لم يكن ظهور المصادر الأدبية واللغوية في الخط والتراث العربي بمحض الصدفة، بل مرت شأنها شأن الثقافة بعامة بمراحل وأطوار الإعداد والتمهيد، متأثرة في الوقت نفسه بمراحل تطور وسيلة التدوين نفسها، وهي الكتابة اللغوية.
فمن البديهي أن غياب الورق يحد من حجم الكتابة والتدوين، وأن عدم معرفة الكتابة من شأنه أن ينشط حركة الرواية، حيثُ يستعين الإنسان بقوته الحافظة في اختزان المعلومات واسترجاعها عندما يقتضي الأمر.
متى عرف العرب الكتابة بالخط؟
لقد عرف العرب الكتابة بالخط منذ العصر الجاهلي، خاصةً في مراكز التحضر المختلفة آنذاك. في الشمال الشرقي لشبه جزيرة العرب، وفي شمالها وفي اليمن جنوباً، كذلك في الحجاز ومكة والمدينة المنورة. وأما عند مجيء الإسلام كان في مكة المكرمة سبعة عشر كاتباً، وفي المدينة المنورة أحد عشر كاتباً، ويقال أنه من الممكن أن يكون عددهم أكثر من ذلك.
ما هي آراء المؤرخين والعرب في التدوين بالخط العربي؟
- هناك آراء للمؤرخين تنفي التدوين من خلال الكتابة بالخط للعرب قبل الإسلام، وقد غلبت عليهم البداوة وتفشت فيهم الأُمية. لم يبقى من حياتهم سوى نقوش قليلة تنبئ عما كان لهم من دور حضاري، وبعض هذه النقوش لم تكن متوافرة إلا في بعض المناطق العربية، مثل جنوبي جزيرة العرب وشمالها حيثُ توجد الأحجار والصخور، وفي نفس الوقت كان باطن الجزيرة وأكثر ربوعها صحاري، حيثُ لم تساعد سكانها العرب في ترك آثاراً على الأرض التي عاشوا فيها أحقاباً عديدةً.
- أما عن رأي المستشرق الفرنسي (بالشير) فهو يقلل من شأن التدوين بالخط العربي قبل الإسلام، حيثُ يقول هذا المؤرخ والعالم لا شك في أن بعض الرواة في بعض المراكز الحضرية قد دونوا كتابة بعض القصائد المهمة.
- ويذكر الدكتور ناصر الدين الأسد أن حجم التدوين وبخاصة في الخط العربي كان عدداً هائلاً ولا يستهان به. ويذكر الدكتور ناصر مثالاً على ذلك واقعة جمع النعمان بن المنذر للشعر العربي في الجاهلية وتدوينه. ومن الأمثلة على الرواية والتدوين بالخط العربي كان لأبن كلبي وذلك من خلال أسفار الحيرة ونقوش كنائسها، وما كان من أخبار العرب الجاهليين وأنسابهم.
وهكذا فإننا نرى بعض الآراء التي تدل على أن الخط قد اكتشف قبل الإسلام وتطور مع مجيء الإسلام ومن من يرى أن هذا الخط لم يعرف إلا بعد أن جاء الإسلام. والبعض الآخر يرى أن أكثر هؤلاء العلماء والمؤرخين قد اعتمدوا على الشفاهية والرموز في نقل الأحداث والأخبار وكذلك بأنهم اعتمدوا على الرسم والنقوش في نقل أخبارهم والأحداث التي مرت بهم.