة القول فإن الإنسان في حالات ضعفه حين يصيبه المرض، أو تحل الكوارث من حوله يصبح أكثر قبولًا للخرافات والوهم ؛ إذا ما كان عاجزًا عن إعمال عقله واستخدامه لفهم ما حلّ به أو أحاطه من كوارث ومصائب.