آخر وزراء عصر السلاجقة

اقرأ في هذا المقال


الوزير عون الدين بن هبيرة:

عمل ابن هبيرة في ديوان الخلافة، وتدرج في الوظائف حتى وصل الوزارة في سنة (544 هجري)، للخليفة المقتفي لأمر الله. أورد المؤرخون عدة أسباب لتولي ابن هبيرة الوزارة، منها أنّ الخليفة المقتفي لأمر الله كان معجباً بكفايته وشهامته واخلاصه في أداء عمله، ومنها أنّ الخليفة أمر ابن هبيرة وكان يتولى ديوان الزمام ‏أن يكتب للسلطان السلجوقي مسعود شكوى في شحنة بغداد الذي لم يكن على وفاق مع الخليفة.

فبعث ابن هبيرة كتاب طويل للسلطان السلجوقي يحتوي به ما عرف عن سلاطين السلاجقة من فضل الطاعة، والاحترام مع الخلفاء، وتأكد على الذب عنهم ممّن يُريد السيطرة عليهم، وأشار إلى شكوى الخليفة من الشحنة، فكان لرسالته أبلغ الأثر في نفس السلطان،‏ فكتب للخليفة يعتذر ويستنكر ما فعله الشحنة، كما أوقف الشحنة عند حده. فسر الخليفة من ابن هبيرة، وزاد تقديره له، فولاه وزارته.

ومن المرجّح أنّ السبب في اسناد الوزارة إليه يرجع إلى مشورته على الخليفة المقتفي لأمر الله بألا يؤدي أي مبلغ من المال لمحمد شاه بن السلطان محمود، مقابل رفع حصاره عن بغداد، لأنّ هذا سيكون حافزاً للسلاجقة للمطالبة بالمزيد، وأشار بصرف المبلغ المطلوب، وقدره ثلاثين ألف دينار، في إعداد جيش للخلافة من الترك والأكراد وأهل بغداد وأعمال العراق لصد قوات محمد شاه.

لم يرفض الخليفة رأي ابن هبيرة، وقام بتعيينه في إعداد هذا الجيش، فلم تبقي أيام معدودة حتى قام بتكوين عسكر كثير، فخرج به ابن هبيرة لقتال محمد شاه وأصحابه،‏ فهزمهم، فلمّا أيقن الخليفة بحسن رأي ابن هبيرة استدعاه وولّاه الوزارة سنة (544 هجري).

ظل ابن هبيرة وزيراً للمقتفي لأمر الله، حتى توفي هذا الخليفة سنة (555 هجري)، وخلفه المستنجد بالله ‏ فأقرَّ ابن هبيرة في الوزارة. ويذكر ابن كثير أن الخليفة المستنجد بالله، وعد ابن هبيرة بأن يظل محتفظاً بمنصبه حتى وفاته. قام هذا الوزير بدور كبير في تخلص الخلافة العباسية من النفوذ السلجوقي واستعادة سلطة الخلفاء العباسيين في الدولة، وقد استطاع بمساعدة الجيش الذي أعده تخليص العراق وجميع أعماله من سيطرة السلاجقة.

قال المؤرخون عن ابن هبيرة بأنه كان عالم فاضل، ذا رأي صائب، يُحب أهل العلم من العلماء والمتكلمين وأهل الأدب والفقه، ويبالغ في إكرامهم، وكان ينفق عليهم وعلى الفقراء كل ما يدخل عليه من مال، حتى قيل أنه لم تجب عليه زكاة قط. توفي الوزير ابن هبيرة في سنة (560 هجري)، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً، فحضر جنازته خلق كثير، وأغلقت الأسواق، ودفن في المدرسة التي بناها بباب البصرة.

الوزير شرف الدين بن البلدي:

كان والياً على مدينة واسط، فأظهر في ولايته لها مقدرة وكفاية عظيمتين، ممّا جعل الخليفة المستنجد بالله يستدعيه إلى بغداد فى سنة (563 هجري)، ويوليه وزارته. كان بين هذا الوزير وبين أستاذ دار الخليفة عضد الدين محمد بن عبد الله بن رئيس الرؤساء عداء شديد، فقد تمتع أستاذ الدار بنفوذ كبير في الدولة، وصار يتدخل في شئون الخلافة تدخلاً سافراً، فأمر الخليفة المستنجد بالله وزيره ابن البلدي بإيقافه عند حده وكف أيدي أصحابه، ففعل الوزير ذلك،‏ ونجح في الحد من نفوذ وتسلط أستاذ الدار وأصحابه.

فلمّا توفي الخليفة المستنجد بالله في سنة (566 هجري)، وخلفه المستضيء بأمر الله كان أستاذ الدار هو القائم بأمر البيعة للخليفة الجديد، وساعده في ذلك الأمير قطب الدين قايماز، وكان أكبر الأمراء حينذاك في بغداد، فشرَّطا على الخليفة الجديد أن يكون عضد الدين وزيراً، وابنه كمال الدين أستاذاً للدار خلفاً له، وقطب الدين قايماز أميراً للجيش، فوافق الخليفة، ولمّا جاء الوزير ابن البلدي إلى دار الخلافة للعزاء والبيعة، قبض عليه عضد الدين، وأخذه إلى موضع آخر، ثم قتله.

ويتفق ابن الدبيثي مع ابن الأثير في أنّ قتل الوزير ابن البلدي يرجع إلى سوء معاملته لأستاذ الدار، ولمكروه ناله منه ومن أقاربه،‏ فلمّا أُتيحت له الفرصة أقتص منه. ويذكر ابن الأثير أنّه لمّا نهبت دار الوزير ابن البلدي بعد قتله، عثر بها على أوامر من الخليفة للوزير تتضمن القبض على أستاذ الدار عضد الدين وعلى قطب الدين قايماز، ورسالة من ابن البلدي يراجع الخليفة في ذلك، ويطلب عدم القبض عليهما، فأيقن عضد الدين وقطب الدين قايماز من براءة الوزير، وندما على قتله، وكانا يعتقدان أنّ ابن البلدي كان يحرض الخليفة على التخلص منهم.

الوزير مؤيد الدين بن القصاب:

عمل في أول الأمر في احدى الوظائف بولاية خوزستان، ثم قدم إلى بغداد، وتولى نيابة الوزارة للخليفة الناصر لدين الله، وفي سنة (590 هجري)، خلع عليه الخليفة، وولّاه الوزارة. كان هذا الوزير قوي النفس، عالي الهمة، متمكناً من رياستي السيف والقلم. وقد اشتغل بطلب العلم والأدب منذ صغره، وبرع في علمي الحساب والهندسة، وألم بقوانين الوزارة وقواعدها.

ولمّا كان هذا الوزير قد عمل أولاً في خوزستان، وكان على معرفة تامة بجميع أحواها الإدارية والعسكرية، هذا فضلاً عن وجود أصدقاء ومعارف له بها، فقد أشار على الخليفة الناصر لدين الله أن يرسله لفتحها وانتزاعها من يد واليها من قبل السلاجقة. وتصادف أنّ والي خوزستان توفي، واختلف أولاده من بعده، فكتب بعضهم إلى مؤيد الدين بن القصاب يستنجده ضد أخوته.

فاقتنع الخليفة بمشورة وزيره وسيره على رأس جيش كبير الى خوزستان، فحارب واليها، واستولى على أهم المدن والقلاع فيها، ثم واصل زحفه إلى همذان، قاعدة السلاجقة، واستولى عليها وعلى عدد من المدن مثل ساوه وآوه والريّ، وأعادها إلى حظيرة الخلافة. وكان الوزير مؤيد الدين بن القصاب عازماً على مواصلة زحفه لإعادة سلطة الخلافة العباسية ونفوذها في تلك النواحي، فعاجلته الوفاة هناك في سنة (591 هجري).


شارك المقالة: