متى صدر أول دستور عثماني؟

اقرأ في هذا المقال


الدستور العثماني (1876):


ربما كانت التطورات السياسيّة الداخليّة التي أدت إلى ظهور أول دستور عثماني في (23) ديسمبر (1876) أهم من التغييرات الخارجيّة، وقد أنتجت التنظيمات ثلاثة أنواع من النقد داخل المجتمع المسلم.


الأول كان معارضة تقليديّة بسيطة، والثاني هو نقد أكثر تعقيدًا وضعه بعض المثقفين، وكثير منهم تلقوا تدريبًا بيروقراطيًّا وبعض المعرفة بالأفكار الغربيّة، أعرب الثالث عن تصميمه على السيطرة، وإذا لزم الأمر على عزله.


عُرف المثقفون باسم العثمانيّين الشباب، على الرغم من أنّ البعض قد شارك في جمعية سريّة (“التحالف الوطني”) في عام (1865) وكان لديهم بعض التشابه في الخلفيّة، فإنّ العثمانيّين الشباب لم يكونوا حزباً سياسيًّا منظماً؛ تمّ اعتبارهم كمجموعة إلى حد كبير من خلال حادث اجتماعهم في باريس ولندن في (1867-1871).


تراوحت وجهات نظرهم السياسيّة من العلمانيّة الثوريّة العالميّة إلى التقليديّة الإسلاميّة العميقة، نظرًا لأنّ آرائه احتلت مكانًا وسطًا بين هؤلاء المثقفين وبسبب وضوح تعبيره، غالبًا ما كان يُنظر إلى نامق كمال(1840-1888) على أنّه الشخصية التمثيليّة، على الرغم من أنّه ليس أكثر تمثيلا من الآخرين، لكن وجهات نظره كان لها التأثير الأكبر على الإصلاحيين اللاحقين.


انتقد كمال مصلحي التنظيمات لتبنيهم العشوائي للابتكارات الغربيّة، وبينما كان معجبًا بالكثير من الحضارة الغربيّة، كان يعتقد أنّ المبادئ التي تقوم عليها أفضل مؤسساتها موجودة في الإسلام، على وجه الخصوص، اشتق من التعاليم الإسلاميّة المبكرة وممارسة فكرة الجمعيّة التمثيليّة التي يمكن أنّ تتحقق من السلطة الجامحة للسلطان ووزرائه، ساعد في تشكيل ونشر فكرة الدستور والولاء للوطن العثماني.


مثل غيره، ساعده في تطوير مطبعة عثمانيّة، التي نشأت في ثلاثينيّات القرن التاسع عشر، لكنّها بدأت في التعبير عن آراء – تنتقد الحكومة أحيانًا – في ستينيات القرن التاسع عشر، خلال ذلك العقد تم إنشاء صحيفتين مؤثرتين،(Tercüman-i Ahval (1860) و Tasvir-i Efkâr (1862)؛ جنبا إلى جنب مع الصحف اللاحقة، أصبحت تلك المركبات للأفكار العثمانيّة الشابة، ومع ذلك، كان هذا هو الخط الثالث من النقد، الذي سعى للسيطرة على السلطان، وهو الأهم.


نشأ داخل البيروقراطيّة العثمانيّة العليا نفسها، قادها مدحت باشا وهو وزير عثماني، تولى عدّة مناصب حيث كان صدر أعظم ووزير عدل، وكان واليًا من قبل على سالونيك ودمشق وبغداد، أصبح مدحت باشا وأعوانه مصممين بسبب استبعادهم من السلطة وبسبب النتائج الكارثيّة لسياسات السلطان عبد العزيز، على فرض بعض الضوابط على سلطة السلطان.


كان الفحص التقليدي هو الإيداع، وقد تم ذلك (30 مايو 1876) في أعقاب أعمال شغب قام بها الطلاب اللاهوتيون وإزالة الوزير الأعظم المكروه محمود نديم باشا، وتمّ تشكيل حكومة جديدة ضمت مدحت باشا وأنصار الإصلاح الآخرين.


في عام (1876) تمّ تنصيب سلطان جديد مشهور بالليبراليّة، وهو مراد الخامس ، لكنه سرعان ما أصبح مجنونًا وعُزل، وحل محله السلطان عبد الحميد الثاني، أقنعت التجربة مدحت بضرورة وجود رقابة دائمة على سلطة السلطان، مثل التي يمكن أن توفرها جمعية تمثيليّة من شأنها أن تعطي الوزراء أساسًا للدعم المستقل عن السلطان، وفقًا لذلك، تم إقناع السلطان عبد الحميد بالموافقة على الدستور.


على الرغم من وجود آثار دستوريّة في الوثائق السابقة وعلى الرغم من أنّ تطوير المجالس – لا سيما مجالس المقاطعات بعناصرها المنتخبة – قد شمل جوانب برلمانيّة، فإنّ وثيقة (23) ديسمبر كانت أول دستور عثماني شامل (باستثناء القانون الأساسي التونسي لعام (1861)) الأول في أي بلد إسلامي.


تم اشتقاق الدستور بالكامل من إرادة الحاكم، الذي احتفظ بالسلطة التنفيذيّة الكاملة والوزراء مسؤولون بشكل فردي، في التشريع، كان السلطان يساعده برلمان من غرفتين، ينتخب مجلس النواب بشكل غير مباشر ويرشح الحاكم مجلس الشيوخ.


تمّ تحديد حقوق الحاكم والمحكوم، ولكن أفضل وصف للنظام الذي أنشأه هو أنّه استبداد ضعيف، تعرض مدحت لانتقادات لقبوله بعض التعديلات التي طالب بها عبد الحميد، بما في ذلك المادة (113) والتي لم تكن لها قبول آنذاك، والتي أعطت للسلطان الحق في ترحيل الأشخاص الذين يضرون بالدولة.


لكن من الواضح أنّ غالبيّة معاونين مدحت باشا كانوا راضين عن تلك التعديلات، وأنّ التعديلات لم تحدث فرقا كبيرًا، وكانت سلطات السلطان كبيرة جدا داخل وخارج الدستور، تمّ حل البرلمان الذي تمّ استدعاؤه بموجب الدستور في مارس (1877) في أقل من عام ولم يتم استدعاؤه حتى عام (1908)، تمّ نفي الليبراليّين؛ البعض، بما في ذلك مدحت باشا وتمّ إعدامهم.


شارك المقالة: