ممارسة الديمقراطية عند ألكسي دو توكفيل في علم الاجتماع:
كان عمر ألكسي دو توكفيل 25 سنة حين شرع برحلته الشهيرة إلى الولايات المتحدة، ولم تكن فرنسا بعد قد تمتعت بنظام مستقر منذ الثورة، ولم يكن الحكم الملكي الدستوري الإنجليزي، الذي طالما ذكر كمرجع مناسباً، وذلك بمقدار ما كانت فرنسا، وهي وطن حقوق الإنسان ماضية، بحسب توكفيل أكثر من أي بلد آخر بعملية لا تراجع عنها، هي عملية المساواة في الظروف المعيشية، وفي هذا السياق يفرض نفسه توسع ممارسة الحرية السياسية ليشمل كافة الأفراد، لقد حانت الساعة التي تخلي فيها الاستقراطية المكان إلى الديمقراطية بشكل نهائي.
ومع ذلك هل تتوافق المساواة في الظروف مع ممارسة الحرية؟ ثم ألا يعتبر منح حق التصويت لكل المواطنين من دون استثناء، تسليماً للديمقراطية إلى الفوضى؟ وللإجابة على هذين السؤالين فقد قام برحلة إلى الولايات المتحدة، المثال الوحيد، كما يبدو عن سير الديمقراطية الليبرالية، وبعدها قام بكتابة مجلدين عن الديمقراطية في أمريكا.
حظي المجلد الأول بنجاح باهر، وكصياغة كلاسيكية، تصرف تبعاً لطريقة مستوحاة من أعمال مونتسكيو، يصف توكيفل على التالي مؤهلات النجاح الطبيعية والقوانين، وأخيراً الطباع التي يمكن أن تفسر فرادة المجتمع الأمريكي، ومن دون أن يتخلص من تأثير مونتسكيو، عالج المجلد الثاني كذلك الديمقراطية على أنها نمط مثال.
إن كتابه عن الديمقراطية في أمريكا تحديداً يقطع مع أطروحة كانت مقبولة حتى تلك الفترة، تقول إنه على المساواة أن تحد من ممارسة المواطنة، ومن ذلك فإنها ستعيق الحرية، تبرهن الديمقراطية على العكس تماماً، فهي بالتأكيد تشتمل دوماً أسياداً وخدماً، أرباب عمل وعمالاً، غير أن علاقاتهم المتبادلة أضحت تدار بمبدأ المساواة، وعلى الصعيد السياسي، تترجم الديمقراطية بتوزيع متوازن للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وبمشاركة فعالة للمواطنين في الحياة السياسية المحلية ونفوذ الرأي العام.
إن المشهد اليومي الذي يقدمه بهذا الشكل المجتمع، لا يؤدي كثيراً إلى تعلق توكفيل الكامل، فهو الاستقراطي لا يخفي خيبته التي يوحيها إليه، بشكل خاص، تواضع الطاقم السياسي والمثقفين، ومن جوانب عديدة لا تقوى الديمقراطية على المقارنة مع الاستقراطية، لكن هذه العيوب هي المقابل الطبيعي للتواجد المشترك الفعلي للمساواة وللحرية ولتسوية الظروف التي يؤدي إليها.