ما هي الأنثروبولوجيا الفلسفية؟

اقرأ في هذا المقال


ما هي الأنثروبولوجيا الفلسفية؟

الأنثروبولوجيا الفلسفية هي الانضباط داخل الفلسفة الذي يسعى إلى توحيد العديد من التحقيقات التجريبية لطبيعة الإنسان في محاولة لفهم الأفراد على حد سواء كمخلوقات في البيئة ومبدعين من قيمهم الخاصة، والفيلسوف وعالم الاجتماع أرنولد جيلين يفسر الأنثروبولوجيا الفلسفية على أنها تعليم عام عن الإنسان يسبق كل الأنثروبولوجيا المتخصصة، وأصبح معروفًا في الدوائر الفلسفية الألمانية بعمله عن الإنسان وطبيعته ومكانه في العالم.

ويبني النتائج في عمله من علم الأحياء، وأكد على الكمال والفهم المنهجي، ويُنظر إليه على أنه مشروع فريد من نوعه للطبيعة وغائب عن أي شخص آخر لشكل المعيشة، وإن نقطة انطلاق أفكاره هي الفعل في العمل البشري، فالإنسان كائن فاعل قادر على تغيير الطبيعة بواسطة نشاطه واستيعاب بيئته، والعمل الإنساني لا يخدم فقط الأهداف والاحتياجات البيولوجية المباشرة، بل ينتج شيئًا أعلى وهو الثقافة، لذلك يعتبر العمل بالنسبة لأرنولد جيلين مبدأ يجعل الإنسان رجلاً.

والحاجة إلى العمل على أساس بيولوجي أيضًا كتعويض عن الغريزية الضعيفة هبة او منحة، فللحيوان غرائز فطرية يحددها نوعه ويتلاءم بشدة مع بيئته المعيشية ومتخصص بيولوجيًا بإحكام، على سبيل المثال من خلال حدة حواسه والبناء من جسده أو غيره، ويبدو أن الإنسان بالمقارنة مع الحيوان، غير متخصص إطلاقاً في الوقف الغريزي الضعيف و التخصص غير الكافي في الجسد، وما إلى ذلك، لذلك يقول أرنولد جيلين أن هذا الرجل هو كائن ناقص وفقير في الطبيعة وغير محمي وعرضة للحطر، ويعوض عن إعاقته بالموهبة الثقافية الفريدة.

فالثقافة بالنسبة للإنسان هي مبدأ الراحة، ويلعب الكلام دور مهم في الإغاثة الثقافية وهو كسر حاسم للفورية من خلال تمكين الاتصال والتخطيط والعمل الأهم، ويسمي أرنولد جيلين الثقافة مجازًا عش تم بناؤه بواسطته رجل في وسط العالم، ويشمل المؤسسات الاجتماعية والقواعد التي ترتب التعايش بين الناس، فالإنسان كائن ثقافي بحكم الطبيعة، وهناك موضوع مهم حيث كانت أفكار أرنولد جيلين عبارة عن تقنية تنتمي إلى حياة الرجل في العش، فالتكنولوجيا عمل إبداعي فريد لإنجاز المهارات البشرية والفكر.

والتكنولوجيا هي أيضاً وسيلة فريدة تستخدم لتسيير الإنسان للطبيعة، ودعا أرنولد جيلين لعلم التكنولوجيا الماكرو وضمها إلى خاصية الطبيعة البشرية نفسها، وأيضاً إريك روثاكر ومايكل لاندمان ينتمون إلى التيار الثقافي للأنثروبولوجيا الفلسفية، حيث أنهم يهتمون بالإنسان كمنتج وكذلك منتج للثقافة، إذ يدعي مايكل لاندمان أن عدم التخصص غير ممكن للفهم فقط أو كسبب لتطوير السمات البشرية على وجه التحديد والتي يجب أن تعوض، ولكنها أيضًا نتيجة إنسانيته.

ويمكن للإنسان بل ويجب عليه أن ينحي تخصصه جانبًا لأن حياته تقوم على عطاء مختلف، ويخصص للإنسان علامتين مميزتين أساسيتين مترابطة بشكل وثيق هما الحرية والإبداع، فالإبداع هو الأفضل ويتجلى في خلق الثقافة، فالعالم الثقافي المتنوع بأسره من الإنسان، وعلى الرغم من تنوع التاريخ والوجوه الثقافية للإنسان، يجد مبدأ العالمية المطبقة، ففي أي سياق ثقافي تاريخي بشري يمكن أن يدرك نفسه من خلال توظيف قدراته الإبداعية ومن خلال التعليم، والتكوين يأتي إلى نفسه.

وتظهر الأنثروبولوجيا الفلسفية في اعتباراتها أن النهج الفريد للواقع والتصور المحدد والاعتراف بالواقع متأصل في البشر على أساس من طبيعتهم الثقافية، وفي نفس الوقت هو دليل على كيفية إلهام وخصب الحوار المتبادل بين التخصصات الأنثروبولوجية المتخصصة والفلسفة.

الثقافة كنظام رمزي وأفكار في الأنثروبولوجيا الفلسفية:

لفهم الثقافة كنظام رمزي ومعرفي في الأنثروبولوجيا الفلسفية يعني توجيه الانتباه من الجانب المادي أو الموضوعي أو المادي من الثقافة، على سبيل المثال في شكل المصنوعات اليدوية والأساطير، إلى جانب الموضوع المعرفي، والطريقة التي نتعرف بها على العالم يأتي من حالة من الاحتمالات والهياكل من هذه المعرفة، والاعتراف جاء بالعودة إلى الأنثروبولوجيا مع أهمية جديدة، وفيلسوف المدرسة النيوكانتية إرنست كاسيرير يرى أن الرمزية هي سمة مميزة فريدة للإنسان ويجب الاعتراف بها بالواقع، فالأنسان يفهم العالم من خلال نظام الرموز.

و(Homo sapiens) هو في نفس الوقت الإنسان الرمزي وخالق الكون كله ذي المعنى الرمزي، كما أن الرمز هو مفتاح الطبيعة الجوهرية للإنسان، وإرنست كاسيرير يفهم فلسفته عن الأشكال الرمزية على أنها فلسفة شاملة للثقافة، ويدعي أن فهم الإنسان للوجود ممكن فقط من خلال وظائفه، وهذا يعني أن إبداعات الإنسان الناتجة عن نشاطه يجب أن تكون حاسمة، كاللغة والأساطير والأديان والأخلاق والقانون والعلوم كلها، وبشر على وجه التحديد بالأعمال التي تخلق العالم الإنساني والثقافي الفريد.

والنشاط الرمزي في الأنثروبولوجيا الفلسفية هو عملية معرفية دائمة تنتج رموزًا وعلامات تمثيلية، ويكتسب الإنسان من خلالها فهمًا للعالم، وبشكل عام يتم تمييز ثلاثة أشكال رمزية أساسية هي اللغة والأسطورة والعلوم، وكل واحد من هؤلاء يقدم نهج للواقع الأصلي، حيث يرتبط الإنسان بأشكال اللغة أو الصور الفنية أو الرموز الأسطورية أو الطقوس الدينية لدرجة أنه ليس كذلك قادر على إدراك أي شيء إذا لم يتم التوسط فيه من خلال قناة مثل هؤلاء الأشكال الثلاثة، وهو غير قادر على ذلك دون العودة إلى العلاقة الفورية تمامًا مع الطبيعة.

وعلاقته بالطبيعة يتم توسطها حتمًا بواسطة أنظمة رمزية وإنه قادر على الإدراك والتعلم فقط من خلال هذه الأنظمة، وليس من قبيل الصدفة أن يتم تقديم الأنثروبولوجيا المعرفية في كثير من الأحيان بشكل وثيق مع الأنثروبولوجيا الرمزية، حيث تتعامل الأنثروبولوجيا الرمزية مع الثقافة كنظام للرموز والمعاني كأديان وأساطير وطقوس وفنون ولغات وكذلك القرابة والاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا، ويقدم (V. Soukup) فكرة أن قدرة الإنسان على إدراك وفهم العالم تكون من خلال المصطلحات.

وأدت المقولات إلى مفهوم الثقافة على أنها بناء رمزي ونظام الرموز والمعاني التي من خلالها الأشخاص يتمكنون من تفسير سلوكهم والواقع من حولهم، ويتم استبدال الواقع الموضوعي أو الحقائق الثقافية بالمعاني التي نقشت على الحقائق والحقائق الثقافية من قبل الناس، وهذه المعاني التي نقشت حاسمة لفهم شخصيات معينة من ثقافة معينة وفي نفس الوقت لفهم أعمق للمعرفة البشرية وتصور الواقع نفسه، فالممثلون الرئيسيون لهذه المدرسة هم (L. Dumont) وعالم أنثروبولوجيا فرنسي هو دبليو تيرنر وإم دوغلاس وعالم الأنثروبولوجيا د. شنايدر.

تحدي المادية في الأنثروبولوجيا الفلسفية:

على الرغم من الاستمرارية المذكورة بين الروايات الفلسفية القديمة والحديثة عن الروح والعقل في الأنثروبولوجيا الفلسفية، ألا إنه في الواقع هناك فرق كبير بين الاثنين، ففي القرن التاسع عشر تم مواجهة المفهوم القديم للعقل ككيان فريد عن الجسد، والذي جعله إشكاليًا بوسيلة جديدة ومختلفة تمامًا، ومبلورة لسلطة العلوم الطبيعية، والتحدي الصادر في النظرية المادية صريحة للطبيعة البشرية وجميع الوظائف التي كان يُعتقد تقليديًا أنها عقلية.

وساعدت هذه التطورات بدورها على تحديد الوضع الحالي الذي تواجه الأنثروبولوجيا الفلسفية، حيث يجب أن تقرر ما إذا كانت ستنضم إلى إجماع علمي وفلسفي متوسع حول هذه الأمور أم لا، وبمعنى ما يمكن التعامل مع المادية نفسها كأطروحة جديدة ضمن الأنثروبولوجيا الفلسفية، وسيتم أخذها في الاعتبار على نحو الواجب، ومع ذلك تجدر الإشارة أيضًا إلى أن الفلاسفة الذين يؤيدون المادية الجديدة لا يشيرون إلى أنفسهم على أنهم علماء أنثروبولوجيا فلسفيون ولكن عادةً ما يشيرون ببساطة إلى فلاسفة العقل.

لا يبدو علاوة على ذلك، أن أولئك الذين لا يصفون أنفسهم بأنهم علماء الأنثروبولوجيا الفلسفية تظل ملتزمة بالعمل خارج مفهوم شخصية الإنسان وأن تركيزهم فقط على مفهوم روح العقل، فضلاً عن المفاهيم المختلفة للمثقف وأخلاقيو الحياة الروحية التي ارتبطت بها تقليديًا، وعلى هذا النحو أصبحت الأنثروبولوجيا الفلسفية الآن تتمتع بوضع ما أطلق عليه المنظر السياسي الإنجليزي دبليو بي جالي، وفي سياق آخر، هو المفهوم المتنازع عليه أساسًا.

والقضية الأساسية بين علماء الأنثروبولوجيا الفلسفية الذين يتعاطفون مع المادية وأولئك الذين ليسوا كذلك هي ما إذا كان الانضباط يجب أن يتبنى مادياً الأنطولوجيا وإذا لم يكن ليتم رفضها بأنها غير علمية، وتثير هذه القضية بدورها سؤالًا إضافيًا حول ما إذا كانت النظرية المادية المتسقة للطبيعة البشرية ممكنة حقًا، وعند التعامل مع هذه الأسئلة، من المهم الاعتراف بالانتماء العميق للمفهوم الفلسفي التقليدي للطبيعة البشرية بالفهم البديهي الذي يمتلكه البشر لأنفسهم ولإخوانهم من البشر.

وفي هذا الفهم يعتبر الموقف الذي يدركه الفلاسفة بمصطلح الواقعية العامة أو الراسخة، ويراها الفلاسفة ساذجة لأنها تعتقد أن البشر يدركون الأشياء في العالم بصورة مباشر وبدون وساطة من أي من الانطباعات أو الأفكار أو التمثيلات، ونظرًا لعدم وجود أي حكم لأي تخوف مباشر من هذا القبيل في النظرة العلمية للعالم، فقد تم رفض المفهوم بإيجاز، وبشكل أكثر عمومية، فإن الفروق البديهية من هذا النوع لا تحقق نتائج جيدة في التفكير العلمي، الذي يعترف بالحقائق فقط عندما يمكن اختزال جميع مكوناتها إلى مستوى مشترك من العمليات الفيزيائية.


شارك المقالة: