مناقشات عند علماء الاجتماع حول تعريف علم الاجتماع:
تعتبر مسألة تعريف علم الاجتماع، وتحديد مجالات اهتمامه نقطة انطلاق، وبداية منطقية لكثير من الكتابات التي ظهرت في علم الاجتماع، وكان الهدف منها توجيه القارئ إلى هذا العلم وتقديم صورة واضحة عن موضوعة، والمسائل التي تشغل اهتمام المشتغلين به، وهذا هو نفس الأسلوب الذي سنحاول اتباعه بهدف توضيح الرؤية أمام الدارس الجديد لهذا العام.
قد كان العالم الفرنسي أوجست كومت هو الذي أطلق على علم الاجتماع هذا الأسم، وقد بذل جهداً كبيراً في تحديد علاقة هذا العلم بغيره من العلوم وفي صياغته لهذا الإسم ألف بين كلمة يونانية وأخرى لاتينية، وكان ذلك عام 1830 تقريباً، والكلمة اليونانية هي logos ومعناها العلم والثانية وهي اللاتينية societas وتعني المجتمعات أو الجماعات أو الأسرة أو المدينة أو ما أشبه ذلك من صور الاجتماع البشري، وقد شاع هذا الأسم واعترف به الجميع منذ ذلك الوقت حتى الآن.
ولم تكن هذه التسمية هي الوحيدة من نوعها، ولكن سبقتها محاولات أخرى، فسبق أن أطلق عليه سان سيمون وهو عالم فرنسي أيضاً إسم الفسيولوجيا الاجتماعية، كما أطلق عليه عالم بلجيكي هو كيتيلية إسم الفيزياء الاجتماعية، وبعد كذلك كتب عبد الرحمن ابن خلدون كتاب العبر الذي عرف بعد ذلك باسم مقدمة ابن خلدون، وفي هذا الكتاب أطلق ابن خلدون على هذا العلم إسم العمران البشرى، أو الاجتماع الإنساني.
وهكذا يتضح أنه كان هناك خلاف كبير حول تسمية علم الاجتماع رغم ما أشرنا إليه من أن تسمية أوجست كومت قد استقرت حتى يومنا هذا، وانتشرت في سائر الأوساط العلمية، ويرجع هذا الخلاف من ناحية إلى أن كل تسمية أطلقت على علم الاجتماع اعتمدت على تصور كل عالم من العلماء لموضوع العلم.
فنجد أن سان سيمون مثلاً يتصور أن موضوع هذا العلم هو دراسة وظائف الظواهر الاجتماعية على نفس النحو الذي تدرس به العلوم والطبيعية وظائف الظواهر الطبيعية، ومن هنا كان تفضيله لتسمية بعلم الفسيولوجيا الاجتماعية، كما أن كارل ماركس قد تصور أن موضوع العلم هو دراسة البناء الاجتماعي للمجتمع في صورة كلية ولذلك رفض تسميته بعلم الاجتماع وأطلق عليه علم المجتمع.
ومن ناحية أخرى فقد كان لدى البعض الآخر تصور معين لمنهج علم الاجتماع، فقد اعتقد جيدجينز أن المنهج الذي يجب اتباعه في هذا العلم هو المنهج الاستقرائي الذي يتدرج فيه البحث من دراسة الملاحظات الجزئية للظواهر إلى التوصل إلى تعميمات تنطبق على عدد كبير من الظواهر الفردية، بمعنى انتقال الباحث من الخاص من الخاص إلى العام، ومن هنا فإنه يفضل إطلاق اسم علم الاجتماع الاستقرائي، أما العالم الفرنسي المفيد في الدراسات العلمية الاجتماعية هو المنهج المقارن الذي يتبع الوحدة.
وكذلك فإن المقارنة في رأيه مرحلة ضرورية سابقة على التفسير، فمن الضروري أن يقوم علم الاجتماع في البداية بالمقارنة والتقريب بين الظواهر التي يصفها وذلك في محاولة للوقوف على أوجه التشابه والاختلاف بينها، ثم ينطلق من ذلك تفسير هذا التشابه، وذلك الاختلاف وبناء على ذلك فإنه التسمية المفضلة عنده هي علم الاجتماع المقارن ومعنى ذلك كله أن الاختلاف في التسمية كان يرجع بالدرجة الأولى إما في تصور معين لمنهج هذا العلم.