في أغلب الأحيان تلجأ الدول التي تكون بحاجة لتمويل بعض أنشطتها وشركات الأعمال إلى مصدر خارجي؛ حتى تحصل على قرض، وبالمقابل تلتزم بسداد قيمة القرض والفائدة المترتبة عليه بناءً على شروط تتفق عليها الطرف المدين والطرف الدائن.
تمويل الأعمال الدولية عن طريق مؤسسات مالية دولية:
بعد أن تقوم الشركات بأخذ قروض لا تتغير الملكية حيث تبقى الملكية محلية وطنية بالنسبة للأصول، ولا يوجد علاقة للمؤسسات الدولية المالية إلا بالحصول على أصل القرض والفوائد، ومن أهم مؤسسات التمويل الدولي ما يلي:
المؤسسة الأولى- صندوق النقد الدولي:
يتمحور الدور التمويلي لهذا الصندوق حول تقديم القرض متوسط الأجل أو قصير الأجل للدول الأعضاء في هذه المؤسسة، وهذا من أجل علاج مسائل العجز في ميزان المدفوعات أو لإعادة الجدولة للديون الخارجية للدول الاعضاء التي تواجه هذا النوع من المشاكل. والاقتراض في العادة من صندوق النقد الدولي يكون لديه مجموعة من الشروط ومحكومًا بمجموعة من القواعد منها تحديد الحد الأقصى للقرض، بما لا يتعدى قيمة الاحتياطات الذهبية للدولة المقترضة.
أمّا إذا زادت قيمة القرض عن هذا الحد، فيتوجب على الدولة المقترضة أن تلتزم باتفاقية التثبيت الاقتصادي خلال مدة القرض، بشرط أن لا يحصل العضو الواحد فيه ما يزيد عن (200%) من حصته لدى الصندوق خلال السنة الواحدة، وقد يكون الحد الأدنى إى ما يقارب (600%) خلال الثلاث سنوات. وآلية الحصول على القرض عن طريق تقدم الدولة التي ترغب بالاقتراض بطلب إلى إدارة الصندوق حتى تبدأ بعدها محادثات حول برنامج التثبيت.
وفي حال تم الحصول على الموافقة على البرنامج ثندوق النقد الدولي يطلب من الدولة الراغبة بالاقتراض أن تعد خطاب نوايا يحتوي السياسات الدقيقة التي ستعتمدها الدولة، وفي العادة يشمل ما يلي:
- تطبيق سياسات انكماشية لتقلل من التضخم، تعمل على تقليل الإنفاق العام، إلغاء الدعم على السلع الأساسية، تقلل قيمة الإنفاق الاستثماري وترفع نسبة الضريبة ونسبة الأسعار وغيرها.
- القيام بتثبيت الرسوم الجمركية على السلع المصدرة والمستوردة عند حدود محددة.
- التقليل إلى أدنى حد ممكن من الائتمان المصرفي والعمل على رفع مستوى سعر الفائدة على القروض.
- تحرير سعر الصرف الأجنبي وتقليل قيمة العملة الوطنية.
والهدف من هذه الشروط هو ضمان قدرة الدولة المقترضة على تسديد القرض والفوائد، بالإضافة لتحسين الوضع الاقتصادي وعلاج الخلل في ميزان المدفوعات، لكن الواقع يقول أن سياسات صندوق النقد الدولي التي تهدف لتطبيق برنامج التثبيت الاقتصادي لعلاج الوضع في ميزان المدفوعات قد أثبتت فشلها، على اعتبار أن الدول النامية المقترضة تعاني من خلل وتجتاج إلى إصلاج شامل وواسع؛ لأن هذه الاختلالات ذات طبيعة دائمة وغير مؤقته كما يرها بعض خبراء الندوق الدولي، لذلك نتائج برامج التثبيت أدت لتعميق الخلل في توزيع الدخل وتقليل الأجور الحقيقية والابتعاد عن العدالة في التوزيع.
المؤسسة الثانية- مجموعة البنك الدولي للإنشاء والتعمير:
تتكوّن مجموعة البنك الدولي للتعمير من مؤسسات مالية دولية متعددة وهي كالتالي:
1. البنك الدولي للإنشاء والتعمير:
تقوم هذه المؤسسة بتقديم القروض للحكومات دون الأفراد، بضمان الحكومات نفسها لقاء سعر الفائدة المتوازية لحد كبير مع الأسعار التجارية المنتشرة في أسواق المال الدولية، لكن القروض التي يقوم البنك الدولي بتقديمها قد تكون لأجل طويل مع وجود فترة سماح محددة وتخدم بشكل أساسي تمويل القطاعات الزاعية والقطاع تنمية المناطق الريفية باعتبار أن قطاع الزاعة من رأي البنك الدولي هو قطاع أساسي لتتم تنمية الاقتصاد الوطني.
بينما ثبتت الكثير من المؤشرات أن قطاع الزراعة في الكثير من الدول النامية تأتي بمرتبة ثانية وثالثة في تشكيل الناتج الوطني الإجمالي. ومن أهم الشروط التي يحددها البنك الدولي لمنح القروض أو المساهمة فيها ما يلي:
- اشتراك الخبراء فيه في إعداد الخطط والبرامج التنموية الاقتصادية للدول المقترضة.
- التأكيد على الدول المقترضة بأهمية تطبيق آليات السوق، وعلى أن تترك أسعار المدخلات والمخرجات للمشروعات التي يقوم البنك بتمويلها حرة، بناءً على قوى السوق دون أن يكون هناك تدخل للحكومات التي تعتمد على سياسة التسعير الإداري؛ لأن هذا من وجهة نظر خبراء البنك الدولي يعمل على تحسين الكفاءة للأجهزة الإدارية في استخدام الطاقة المتاحة.
- التدخل في شؤون الاستثمارات الوطنية والعمل على توزيعها على القطاعات الاقتصادية المتنوعة على المناطق الجغرافية، كما وأنه يشترط موافقته على ذلك وهذا تجاوز لشروط السيادة الوطنية.
- تركيز منح القروض للمشاريع الزاعية والتنمية الريفية والصناعات الحرفية الصغيرة.
وفي السنوات الماضية أدخل البنك الدولي تعديلات كبيرة على السياسات الإقراضية وخاصة، بالنسبة لشروط منح القروض لتنمية المشاريع أو قطاعات محددة دون غيرها، حيث بدأ بإعطاء القروض لتنمية المشاريع الصناعية والخدمية، لكنه اشترط على الحكومات المقترضة أن تقوم بإجراء مجموعة من التغييرات في البرامج التنموية:
- العمل على دعم الصادرات وتشجيعها والعمل على تنويعها.
- العمل على تحسين القدرة التنافسية للمنتجات المحلية في الأسواق الخارجية.
- تحسين مستوى كفاءة القطاعات الاقتصادية المتنوعة.
- خصخصة القطاع العام والحد من الهدر وتحسين مستوى الكفاءة.
- زيادة مصادر الطاقة وتقليل الاستخدام.
- تحسين أسعار المنتجات الزراعية للتشجيع على زيادة الإنتاج الزراعي.
- التركيز على المشاريع الاستثمارية التي تكون فترة الاستراد فيها قصيرة.
ورغم كل الشروط التداخلية التي قام البنك الدولي للإنشاء والتعمير بتحديدها، والتي ترفضها الكثير من البلدان التي تعتز بالسيادة الوطنية وبخصوصية تجربتها في التنمية الاقتصادية، إلا أنه حقق بعض الجوانب الإيجابية بالمقارنة مع صندوق النقد الدولي ومن أهمها:
- التركيز على إصلاح الخلل الهيكلي في اقتصاديات الدول النامية وتقدم القروض طويلة الأجل وميسرة.
- يقدم المشورة في اتجاهات التنمية المستقبلية والإصلاحات الضرورية للكثير من الدول النامية.
- الترويج للكثير من المشاريع الاقتصادية لدى المؤسسات المالية والحكومات الأجنيبة.
- تقديم المساعدة للدول النامية في الحصول على قروض من الدول المتطورة ومصارفها التجارية.
- المساعدة في إعادة الجدولة للديون التي تعاني منها الدول النامية.
2. مؤسسة التمويل الدولية:
تم إنشاء هذه المؤسسة عن طريق البنك الدولي للإنشاء والتعمير في عام 1956م، ومن أهم أهدافها:
- تشجع الاستثمار الخاص الوطني في الدول النامية.
- تقديم قروض طويلة الأجل لمشاريع القطاع الخاص دون اشتراط ضمان الحكومة بالأسعار التجارية المنشرة.
- تشجيع الاستثمار الأجنبي على دخول أسواق الدول النامية، من خلال إقامة المشاريع المستقلة أو المشاركة في رؤوس أموال المشاريع الوطنية.
3. هئية التنمية الدولية:
أحدثت هذه الهيئة أيضًا عن طريق البنك الدولي وبمعونته في عام 1960م من أجل تحقيق الأهداف التالية:
- تقديم القروض الميسرة للدول النامية الأكثر فقرًا من خلال الجهاز الإداري للبنك الدولي.
- محدودية موارد هذه الهيئة المالية تجعلها أكثر تشدد في اختيار الدولة القابلة للإقراض.
- تقديم القروض للحكومات فقط، وخصوصًا بالنسبة للدول التي لا يتجاوز فيها متوسط الدخل الفردي السنوي حدًا محدد.
وبشكل عام تتداخل طرق عمل كل من البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي، وتتشابه آلية العمل كل منهما من حيث الطلب إلى الدول النامية، التي ترغب في الاقتراض بمعالجة الاختلالات الهيكيلة الجزئية والشاملة ذات الطابع المؤقت والدائم. وتحاول هاتين المؤسستين بشكل أساسي على مساعدة الدول التي تتفاعل بشكل إيجابي مع الشروط بالنسبة لإعداد برنامج التنمية ذات الصيغة الإصلاحية التي تنسجم مع التوجهات، كما أنه من الملاحظ اعتماد المؤسستين لعدة مكاييل إزاء الدول في منح القروض وتقديم المعونات وجدولة الديون وغيرها، بناءً على مجموعة من المعايير السياسية.