أنثروبولوجيا علم الإنسان لها بُعدين الأكاديمي والمطبق. والأنثروبولوجيا التطبيقية تستخدم المعرفة من التخصصات الأنثروبولوجية الآخر لتحديد وحل مشاكل الثقافات العملية. فكيف يمكن لعلماء الأنثروبولوجيا الذين يتألقون في تعلم الأشخاص والأماكن الغريبة، أن تكون مفيدة في العالم الحديث؟ العالم الحديث الذي أصبح مترابط بشكل متزايد ويواجه صعوبات في التأقلم مع مشاكل الاختلافات الثقافية الحاسمة.
فالأنثروبولوجيا التي تدرس الإنسان الذي يعيش في جميع أنحاء العالم يمكن أن تتعامل بشكل رئيسي مع مشاكل الاختلافات الثقافية بطريقة أو بشكل أقل تهديداً وأكثر تسامحاً. وهذا هو اهتمام الأنثروبولوجيا التطبيقية. وفي هذا المقال دعونا نناقش البعد العملي لهذا الموضوع، وهو الأنثروبولوجيا التطبيقية مفهومها ونطاقها.
مفهوم الأنثروبولوجيا التطبيقية:
قام دانيال جي برينتون سنة 1895 بالوضع في بحثه أولاً “أهداف الأنثروبولوجيا” بعدها وضع مفهوم الأنثروبولوجيا التطبيقية. فعلى حد قوله ترمي الأنثروبولوجيا التطبيقية بشكل دقيق إلى التأكد من معايير الحضارة، مما ساهمت به العناصر الفردية أو الاجتماعية في الماضي بل وأكثر من ذلك، وكيف يمكن مواصلة هذه المساهمات وتعزيزها وكيف يمكن استدعاء القوات إن وجدت لتسريع التقدم. مرة أخرى، كما يرى أن الأنثروبولوجيا التطبيقية هي مجال البحث الذي يهتم بالعلاقة بين المعرفة الأنثروبولوجية واستخدامات تلك المعرفة في العالم خارج الأنثروبولوجيا.
حيث تم استخدام الأنثروبولوجيا التطبيقية لأول مرة من قبل المسؤولين من بعض أكبر دول أوروبا في إداراتها الاستعمارية. كما كان هؤلاء المسؤولين بشكل عام ليسوا علماء أنثروبولوجيا ولكن عملهم يتطلب منهم تحقيق مكاسب المعرفة لاحتياجات ورغبات السكان الأصليين. وفي هذا الطريق، بدأت الأنثروبولوجيا التطبيقية حياتها المهنية بسمعة مشكوك فيها.
وهنا يمكننا أن نرى حالة تطبيق الأنثروبولوجيا في حل مشكلة شعب أشانتي في أوائل القرن العشرين حيث أمكن اقتراحه عام 1921، عام اندلاع أشانتي الثالث كتاريخ ولادة الأنثروبولوجيا التطبيقية. حيث كان ملك قبيلة أشانتي في الغرب من ساحل إفريقيا يعتاد الجلوس على كرسي عادي لكنه يريح ذراعه على كرسي آخر. على الرغم من أن البرواز الأخير كان مشابهًا إلى حد ما للأول، إلا إنه كان مغطى جزئيًا بالذهب ويفترض أن يكون نزل من السماء. وكان يعتبر مقر الروح الجماعية عند شعب أشانتي، وبالتالي، تم تقديره باعتباره مقدسًا ورمز للقوة.
حيث كلما ظهرت الحاجة لاستدعاء كل القوة الهائلة يرمز إلى البرواز الذهبي، وكان الملك ظاهريًا يجلس عليه. وأيضاً كان البراز الذهبي مقدسًا جدًا بحيث لا يمكن وضعه على الأرض، لذلك، كان يوضع على قطعة قماش خاصة ثم ينشر مرة أخرى على جلد الفيل. وفي عام 1896، دخل البريطانيون في صراع مع الأشانتي. حيث أن المسؤولون البريطانيون حاولوا الحصول على البرواز الذهبي، معتقدين أنهم بذلك يمكن إخضاع الأشانتي المضطربة. لكن على عكس توقعاتهم، قوبلت هذه المحاولات بمقاومة قاطعة وتم إخفاء البرواز.
في عام 1921 باع بعض المجرمين الزخارف الذهبية للبرواز. ونتيجة لذلك، غضب شعب الأشانتي وطالبوا بقتل الجناة. وقت كان تفشي المرض مع البريطانيين وشيكًا، عندها كان الكابتن راتراي عالم الأنثروبولوجيا الحكومي يتدخل وسمح للأشانتي بالحفاظ على البرواز ومعاقبة الجناة بالنفي. وهكذا، كانت أهمية البرواز الذهبي بالنسبة للأنثروبولوجيا.
حيث أن العلاقة بين الأنثروبولوجيا والأنثروبولوجيا التطبيقية تشبه تمامًا العلاقة بين الهندسة والعلوم الفيزيائية. فنحن فقط نعتمد الهندسة لفعاليتها على علماء الفيزياء في فهم قانون الطبيعة، والأنثروبولوجيا التطبيقية تعتمد على ذلك التأثير على فهم الأنثروبولوجيا لقانون ثقافة الاختلاف والتغيير.
كما يهتم هذا الفرع من الأنثروبولوجيا بالتغير الثقافي المخطط له، عندما يُفترض أنه تطبيق للمعرفة الأنثروبولوجية. كما أن المصطلح يكتسب شعبية في أبحاث الأنثروبولوجيا الحالية وفي أجزاء مختلفة من العالم. ففي الهند منذ عام 1952 كان لمفهوم الأنثروبولوجيا التطبيقية دوراً في التخطيط والتغيير الواعي وذلك عندما أعلنت حكومة الهند سياستهم الجديدة في حماية حقوق ومصالح الطوائف والقبائل المصنفة في شبه القارة الهندية في جدول زمني. وهذا الالتزام أيضاً تضمن سلسلة من البرامج التفصيلية لتسريع معدل برامجهم وذلك لجعلها على قدم المساواة مع المجتمعات المتقدمة في وقت مبكر قدر الإمكان.
نطاق الأنثروبولوجيا التطبيقية:
الأنثروبولوجيا التطبيقية لها نطاق واسع. لكن في الأساس يعبر نطاقها عن أهداف هي:
1) تحديد احتياجات التغيير التي يتصورها السكان المحليون.
2) العمل مع هؤلاء الأشخاص لتصميم تغيير مناسب ثقافيًا.
3) حماية السكان المحليين من السياسات الضارة بما في ذلك مخططات التنمية التدميرية.
ففي الفترة المبكرة، عمل علماء الأنثروبولوجيا التطبيقية لمساعدة الحكومة على حسن إدارتهم والتخطيط للتنمية. لكن تم تمديد النطاق ليشمل الحدود الهامة للأنثروبولوجيا التطبيقية.