الحجاج بن يوسف الثقفي في ذمة التاريخ:
تكلم المؤرخون قديماً وحديثاً عن الحجاج بن يوسف الثقفي، وقاموا بالهجوم على سيرته؛ لأنها مليئة بالدماء والأشلاء، وقام بقطع الكثير من الرؤوس، فقال الذهبي: أنه كان ظلوماً غشوماً جباراً خبيثاً سفَّاكاً للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، وكان قد اعتبره البعض مثل ما قال الحسن البصري أنه كان عذاب الله لعباده.
وكان البعض يعتبر أن شخصية الحجاج كانت محيرة، وأنها تحمل الكثير من التناقضات، وتمت في عهده الكثير من الأعمال العظيمة مثل الفتوحات في المشرق، بالإضافة لتبنيه مشروع لتنقيط حروف القرآن؛ حتى تسهل على الناس قراءته، وكما قام ببناء مدينة عظيمة وهي مدينة واسط، والكثير من الأعمال خلال عهده الذي استمر لمدة عشرون عاماً في عصر الخليفة عبد الملك بن مروان وابنه الوليد بن عبد الملك.
كل الحسنات التي كانت في شخصية الحجاج ضاعت في بحور الدماء التي سفكها، وكانت شخصيته مستبدة ترى أن الخروج عن أمر الحاكم كفر ويستوجب القتل، فكان قوم بقتل كل من يخرج عن الحاكم، فكان ولاؤه لأسياده خارجاً عن المألوف وزيادةً عن كل الحدود، فكان ذلك مبالغاً فيه إذ كان يقتل بسبب ظنونه حتى، وهذا زاد من أعداد الأُناس الذي قام بقتلهم، وكل ذلك من أجل عيون بنو أمية، فوصل عدد قتلاه لأكثر من مائة وعشرين ألف.
كان الخليفة عمر بن عبد العزيز يكره أفعال الحجاج وظلمه، فقال عنه: لو تَخَابثَت الأُمَمْ وَجِئنا بالحَجًاج لَغلَبْناهُم وَما كانَ يَصْلُح لِدُنْيا وَلا لِآخرة، فقام عمر بالكتابة لعُدي بن أرطأة وهو أحد ولاته فقال له: بَلَغَني أنَّكَ تَستنَّ بِسُنَنِه، فإنهُ كَانَ يُصلِّي الصلاة لغير وقتها، ويأخذ الزكاةََ من غيرِ حَقِها، وَكانَ لِما سِوى ذَلكَ أضْيَع.
ورغم كل أعمال الحجاج وكره عمر بن عبد العزيز له ألا أنه لم يظلم آل الحجاج طوال فترة حكمه، فقد روي عن الريَّان بن مسلم أنه قال: بعث عمر بن عبد العزيز بآل عقيل إلى صاحب اليمن وكتبَ له: أما بعد، فإني قَدْ بعثتُ بآل أبي عقيل وهم شر بيت في العرب، ففرقهم في العَمَل على قَدر هوانهم على الله وعلينا، وعليك السلام، ونستنتج أن عمر قام بنفيهم فقط ولم يعذبهم كما فعل سليمان بن عبد الملك.
لم يكن الحجاج بن يوسف بدعة من الحكام والوزراء ورجال الدولة الظالمون، وكان قد سبقه الكثير مثله وكان أيضاً من بعده الكثير، فإن الصراعات على الحكم مستمر.