اتجاه السلوك التنظيمي في الإدارة:
من الانتقادات التي وجهت للاتجاه التقليدي الذي اشتهر بنظرية الإدارة العلمية ونظرية التقسيمات الإدارية ونظرية البيروقراطية، أنه أبدى اهتمامه للمنظمة الرسمية وأنه ينظر لها على أنها مركز للإنتاج وتحقيق الأرباح، فالأهمية القصوى كانت لتطوير طرق الإنتاج وتخفيض التكلفة، وكل هذا بإهمال الموظف الذي ينظر إليه على أنه جزء من عملية الإنتاج ضمن قالب جامد لا تهتم بالفروق بينهم، ولا تهتم كثيرًا إلى الاختلاف في الظروف بين المنظمات.
أي أن نهج الإدارة الرسمية العلمية قد لم يهتم بعنصر العلاقات الاجتماعية، بينما نهج العلاقات الإنسانية لم يبدي اهتمامه بدور عنصر التنظيم والبناء الرسمي للإدارة وركّز بطريقة مبالغ فيها على علاقات العمل الخصوصية وغير الرسمية، حيث اتجهت مدرسة العلاقات الإنسانية إلى الطرف المقابل لها تمامًا، ونظرت إلى المنظمة من ناحية العنصر البشري في الدرجة الأولى، حيث كانت مهتمة بالموظفين في المنظمة كأشخاص، مع التركيز على النواحي النفسية والاجتماعية لهم، موجهة في الوقت ذاته اهتمام كبير للتجمعات غير الرسمية في المنظمة.
وكان هذا الميل على حساب المنظمة الرسمية وأهدافها، وأهم ما في الأمر، من وجهة نظر الإدارات العليا في المنظمات، أن هذا الاتجاه لم يتمكن أن يحقّق ما كان مأمولاً منه وهو رفع مستوى الإنتاج، كما أن المبالغة فيه سببت إلى تغليب أهداف الموظفين على أهداف المنظمة، ممّا أخل بأسباب وجود المنظمة واستمرارها.
ولقد جمع الاتجاه الجديد تحت ما يسمى السلوك الإداري التنظيمي كل الاتجاهات القديمة الاتجاه التقليدي واتجاه العلاقات الإنسانية، وقام بإضافة بعض الأفكار لها والمبادئ والحقائق التي كشفت عنها الدراسات في مجالات علم النفس وعلم الاجتماع وعلم دراسات الإنسان والعلوم السياسية والاقتصادية.
ويعتبر اتجاه السلوك التنظيمي امتداد طبيعي لنظرية العلاقات الإنسانية؛ لأنه يقرّ بأن مصلحة المنظمة ومصلحة الأفراد الموظفين فيها يجب أن تكون متطابقة. واتجاه السلوك التنظيمي لا يؤمن بأن الروح المعنوية وتنمية العلاقات الإنسانية بين الموظفين في أمور يمكن توفيرها بسهولة، بل يرى أنها تخضع للبحث العلمي والتفسير الموضوعي، لذلك من الممكن إيجادها وإثارتها بالحوافز المادية والمعنوية والتعزيز؛ أي بتأثير مكافأة الموظفين وتلبية العديد من حاجاتهم كلّما اقتربوا من مستويات إنتاجية أعلى.
ومن اقتراحات هذه النظرية استخدامها لجميع أنواع الحوافز مادية ومعنوية؛ لتحفيز العاملين بإرادتهم نحو التعاون والتواصل، مراعية في إيجاد نوع من التوازن في ظروف العمل بين الجوانب الرسمية للقرار الإداري والجوانب الإنسانية.
مفكرين اتجاه السلوك التنظيمي:
قد اشتهر عدد من الإداريين الذين اهتموا بالفكر الإداري وكان لهم أثر فعّال في تطوير نظريات هذا الاتجاه، ومن أبرزهم:
- تشستر برنارد (Chester Bernard): في كتابه (The Function of the Executive) عام 1908 ميلادي، حيث قام بالتركيز على:
- الاهتمام بشكل رئيسي وجوهري بالناحية الرسمية بالمنظمة وبنيتها وإدارتها بشكل فعّال لهذا الجانب.
- إقامة التوازن بين احتياجات وطموحات الموظفين في المنظمة وبين أهداف المنظمة التي يجب العمل على تحقيقها.
- فیلکس بوتلس ترور وولیم دیسکون (Felin Gothlisberger and William Dickon): في عام 1939 وفي كتابهما الإدارة والعامل (Manarement and the Worker)، فقد أكدا على أن المنظمة غير الرسمية بما تملك من قوة تتمكن من التأثير في الموظفين والمرؤوسين والقادة والموجهين وهم لا يشعرون بهذا التأثير فيهم، ويظنون أنهم مسيطرون على كل شيء، في حين أنهم هم تحت تأثير الجانب الرسمي في المنظمة. وقد كان لآرائهما في رغبات الموظفين والجماعات والجماعات غير الرسمية والعلاقات الاجتماعية في المنظمة تأثير في كثير، ممّن جاء بعدهما من علماء الاجتماع والإدارة.
- نام هربرت سيمون (H.Simon): اهتم بتطوير فكرة برنارد عن التوازن والتنظيم في الإدارة، وبنى عليها اتجاهه المعروف بنظرية الدافعية الإدارية التي نظر من خلالها إلى الإدارة أنها نظام تبادل يتم عن طريقه عمليات متنوعة لتبادل بين الإنتاج من ناحية والمكافآت من ناحية أخرى، وبهذا الشكل تمكّن سيمون من تحقيق الفائدة من حقائق علم النفس وعلم الاجتماع حول دوافع الموظفين للعمل، وتلبية رغباتهم المتنوعة.