من هم ملوك الهكسوس؟
إذا أردنا عدّ ملوك الهكسوس سواء من ذكرهم مانيتون أو من ذكرهم الإفريقي أو ما تم الوصول إليه من أسماؤهم المنقوشة على الآثار لشاهدنا جدولاً طويلاً من الأسماء وبخاصة ما جاء منها مُسطراً على الجعارين.
ولنبدأ الآن بمانيتون. فنشاهد أنه قد قام بتقسيم ملوك مصر في عهد الهكسوس إلى (3) أسر، أولاها وهي الأسرة الخامسة عشرة تتكون من ستة ملوك يبدأ أولهم بالملك ساليتيس ثم يليهم ملوك الأسرة السادسة عشرة، في مختصر الأفريقي، وعدد ملوكها اثنان وثلاثون ثم بعد ذلك ملوك الأسرة السابعة عشرة المُعاصرين لملوك طيبة وعددهم ثلاثة وأربعون.
وقد تحدث عن هؤلاء الملوك وآثارهم بشكل مفصل كل من الدكتور باهور لبيب، والدكتور شتوك، في رسالتيهما عن هذا العصر ويكفينا فقط أن نشير إلى بعضهم مثل الملوك الثلاثة الذين يتسمون باسم أبوفيس (إبيبي باللغة المصرية)، والذين عثروا على آثار كثيرة تحمل أسماءهم في أماكن عديدة من مصر، ومن بينها تماثيل وأحجار منقوشة وبعض آثار صغيرة مثل الخنجر المصنوع من البرونز الذي عثر عليه في سقارة في مدفن شخص يُسمى (عبد)، وكان هذا الخنجر باسم شخص سامي آخر اسمة (نحمان).
ومن أقوى ملوك الهكسوس المهمين الذين لا يستطيع نسيان وصفهم الملك المُسمى (خيان)، وربما كان هو الذي ورد في قائمة مانيتون تحت اسم جناس ونجد من معالمه الكثيرة أنه كان يحمل لقب (حقا خاسوت)، من بين ألقابه، وكان أيضاً رئيس الجند، وكان ابن الشمس، كما كان يُسمى (الإله الطيب)، مثل ملوك مصر السابقين. ومن المهم جداً أن نعرف أنَّ آثار هذا الملك عثر عليها في جهات مختلفة من مصر، وفي سورية، وفي فلسطين، ومنها أيضاً الأسد الذي يحمل اسمه الذي رؤي في بغداد يوماً ما لدى أحد تُجار الآثار وغطاء إناء من المرمر جاء من حفائر السير آرثر إيفانز في كريت.
وما من شك في أنَّ (خيان)، كان من أقوى وأهم ملوك الهكسوس ولكن وجود بعض الجعارين باسمه في سورية وفلسطين، أو تمثال صغير لأسد لا يزيد طوله عن (45,2 سم)، في بغداد أو غطاء آنية متوسطة الحجم في كريت لا تجعلنا ننساق وراء من يذهب بهم الخيال إلى جعل هذه الأشياء أساساً لنظرية اتساع ملك الهكسوس، وأنهم كانوا على رأس امبراطورية شملت مصر وسورية وفلسطين والعراق وجزر البحر الأبيض المتوسط فإنَّ هذا غير مقبول ولا يستند على أي دليل جدي لأنَّ جميع هذه الآثار من السلع التي يمكن أنّ يُقال عنها إنها سلع تجارية وسهل حملها من مكان إلى مكان، وعلى هذا فإنَّ الاتجاه الحديث يُخالف المؤرخ الكبير إدوارد ماير فيما رآه.
آخر ملوك الهكسوس:
احتل الملوك الثلاثة سقنن رع وكامس وأحمس مكان الصدارة في تاريخ عائلتهم ولكن يجب ألا ننسى أنهم كانوا آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة الطيبية. نعرف قبلهم ثمانية على الأقل كان بعضهم يُسمى باسم (أنتف)، والبعض الآخر باسم (سوبك إم ساف)، والبعض الآخر بأسماء أخرى، وقد اهتم بدراستهم الأثري (ونلوك)، الذي قام بحفر مقابرهم في منطقة الطارف ودراع أبو النجا وقارنهم بما جاء في بردية أبوت. ثم قام بدراستهم حديثاً شتوك في كتابه الذي أشرنا إليه أكثر من مرة في هذا البحث.
وقد وجد ماربيت على قبور بعضهم مثل قبر الملكة (إعج حوتب)، زوجة سقننرع وأم الملك (أحمس)، والتي تزين حليها بعض خزائن المتحف المصري، ونعرف أيضاً من بين ملكات هذا البيت اسم الملكة (تتي شري)، التي لعبت دوراً كبيراً في تاريخ الأسرة وكانت جدة للملك أحمس، واشتهرت في عصرها وبعد عصرها ملكة أخرى وهي الملكة أحمس نفرتاري التي توزوجت زخويها كامس وأحمس واحداً بعد الآخر.
ولا ريب أنَّ هذا البيت المالك كان له أثر في الناحية الفنية بما وصل إلى مصر من تأثيرات أسيوية في بعض قطع الحي، إذ نرى في زخرفتها ما يجعلنا نقارنها بالطرز الزخرفية المعروفة لنا بأنها كانت شائعة في سورية وفي كريت. ولكن إذا درسنا الآثار المصرية بوجه عام لا نرى أثراً كبيراً لاحتلال الهكسوس فقد ظلت التقاليد الفنية في صناعة التماثيل وفي اللوحات وفي الحلي بوجه عام، تتبع ما كانت عليه في آخر أيام الأسرة الثانية عشرة اللهم إلا بعض التطور الذي يحتمه مرور الزمن. وكذلك اللغة، لم يدخلها عنصر غريب أو يحدث فيها تطور يُذكر، وإذا قرأنا النصوص المبكرة في الأسرة الثامنة عشرة فإننا نرى أنّ تكاد تختلف نحوها أو مفرداتها عن لغة الأسرة الثانية عشرة.
أما فيما يخص الهكسوس أنفسهم فإن غزوات أحمس قامت بتفريق شملهم ثم أتت حروب تحوتمس فقطعت دابرهم، ومحتهم محواً تاماً من كتب التاريخ كقيادة حربية أو كأمة لها كيانها. كان احتلال الهكسوس لمصر أول ما تعرضت له من ذلة على يد أجنبي، لهذا كان انتقام المصريين من أعدائهم على قدر ما أحسوه من مرارة، وظلت هذه المرارة في نفوسهم لم يقض عليها الزمن حتى فيما كتبه مانيتون عن طردهم من مصر بعد مرور نحو ((1300 عاماً. بل وحتى الآن وبعد مضي أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام مازال المصريون يلعنونهم، كما لعنهم أجدادهم، كلما مروا في دراستهم للتاريخ القديم بهذه الفترة من تاريخ بلادهم.
وبالرغم من أنَّ أحمس الأول ينتسب إلى الأسرة السابعة عشرة فإن مانيتون وضعه على رأس أسرة جديدة وهي الأسرة الثامنة عشرة التي بدأت بحكمه عام (1570) قبل الميلاد، وقد أحسن مانيتون فإن حكم هذا الملك كان بداية عهد جديد في تاريخ البلاد.