هرم الجيزة الأكبر

اقرأ في هذا المقال


هرم الجيزة الأكبر:

قضى مهندسو (سنفرو)، ما يقرب من ربع قرن في تشييد أهرامه ومقابر أسرته وكبار موظفيه، استكملوا خلالها خبرتهم العظيمة في تشييد الأهرام. فلما جاء اليوم الذي بدأوا فيه في تشييد هرم ابنه (خوفو)، أرادوا أن يجعلوه أعظم من أهرام أبيه ليس في الحجم فقط بل وفي التصميم، والنسبة بين أجزائه، وفي الإتقان الكامل لفن البناء.

وإذا أردنا التكلم عن الهرم لطال بنا الأمر، ويكتفي أن نذكر أنه يملك مساحة لا تقل عن ثلاثة عشر فدان وأنهم قد استخدموا في بنائه عدداً لا يقل عن (2.300.000)، ‏كتلة من الحجر قطعوها من محاجر في الهضبة نفسها، ويزيد وزن بعضها عن ثمانية أطنان ويقل وزن البعض الآخر (الجزء الأعلى من الهرم) عن طن واحد.

وقد حسب أحد الرياضيين أنه لو تيسر تقطيع الكتلة الكاملة للهرم الأكبر إلى أحجار صغيرة كل منها قدم مكعب واحد ووضعنا هذه الأحجار إلى جانب بعضها لأصبح طول ذلك الخط ثُلثي محيط الكرة الأرضية عند خط الاستواء، كما قدر البعض الآخر أنه لو استخدمت أحجار الهرم في عمل سور حول فرنسا ارتفاعه ثلاثة أمتار وعرضه متر واحد لكفت.

وارتفاع الهرم (‎(146‏ متراً وطول ضلع قاعدته (‎(230‏ متراً ولكن هذا كله يصغر أمام تطور ودقة المصريين في ذلك العهد البعيد وتفوقهم في فن البناء ووصولها إلى حد الإعجاز في ضبط الزوايا والأبعاد. وسيزداد الزائر إعجاباً إذا زار داخله واتخذ طريقه في تلك الطرقات القليلة الارتفاع ثم وجد نفسه في تلك الردهة المرتفعة ووقف أخيراً يتطلع إلى تابوت الملك خوفو في حجرة الدفن، وعندما بدأ مهندسو خوفو في تشييد هذا الهرم لم يكن التصميم الأصلي هو البناء الحالي الذي نراه أمامنا بل كان يقل عنه.

ولم تكن غرفة دفنه في داخل الهرم بل كانت مقطوعة في الصخر ويؤدي إليها ممر مُنحدر في جوف الأرض أثناء العمل، غيروا التصميم وزادوا من البناء وأصبحت حجرة الدفن في داخل البناء نفسه، وهي المعروفة الآن خطأ باسم حجرة الملكة، وللمرة الثانية غيروا التصميم وقام المهندسون بعمل الردهة الكُبرى الصاعدة التي توصل إلى حجرة الدفن.

وكان الهرم بأكمله مكسواً من الخارج بكساء من الحجر الجيري الأبيض الذي قطعوه من محاجر طرة في الشاطىء الشرقي للنيل، وكان له معبد جنازي كبير في الناحية الشرقية منه ما زالت بقاياه موجودة، وعلى الأخص أرضيته من حجر الدلوريت الأسود المقطوعة من محاجر في شمال بحيرة قارون بالفيوم.

وكانت بعض جدران هذا المعبد منقوشة وقد عثر على بعضها في حفائر مصلحة الآثار عام (1938)، وفي الناحية الشرقية من المعبد بنوا جسراً ضخماً نزل من حافة الهضبة إلى الوادي، واستخدموا هذا الجسر ليكون الطريق الموصل إلى معبد الوادي الذي لم يكتشف مكانه حتى الآن، وإنّ كان من المؤكد أنه تحت منازل بلدة نزلة السمان الحالية.

وكان هناك هرم صغير في الجهة الجنوبية من هرم خوفو هُدِمَ وزالت أحجاره منذ عهدٍ بعيد، كما قطعوا في الصخر أماكن كبيرة الحجم كانوا يضعون فيها سفناً كبيرة من الخشب لتكون تحت تصرف الملك عندما يقوم برحلتي النهار والليل مع إله الشمس (رع)، وفي مختلف الأغراض عند عبور الأنهار والبحيرات في العالم الآخر.

وقد كشفت الدفائن منذ وقتٍ بعيد عن ثلاثة من تلك الأماكن المعدة للمراكب في الناحية الشرقية من الهرم، كما عثر في صيف عام (1954)، على أماكن اثنتين أخريين في الناحية الجنوبية، وقد رفعت الأحجار الضخمة التي سقفوا بها مكان واحد منها فكشفت عن أجراء مركب كبير من خشب الأرز في حالة جيدة ومعه جميع معداته من مجاديف وحبال ومقصورة للجلوس.

ونعرف الآن أنَّ طول هذا المركب ثلاثة وأربعون متراً ونصف، وأنَّ ارتفاع مقدمتها خمسة أمتار، وارتفاع مؤخرتها سبعة أمتار. وليس هذا المركب أكبر ما كان يصنعه المصريون القدماء بل كان هناك ما هو أكبر منها طولاً إذ ورد في حجر بالرمو من عهد سنفرو نفسه ذكر بناء كثير من السفن التي كان طول كل منها مائة ذراع مصري أي أكثر من اثنين وخمسين متراً.

لم تكن فكرة وجود مراكب على مقربة من الأهرام جديدة على الأثريين فقد كان معروفاً لخوفو، كما تكلمنا من قبل أنَّ ثلاثة منها من قبل (اثنتين في الناحية الشرقية والثالثة إلى جانب الطريق الموصل إلى معبد الوادي). ونعرف أيضاً أمكنة خمسة على الأقل على مقربة من هرم ابنه خفرع.

وقد عثر على بعض مراكب خشبية على مقربة من سنوسرت الثالث في دهشور اثنتان منها في المتحف المصري بالقاهرة وثالثة في أحد متاحف شيكاقو بالولايات المتحدة الأمريكية ولكنها أقل كثيراً في الحجم وجودة الصناعة، كما أنَّ مراكب خوفو ليست أقدم ما نعرفه إذ نعرف وجود هذا النوع من المراكب إلى جوار مقابر الأسرة الأولى في سقارة وحلوان.

ولكن بالرغم من أنَّ الأفكار لم تكن حديثة على الأثريين فإنَّ الاكتشاف الجديد ذو أهمية لا يمكن التقليل منها ولن يزيد هذا الاكتشاف من معلوماتنا عن صناعة السفن والنجارة في ذلك العهد البعيد فحسب بل ستزداد معلومات كثيراً من دراسة المواد المختلفة التي عثر عليها في المكان واستخدموها مع السفينة.

وكثيراً ما تم ذكرة في وصف هذه السفينة على أنها (مركب الشمس)، أو (سفينة الشمس)، ولكن يجب أخذ الحذر من هذه التسمية، لأنه ليس لدينا على الإطلاق ما يثبت أنها كانت إحدى سفينتي رحلة الشمس، بل هناك أكثر من قرينة تدل على عكس ذلك القول وأنها كانت واحدة من السفن السبع أو الثماني التي وردت في نصوص الأهرام مُقترنة برحلة الملك بعد وفاته في العالم الآخر. وذلك لأن مخصص سفن الشمس كان ذا شكل خاص كما كان يحتوي على رموز دينية خاصة مُقامة فيها وذلك كله لم يتوفر في السفينة المكتشفة.

أما عن المدة الذي استغرق في إنشاء هذا الهرم فنحن لا نعرف إلا ما ذكره المؤرخ اليوناني هيرودوت وقال بأنه سمعه من الكهنة المصريين وهو أنَّ بناء الأجزاء السفلي والممرات الصاعدة قد استغرق عشر سنوات،‏ وأنَّ بناء الهرم نفسه استغرق عشرين عاماً، وكان عدد العمال مائة ألف يعملون ثلاثة أشهر في السنة. وللمؤرخين العذر إذا شكوا في صحة الرواية؛ لأن هيرودوت لم يسمعها إلا بعد مضى أكثر من ألفي سنة بعد بناء الهرم ولم يكن محدثوه إلا من صغار الكهنة، وهم لا يزيدون في معلوماتهم عن الأدلاء الحاليين الذين نراهم حول الهرم إن لم يقلوا عنهم في المعرفة. وقد ذكر الكهنة له ما كان يردده الشعب من قصص، وبعضها لا يمكن أن يصدقه العقل.

ولكن بالرغم من ذلك فقد درس المهندسون المعماريون هذا الموضوع وهم مُقتنعون بأن بناء الهرم يحتاج على الأقل إلى مثل ذلك الوقت. أما الرقم الذي ذكره عن عدد العمال فربما كان صحيحاً وأنهم كانوا يأتون بهم في وقت الفيضان بينما كان المختصون من عمال المحاجر والنحاتين يعملون طول العام. وذكر لنا هيرودوت أيضاً أنَّ خوفو كان قاسياً على شعبه وأنه كان يسخر الناس دون رحمة ولهذا كرهوه وحقدوا عليه، وسواء أكان ذلك صحيحاً أو غير صحيح فإننا لم نعثر فيما كشفت عنه الحفائر من نصوص ما يثبت ذلك.

وكثيراً ما تم قراءته لبعض الكُتاب نقداً واضحاً من أعمال السحرة أو الرق في تشييد الهرم، وعن الحكام الذين يستنزفون دماء الشعب في سبيل تحقيق أشياء لا فائدة منها للناس بل كل فائدتها تعود إلى الحاكم نفسه ليتباهى بها. وأراد البعض الآخر أنّ يدافع عن قدماء المصريين فقال بأن خوفو وغيره من الملوك كانوا يشيدون الأهرام ليساعدوا المتعطلين عن العمل في شهور الفيضان عندما تصبح الحقول مُغطاة بالمياه، فتقل فرص العمل ويندر وجود القوت للفقير الذي لم يستعد لتلك الأيام، فكان تشييد الأهرام عملاً إنسانياً، لأنه يضمن لهم الطعام والشراب.

جبانة الهرم الأكبر:

سمح خوفو بعملية تشييد مقابر المقربين من أهله ورجال بلاطه وكبار موظفيه على مقربة من هرمه ليكونوا حوله في الحياة الأخرى، كما كانوا حوله في دنياهم، وبذلك يضمنون لأنفسهم الحياة الخالدة السعيدة. وخصصوا الناحية الشرقية من الهرم لأفراد عائلته فترى في أول صف قريب من ضلعه الشرقي ثلاثة أهرام صغيرة لثلاثة من زوجاته ثم نرى مقابر أبنائه وإخوته وغيرهم من عائلته في صفوف متراصة حتى تصل المقابر إلى حافة الهضبة.

وكان بعض إخوانه مثل (حم إيون)، وهو ابن لسنفرو وكان مُشرفاً على تشييد هرم خوفو في فترة من فترات تشييده وغيره مع عدد كبير من رجال البلاط والموظفين مدفونين في الناحية الغربية من الهرم في صفوف بينها طُرقات مستقيمة. وقد تم فحص الجزء الأكبر من الجبانتين الشرقية والغربية على يدي أعضاء بعثة هارفاردو بوسطون وبعثة أكاديمية العلوم في فينا.

وجاءت تلك الحفائر بنتائج علمية كبيرة جلت لنا كثيراً من النقط الغامضة في تاريخ وحضارة هذه الفترة المهمة في التاريخ المصري. وقد سطا اللصوص على أكثر هذه المقابر في العصور القديمة والحديثة ولكن بقى رغم ذلك الكثير من الآثار الهامة وبخاصة النقوش والتماثيل وغيرها. وهناك ما يدل على أنَّ الهرم نفسه قد تعرض لِمَا تعرضت له الجبانة كلها في الفتح والنهب في فترة الضعف الذي أصاب مصر في عصر الفترة الأولى، أي في أعقاب الدولة القديمة.


شارك المقالة: