مدخل إلى سوسيولوجيا التغير الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


الاهتمام النظري بمسألة التغير الاجتماعي هو سؤال قديم وجديد، قديمًا مثل الفكر الاجتماعي ومع فلسفة التاريخ التي ظهرت مع ابن خلدون وفيكو وشبنجلر حول تفسير الشلال الدوري للتطور والتغير المجتمعي ومع كانت وهيجل وكونت في التفسير التقدمي والخطي للمجتمعات.

نشأة التغير الاجتماعي بشكله المعاصر:

نشأ التغير الاجتماعي في شكله المعاصر نتيجة الصعوبات مع نظريات التقدم بمعناها الفلسفي ونظريات التطور في شكلها البيولوجي القديم، ظهرت نظريات علم الاجتماع العلمية أن أصحابها جاءوا من خلال دراسة علمية تجريبية تعتمد على الأساليب الاجتماعية، من أمثلة النظريات الاجتماعية: نظرية أوجبورن، دوركهايم، ماركس، بارسونز، موركين، سبنسر، جينز بورغ، جاي روشي.

تبدو فكرة التغير الاجتماعي وكأنها فكرة بسيطة ومباشرة نظرًا لاستخدامها على نطاق واسع في الحياة اليومية، ولكنها أثارت الكثير من الجدل والنقاش بين علماء الاجتماع، سنحاول في هذا المقال إلقاء الضوء على بعض النظريات التي تشرح التغير الاجتماعي والعوامل الرئيسية التي تساهم في التنمية.

يعرّف جينز برج التغير الاجتماعي سوسيولوجياً بأنه كل شيء يحدث في الهيكل الاجتماعي كنموذج كلي وجزئي واجتماعي، لكن عند لندبرج يمثل الاختلافات التي تحدث في ظاهرة اجتماعية خلال فترة زمنية معينة والتي يمكن توقعها وتقديرها، ليس بعيدًا عن هذه الحدود، يعرّف عاطف غيت أيضًا بأنها ما يحدث في البناء الاجتماعي للوظائف والقيم الاجتماعية خلال فترة زمنية محددة، سواء كانت إيجابية أو سلبية بالنسبة إلى كولفيرني محمد هذا هو مجموع التغيرات الكمية والنوعية التي تحدث في المجتمع في فترة زمنية معينة.

يعرّف بوريكو في كتابه (التغير الاجتماعي) التغير الاجتماعي بأنه: تغير كبير في التنظيم الاجتماعي في بنائه ومؤسساته ووظائفه وآليات عمله على مدى فترة زمنية محددة، بشكل عام يمكن صياغة تعريف عام وشامل للتغيير الاجتماعي، بناءً على القاسم المشترك بين التعريفات السابقة، هناك مجموعة من الكلمات الرئيسية: التحول الملحوظ- البنية الاجتماعية- المجال الاجتماعي- مساحة مؤقتة محدودة.

التغير الاجتماعي: هو جميع التغيرات الاجتماعية التي يمكن توقعها في البنية الاجتماعية وفي التنظيم الاجتماعي كليًا أو جزئيًا، ثم في القيم الاجتماعية والعلاقات والأدوار في أي وقت.

خصائص التغير الاجتماعي:

خصائص التغيير الاجتماعي عند جي روشيه في كتابه “التغير الاجتماعي” عن التغير الاجتماعي فيما يتعلق بالجمهور العام هو ظاهرة سائدة في مجموعات واسعة من المجتمع، وله تأثيرات على البناء الاجتماعي، التغير الذي يؤثر على الهيكل بحيث يمكن رؤية التغيرات في التنظيم والبنية الاجتماعية في  وقت محدود ويتطلب التغير الاجتماعي حدًا زمنيًا وبالتالي لا يمكن الحديث عن التغير دون الحديث عن فترة مرجعية.

النظريات الاجتماعية التي تفسر التغير الاجتماعي:

بعض النظريات التي تشرح التغيرات الاجتماعية من وجهات نظر معرفية ومنهجية مختلفة في مدارس واتجاهات مختلفة ينتمي إليها أصحاب النظريات، وهذا من خلال محورين: الأول في النظريات الكلاسيكية  ويتألف من اتجاهين النظريات الخطية و الثاني يتعلق بالنظريات الحديثة وهو أيضًا من نوعين: أ- نظريات التوازن بـ نظريات اللاتوازن/ عدم التوازن.

النظريات الكلاسيكية هي نظريات أقرب إلى فلسفة التاريخ منها إلى علم الاجتماع، ولها نموذجان معرفيان كبيران ومختلفان، النموذج الدائري و النموذج الخطي.

أولاً: نظريات الدورة الاجتماعية: وهي تؤمن بأن عملية تغيير الحياة الاجتماعية تسير بصورة دائرية تنتهي حيث بدأت، وتكون الحركة منتظمة بحيث تبدأ من نقطة معينة في الدورة التي تقود المجتمع إلى عمل مشابه لما بدأ منه.

1- ابن خلدون 1332-1406: يصعب الحديث عن النظريات الدائرية في تفسير التغير الاجتماعي دون الرجوع إلى المفكر الكبير عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين ابن خلدون الحضرمي مخترع نظرية الوراثة الدورية التي تنص على أن المجتمع البشري مثل الفرد، ويحدث وهكذا قارن ابن خلدون عمر الدول بعمر الرجل، فيقول في مقدمة كتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) وأن عملية المجتمع هي تغيير دائري يبدأ وينتهي من النقطة التي بدأ منها، الولادة والنمو (النضج) ثم الاضمحلال (الموت). وعلى هذا الأساس تمر الدول بالمراحل التالية: البدو – الازدهار – التدهور ، وانهيار الدولة يفتح الطريق لظهور دولة جديدة تمر بنفس المراحل.

2- Fico 1668-1744: يعتقد أن التغيير الاجتماعي يأتي في شكل دائري ومتكرر في إطار حلزوني، بحيث تتجاوز كل دورة سابقتها وتكون أكثر نضج ثقافي وهكذا، يرى أن التغيير ليس خطيًا أو تصاعديًا، لكنه يكرر نفسه باستمرار في ثلاث دورات، وليس في مستوى واحد، وهذا ما يتناوله في كتابه (مبادئ علم جديد)، تاريخ تطور المجتمعات البشرية، بتقسيمها إلى ثلاث مراحل متتالية.

ثانياً: نظريات التقدم الاجتماعي: هذا هو عكس النظريات الدائرية، وهذا يعني أن التغير الاجتماعي يتقدم في خط تصاعدي، مما يعني أن التغيير تقدمي وأن المجتمعات تتطور إلى الكمال والأفضل.

1- جان جاك روسو (1712-1778): في عمله الشهير العقد الاجتماعي، يشرح ويفصل نظريته عن التقدم الاجتماعي ويعتقد أن المجتمعات البشرية قد مرت بأربع مراحل تطورية هي:

أ- مرحلة الحياة الفطرية أو مرحلة الطبيعة التي يخضع فيها الإنسان للطبيعة.

ب- مرحلة الملكية الشخصية والإنتاج الزراعي وستعرف بداية تكوين أسرة.

ج- مرحلة الصراع والتنافس بين الأفراد (عدم المساواة أو السيطرة على الأقوى).

د- مرحلة التعاقد بين الأفراد وإنشاء منظمة سياسية. هذه أجمل خطوة ويجب على المجتمعات أن تسلكها ، لأنها أفضل مستوى وصلت إليه البشرية.

2- كوندرسيه الأنطوني (1743-1794) ليس بعيدًا عن تصريح روسو في كتابه، شكل تاريخي لتقدم العقل البشري، يرى كوندرسيه أن تقدم البشرية كخط مستقيم يصعد إلى الأفضل والكمال على عكس روسو، الذي يركز على الجوانب الاجتماعية والتعاقدية والسياسية، يقول إن محورية الثقافة والتعليم لتحقيق التقدم في المجتمع، التقدم بالنسبة له هو تطوير المعرفة العلمية للمجتمعات وتوظيفها في تنمية البشرية.

النظريات الحديثة: إنها نظريات اجتماعية علمية وصلت إلى أصحابها من خلال الدراسة العلمية التجريبية باتباع المناهج الاجتماعية هذا مثال على النظريات الاجتماعية.

أولاً:نظرية التوازن: يعتبر عالم الاجتماع الأمريكي تالكوت بارسونز أشهر من طور الأفكار الوظيفية في هذا الاتجاه يعيش المجتمع كجماعة في توازن (الكائن العضوي- الشخصية- الثقافة)، وهو متوازن من الداخل لأنه يحقق اتساق العلاقات المنتظمة والمتوازنة.

عندما يتعرض المجتمع لموجة من التغير لا يمكنه أن يفقد خاصية التوازن، لأن التوازن ديناميكي وثابت (توازن غير مستقر)، وللمجتمع دائمًا القدرة على التكيف مع التغييرات الجديدة ودمجها فيها. الهيكل، وبارسونز. يميز بين نوعين من التغيير الاجتماعي.

1- التغيرات قصيرة المدى: التي تظهر في المجتمع نتيجة لعوامل داخلية (مثل الاختراعات والأفكار الجديدة) أو عوامل خارجية (مثل تغيير الخصائص الجينية للسكان ، وتغيير طرق سلوك الاستغلال أو الحروب) وهي: تغييرات تدريجية لا تؤدي إلى انهيار النظام أو تغيير جذري إنه مرتبط بعمليتين متأصلتين، التوازن- عدم التوازن العملية الأولى دائمة والثانية عارضة.

2- التغيرات طويلة المدى: هذه تغييرات واسعة النطاق (تحول المجتمعات البدائية إلى مجتمعات وسيطة، ثم إلى مجتمعات حديثة) تحدث على فترات طويلة.

ثانياً: نظرية عدم التوازن: إذا كانت النظرية الوظيفية تركز على التغير التدريجي للتوازن والتكامل والانسجام فإن المادية التاريخية تركز على التغيرات الثورية التي تنقل المجتمع من حالة إلى حالة متناقضة وعلى الصراع والتناقض، الصراع هو المحرك الرئيسي للمجتمع وتاريخ المجتمعات، في التحليل النهائي هو تاريخ الصراع بين الطبقات.


شارك المقالة: