الوزارة في العهد السلجوقي

اقرأ في هذا المقال


تطوير نظام الوزارة في سلاطين السلاجقة:

تأثر منصب الوزارة إلى حد كبير بالظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها الدولة الإسلامية، ففي الوقت الذي قوي فيه نفوذ هذه الدولة علا شأن الوزارة، ومارس الوزراء أعمالهم بحرية كبيرة، ومن ثم ظهرت آثارهم في إدارة شئونها، كما حظوا بقدر كبيرمن الهيبة والاحترام. ولمّا تطرق الضعف والانحلال إلى جسم هذه الدولة، تضاءلت سلطة الوزراء، وصاروا عُرضة للعزل والمصادرة.

مرت الوزارة في العهد البويهي بهذا الوضع، فتجلت سلطة الوزراء في إدارة أمور الدولة في أوائل هذا العهد، ثم فقدت الوزارة هيبتها واحترامها عندما انقسم الأمراء البويهيون على أنفسهم.

أما في العهد السلجوقي فقد ترتب على وجود وزير للسلطان ووزير للخليفة حدوث احتكاك بينهما، وكان وزير السلطان أكثر نفوذاً وسلطة من وزير الخليفة العباسي لأنه كان يستمد نفوذه من قوة السلطان السلجوقي صاحب النفوذ الفعلي وقتذاك. وكان لوزير الخليفة العباسي نفوذ قوي فيما يتعلق بسياسة الخلافة العباسية مما أدى إلى عدم توثق الصلة بينهما.

تدخلات الوزراء في التعيين والعزل:

بلغ من نفوذ الوزير السلجوقي أن جاهر بعدائه لوزير الخليفة، وأخذ يتدخل في تعيينه وعزله، بل كان أحياناً يقبض عليه ويرغمه على أداء بعض الأموال مُقابل إطلاق سراحه. وبدأ أول تدخل من الوزير السلجوقي في عزل وزير الخليفة سنة (453 هجري)، حيث استدعى الخليفة القائم بأمر الله أبا الفتح منصور بن أحمد ابن دارست لتولي وزارته.

فلمّا عَلِمَ عميد الملك الكندري وزير السلطان السلجوقي طغرل بك بذلك كتب إلى الخليفة يخبره بعدم رغبة السلطان في تعيين ابن دارست وزيراً له، بحجة أنه غير كُفء للوزارة. غيرأن الخليفة القائم بأمر الله لم يعر عميد الملك انتباها، واستوزر ابن دارست عند وصوله إلى بغداد.

ويبدو أن الوزير السلجوقي عميد الملك أراد أن يستفيد من سوء التفاهم الذي كان قائم، إذ ذاك بين الخليفة القائم بأمر الله وبين السلطان طغرل بك حول خطبة السلطان لابنه الخليفة، لكي يتدخل في وزارة الخلافة مُعتقداً أن الخليفة سيوافق على طلبه حتى لا تزداد حدة التوتر بينه وبين السلطان.

وفي سنة (471 هجري)، عزل الخليفة المقتدي بأمر الله وزيره أبا نصر محمد بن محمد بن جهير، الذب لُقِبَ بـ (فخر الدولة)، بناء على طلب الوزير السلجوقي نظام الملك الحسن بن علي الطوسي. ويذكر بعض المؤرخين أن السبب في ذلك يرجع إلى حدوث فتنة بين الحنابلة والشافعية في بغداد، نتج عنها مقتل عدد من الشافعية في المدرسة النظامية.

فاتهم نظام الملك الوزير فخر الدولة بن جهير بتدبيرتلك الفتنة، وكتب للخليفة مُطالباً بعزله، كما كتب لشحنة بغداد يأمره بالقبض على بني جهير وأتباعهم. فلما علم بنو جهير بذلك، سار عميد الدولة بن جهير إلى الوزير نظام الملك، وأصلح الحال معه، فكتب نظام الملك للخليفة وشحنة بغداد يُبدي موافقته على إعادة فخر الدولة إلى الوزارة.

كذلك عزل الخليفة المقتدي بأمر الله وزيره أبا شجاع محمد بن الحسين الروذراوري سنة (484 هجري)، لعدة أسباب منها: اختلاف الوزير أبي شجاع مع أبي سعد بن سمحا اليهودي، وكيل السلطان ملكشاه ووزيره نظام الملك، لأن أبا شجاع ألزم أهل الذمة بلبس الغيار. ومن هذه الأسباب أيضاً أن نظام الملك سعى في عزل أبي شجاع لكي يولي أحد أبنائه وزارة الخليفة.

ومن المحتمل أن السبب الحقيقي، لعزل أبي شجاع كان عدم رغبة نظام الملك في بقاء هذا الوزير لِمَا أظهره من كفاية عظيمة في الوزارة. هذا فضلاً عن التزام أبي شجاع عدم المحاباة في الدين،‏ ووقوفه بشدة في وجه أطماع رجال الديوان وقادة الجيش، وعلى رأسهم شحنة بغداد سعد الدولة كوهرائين الذي سار بنفسه إلى أصفهان شاكياً من أبي شجاع.

وفي سنة (493 هجري)، بعث مؤيد الملك بن نظام الملك وزير السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه، إلى الخليفة المستظهر بالله، يطلب عزل وزيره عميد الدولة بن جهير، فعزله الخليفة، ولم يذكر ابن الأثير وابن خلدون السبب الذي حمل الوزير السلجوقي على طلب عزل وزير الخليفة.

تنافس الوزراء على منصب الوزارة:

كان للتنافس على وزارة السلطان السلجوقي أثر سيء على وحدة الدولة السلجوقية وقد تجلى هذا التنافس بعد وفاة السلطان طغرل بك، وذلك بين عميد الملك منصور بن محمد الكندري وبين نظام الملك الطوسي، وزير ألب ارسلان، فعمل كل منهما على التخلص من منافسه، والفوز بمنصب وزير السلطان ألب ارسلان.

ويذكر بعضن المؤرخين أنه عندما دخل السلطان ألب ارسلان مدينة الريّ أخذ عميد الملك الكندري يتقرب إلى نظام الملك،‏ ويقدم له الهدايا، ثم زاره ولمّا انصرف سار أكثر قواد الجيش في خدمته، فأثار ذلك غيرة نظام الملك فأخذ يخوف السلطان ألب أرسلان من التفاف القواد حول عميد الملك، فأمر السلطان بالقبض عليه، وسيره مُعتقلاً إلى مدينة مرو الروذ، فبقي في سجنها عاماً ثم قُتل.

ويروى في سبب التخلص من عميد الملك الكندري أنه كان شديد التعصب على الشافعية، حتى أنه أمر بلعنهم مع الرافضة على منابر خراسان. ولمّا كان نظام الملك شافعي المذهب، هذا لم يتردد حين أُتيحت له الفرصة في العمل على إقصاء عميد الملك والتخلص منه.


شارك المقالة: