الصراعات بين الاتجاهات المختلفة في الدولة الأموية:
كان عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان يتنازعان على الخلافة، وكان كل منهما يمتلك شخصية مختلفة عن الأخرى ولديهما قوة ومزايا خاصة بكل منهما، فكان ابن الزبير يمثل نزعة الحجاز كما كان عبد الملك يمثل نزعة الشام في السياسة والخلافة، حتى مع استمرار النزاع بينهما كانت هناك جهات أخرى تدخل في هذا الصراع.
نشأ من حادثة مرج راهط حدثٌ جديد له أهمية كبيرة في التيارات المختلفة، فحدثت هزيمة القيسية أمام اليمنية وهذا النصر ليس هيناً أمام قيس؛ فقد اشتعلت فكرة الثأر عن القيسية، فبعد هذه الحادثة رجعت عادة الثأر التي كان الإسلام قد قضى عليها، وكان رجوع هذه العادة في أشد مظاهره، وكان رئيس الثائرين هو زفر بن حارث الكلابي القيسي، فعندما هرب إلى قرقيساء قام باللجوء بين أهله وإعلانه للعصيان، كما كان معه العديد من القبائل من قيس في الجزيرة والفرات.
لم يكن الشام كله في قبضة عبد الملك بن مروان بل كان يوجد العديد من الخصوم الذين يطالبون بالثأر من رجاله وأصحابه، أما في العراق لم يكن فيه أي صراع بينالقيسية واليمانية؛ لأن العراق كان ينتمي إلىابن الزبير، فلم يكن بين أهل اليمن في العراق من هو حريص على السياسة في الشام أوالخلافة الأموية.
الفئات التي كانت تتركز في العراق:
- شيعة أهل البيت: خصوصاً في الكوفة.
- الخوارج: في البصرة وما حولها من الأراضي والبلدان.
- الزبيريين: وهم أشراف أهل الكوفة والبصرة والذين يتبعونهم من الجماعات والقبائل.
- الموالي: كانت فئة مستضعفة ولم يكن لها أي أهمية، وظهر شأنها بعد اختلاف العرب مع بعضهم البعض.
وكل فئة من هذه الفئات كان لا بدّ لها أن تلعب دوراً؛ لأن الميدان كان خالٍ لها، وكان العراق خالٍ من أي قوة تنفيذية، ومن أي شرطة لابن الزبير، فكن كل أمر عبد الله بن الزبير أن يبايعه أهل العراق، كما أنه قام بإرسال عماله إليه، ولكم العمال لا يستطيعون فعل أي شيء إذا لم يكن معهم أي شرطة أو جيش، ولهذا كان حدوث هذه الفئات على مسرح الخلافات أمراً خطراً؛ وذلك لأن ابن الزبير كان حريصاً على حجازيته ولم يفعل كمت فعل علي بن أبي طالب.
فكان أهل العراق يذهبون لمحاربة الخارجين من أهل الشام عليهم، ولهذا يجب علينا أن نتوقع الاضطرابات والاختلافات بين الفئات في العراق ولهذا بأن حكم عبد الله بن الزبير ليس وطيداً، وعندما تولّى عبد الملك بن مروان الخلافة على الدولة الأموية قام بالإرسال إلى عبيد الله بن زياد ليخبره بأن استلم الحكم، كما قام بتثبيته لقيادة الجيش حتى يحارب أهل العراق، فقام زفر بن الحارث الكلابي القيسي الذي كان يتحصن في قرقيساء بتهديده من خلفه، فكان ابن زياد يسير متيقظاً إلى العراق.
فقام عبيد الله بن زياد بإرسال مقدمة للجيش بقيادة الحصين بن نمير وبقي هو في الخلف حذراً من أي خطر ممكن الحدوث من زفر، وبدأ ظهور حركة جديدة في الكوفة وهي حركة التوابين؛ وكان ذلك بسبب تراشق أهل الكوفة التهم في ما بينهم لمقتل الحسين بن علي، وكان خروجهم إما يثأروا لموت الحسين أو أن يستشهدوا في سبيله، وقام عامل الكوفة بأخذ البيعة لابن الزبير من أهلها وعندما علم التوابين لم يكترثوا؛ لأنه ليس معنياً بثأرهم بل بنو أمية.
وعندما سمع التوابين بقدوم عبيد الله بن زياد إلى العراق قاموا بجمع نفسهم بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي؛ وهو من الصحابة الذين قاموا بالقتال مع علي بن أبي طالب ضد معاوية بن أبي سفيان، فقام سليمان بجمع التوابين وجهزهم سريعاً وقام بجمع المؤن واستعد بعجلة للخروج، فكان معه بضع آلاف من المقاتلين المتحمسين لقتل قتلة الحسين بن علي، فالتقوا بجيش الحصين وكان ضدهم جيش هائل متجهز بأفضل عُدَّة فحدثت الواقعة وسُفك فيها دم التوابين وسميت هذه الموقعة باسم عين الوردة في عام 76هـ.
وعاد الذين استطاعوا الهروب من هذه الحرب إلى الكوفة، ولكن الذي حدث لم يزدهم إلا إصراراً وتمسكاً في قتال الأمويين، وظهر حينها المختار بن أبي عبيد الثقفي المعروف بذكائه ودهائه، وكان يريد أن يُخرج التوابين عن طاعة سليمان بن صرد الخزاعي ليدخلوا في طاعته، ولكنهم رفضوا ذلك ولكن بعد أن قُتل سليمان في موقعة عين الوردة برز أسلوب المختار الجديد، وقام بإدخال ثأرهم للحسين في مخططاته حتى يستطيع أخذ طاعتهم، فكان الشعار الذي رفعه “يا لثارات الحسين”.