اقرأ في هذا المقال
- نوعية المجتمع الذي يدرسه الأنثروبولوجيون
- المجتمعات ذات التكنولوجيا المحدودة في الأنثروبولوجيا
- الفرق بين المجتمعات البدائية والريفية من وجهة نظر علماء الأنثروبولوجيا
- لفظ قبلي عند علماء الأنثروبولوجيا
تدرس الأنثروبولوجيا كافة المجتمعات لكن قد يختلف لفظ أو نوع المجتمع الذي يدرسه علماء الأنثروبولوجيا، وفي هذا المقال سنتحدث عن نوعية المجتمع الذي يدرسه الأنثروبولوجيون، وعن المجتمعات ذات التكنولوجيا المحدودة في الأنثروبولوجيا، والفرق بين المجتمعات البدائية والريفية من وجهة نظر علماء الأنثروبولوجيا، وأيضاً عن لفظ قبلي عند علماء الأنثروبولوجيا.
نوعية المجتمع الذي يدرسه الأنثروبولوجيون:
نوعية المجتمع الذي يدرسه الأنثروبولوجيون، لطالما اعتبروا أن مجال دراستهم هو نوع معين من المجتمعات، فإن عليهم أن يجدوا الكلمات المناسبة لوصف وتشخيص هذه النوعية من المجتمعات. وهو أمر صعب ومحرج؛ لأن الشعوب التي نستهدف دراستها أصبحت تستنكر أي وصف لها يضعها في مكانة وضيعة.
ومن الألفاظ التي شاع استخدامها لوصف تلك المجتمعات لفظ “بدائي”، وهو لفظ استخدمه كُتاب القرن التاسع عشر لوصف حالة البشرية التي اعتبروها بمثابة الطفولة بالنسبة لمستوى إدراكهم وتطورهم البالغ. فلا عجب إذن أن تستنكر الدول الجديدة النامية هذا التعبير. وقد استعمله دوركايم للتعبير عن أقدم الصور الأولى التي يبدو بها أي نظام من النظم في الواقع. وهكذا نجده في كتابه عن الدين يعطي أسباباً يعلل بها خطأ اعتبار عبادة الأسلاف شيئاً بدائياً.
المجتمعات ذات التكنولوجيا المحدودة في الأنثروبولوجيا:
المجتمعات ذات التكنولوجيا المحدودة الأنثروبولوجيا إذا استخدمنا هذا اللفظ اليوم فلا نقصد به الصفات العقلية أو الأخلاقية، لكننا نقصد به الافتقار إلى التطور في التقنية. فبعض الأنثروبولوجيين يكتبون عن “المجتمعات ذات التكنولوجيا البسيطة” لكنها عبارة غير سلسة إذا كان يتحتم أن تتكرر كثيراً. أما لفظ “بسيطة” فيمكن استعماله إذا تأكدنا من مدلوله.
وهناك تعبير آخر لا يثير السخط والغضب وهو المجتمعات المحدودة scale-Small وهو تعبير عن النطاق الضيق للعلاقات الاجتماعية التي تنحصر فيها المجتمعات ذات التكنولوجيا البسيطة. وأحياناً يتحدث الناس عن مجتمعات المواجهة أو مجتمعات العلاقات المباشرة Face to Face وهو تعبير يدل على أن جميع أفراد المجتمع على اتصال دائم، أو أنهم على الأقل معروفون لبعضهم البعض. وهو وضع لا ينطبق إلا على أصغر الوحدات الاجتماعية التي يهتم الأنثروبولوجيون بها.
من الواضح أن المجتمعات التي دخلت حديثاً عصر الآلة، ليست كلها على نفس المستوى التكنولوجي. كما لا يستطيع أحد أن يطلق لفظ “بدائي” على حضارات الشـرق الأقصى القديمة. إلا أن لهذه الحضارات بعض سمات المجتمعات المحدودة أو ذات النطاق الضيق، وذلك إلى حد أن بعض علماء الأنثروبولوجيا وجد فيها مادة ملائمة للدراسة.
الفرق بين المجتمعات البدائية والريفية من وجهة نظر علماء الأنثروبولوجيا:
يفرق بعض علماء الأنثروبولوجيا بين المجتمعات البدائية والريفية. فالبدائية في رأيهم هي المجتمعات المنطوية على نفسها والمكتفية بذاتها، حيث يقوم الناس بإنتاج طعامهم وغيره من الاحتياجات الضرورية. أما المجتمعات الريفية فهي التي يعيش فيها المزارعون في مجتمعات محلية صغيرة ذات اكتفاء ذاتي إلى حد كبير، لكن لهم بعض العلاقات مع مجتمع كبير حيث يبيعون الفائض من إنتاجهم فى السوق، كما يخضعون لسلطة سياسية خارجية عنهم ويتقبلونها، والبعض يفرقون نفس التفرقة بين المجتمعات القبلية والريفية. فكثير من المجتمعات التي تسمى بالمجتمعات الريفية تتحول الآن بسرعة إلى مجموعات من السكان الريفيين الذين يعملون بأجر.
لفظ قبلي عند علماء الأنثروبولوجيا:
إن لفظ “قبلي” قد استخدم للتفرقة بين سكان الريف وسكان الحضر كما فعل ذلك عالم الأنثروبولوجيا فيليب ماير فى كتابه “حضريون أم قبليون إذ درس بعض قبائل البانتو Bantu في جنوب أفريقيا الذين يذهبون للعمل في مناطق حضرية لكنهم يحاولون ما استطاعوا أن يبقوا فيها على عاداتهم الخاصة.
كما أن لفظ “تهدم النظام القبلي” أي فقدان الصفات القبلية فيستخدم أحياناً على أنه مفهوم يعبر عن شيء طيب وأحياناً على أنه مفهوم يعبر عن شيء سيء. لكن عبارة “تهدم النظام القبلي تستخدم اليوم للإشارة إلى اتخاذ طرق المعيشة الحضرية في المدن وليس للدلالة على التخلي عن الأساليب التقليدية في الريف.
وحتى إذا كانت هناك فكرة عامة عن هوية المجتمع القبلي، إلا أنه لا يوجد إجماع في الرأى حول تعريف “القبيلة”. وهي كلمة استخدمها أنثروبولوجيان معاصران بمعنى محدد ولكنه للأسف ليس بمعنى واحد، ففي كتابه عن قبائل النوير في جنوب السودان يلاحظ إيفانز بريتشارد Evans أن هؤلاء السكان البالغ عددهم مائتي ألف مواطن، والذين لهم اسم مشترك ولغة مشتركة ينقسمون إلى وحدات سياسية واضحة وهو يطلق على هذه الوحدات اسم قبائل.
فإذا استخدمنا هذه الكلمة بهذا المعنى فيمكن تعريفها بأن القبيلة هي فرع أو جزء منظم سياسياً من وحدة إثنية أو ثقافية أكبر. وهذا طبقاً للاستعمال الذي يقضي بتقسيم شعب تسوانا Tswana في بتسوانا إلى ثماني قبائل، لكل منها زعيمها الخاص. كما يمكن تطبيق الاسم على فروع أو أجزاء شعب الإيبو الذي يبلغ عدده ستة ملايين في نيجيريا وغيرها من الحالات الكثيرة.
إلا أن بيلي Bailey في كتابته عن الهند، يستخدم مصطلح قبيلة بمعنى آخر، ويأخذ في الاعتبار الاستخدام والعرف السائد بتقسيم سكان الهند إلى شعوب قبلية وإلى طوائف حسب النظام الطائفي الهندي. وهناك قائمة رسمية بالشعوب القبلية التي تتمتع بحماية خاصة من نواح متعددة. ولكن عندما يحاول الإنسان أن يذكر الصفات المشتركة بينها في هذه النقطة أن “الطائفة” والتي تفتقر إليها الطوائف يستحيل عليه ذلك.
ويرى بيلي “القبيلة” لا تعبران عن نوعية من المجتمعات مختلفين تمام الاختلاف، لكنهما طريقتان لتنظيم الناس بغرض التعاون بينهم. فمن أجل تنظيم حياة اقتصادية يجب على سكان المجتمعات الريفية أو مجتمعات الإعاشة أن تكون لهم أرض. أما في التنظيم القبلي فلكل فرد الحق في الأرض بفضل كونهم أفراداً في القبيلة، وجميع بطون القبيلة في مكانة “بالتضامن الآلي” للمجتمع الذي تتشابه فيه جميع واحدة. وهذا هو ما قصده دوركايم الأجزاء.
ففي النظام الطائفي تملك الطائفة الرئيسية الأرض، بينما تنظم الحياة الاقتصادية على أساس قيام الطوائف الأخرى بخدمات في مقابل حصولها على حق فلاحة الأرض أو أخذ نصيب من الحصاد. وهو ما سماه دوركايم “بالتضامن العضوي” القائم على توزيع العمل وتقسيمه. والمجتمعات القبلية تتخذ من المساواة مثلاً أعلى لها، على حين أن المجتمعات الطائفية تقوم على التدرج الهرمي إلى مستويات بعضها فوق بعض، وأما المجتمعات العادية القائمة فعلاً فتجمع بين هذين الأساسين من أسس التنظيم. إلا أن هذه الظاهرة لا تعطى تعريفاً يمكن تطبيقه بشكل عام لكلمتي “القبيلة” و”القبلي”.