النظريات الإدارية الحديثة:
أولاً: الاتجاه الكمي في الإدارة:
يرتد أصل هذا الاتجاه إلى مدخل الإدارة العلمية، فهذا المدخل الذي فتح المجال أمام القياس الكمي للكثير من المتغيرات التي لها علاقة بالناحية غير الإنسانية والتي لها أثر على الكفاءة الإنتاجية، غير أن نشأة هذا الاتجاه الكمي وبلورته لم تتم إلا خلال الحرب العالمية الثانية، مثل نتيجة منطقية لظهور طرق التحليل الكمي في المجال العسكري، وبمجرد انتهاء هذه الحرب وجدت طرق التحليل الكمي مجال للتطبيق في النواحي الاقتصادية والنواحي الاجتماعية، ثم مؤخرا في وجدت المجالات التربوية.
وأنصار الاتجاه الكمي يتبنون الطريقة العلمية لحل المشاكل الإدارية، مع الاهتمام على الحكم والتقدير الموضوعي وطرح التقديرات الذاتية جانبًا، كما يؤكدون على الأساليب القياسية لتزويد المدير بالقرارات الأمثل، لذلك ينظر هذا الاتجاه إلى المدير على أنه متخذ القرار عن طريق استخدامه التحليل العلمي والأساليب الرياضية؛ بهدف الوصول إلى أعلى مستويات الكفاءة في تحقيق الأهداف، ومن ثم تعددت الأساليب في الاتجاه الكمي في الإدارة، ومن أشهرها ما يسمى
ببحوث العمليات (Oeration Research) ومن الأساليب العلمية والرياضية تستخدم في تحليل المشاكل الإدارية وحلها.
كما تساعد متخذ القرار على
اتخاذ القرارات الرشيدة لغاية تحقيق الفعالية للمنظمة الإدارية وتطوير كفاءتها، عن طريق تحديد المشكلة موضوع الدراسة. ويناء النموذج الرياضي يمثّل المشكلة والحصول على حل لهذا النموذج الرياضي، ثم اختبار النموذج الذي تم بناءه والحل المستنتج منه؛ ليتم وضع الحل مكان التنفيذ والتحقق من نجاحه، ونتيجة لتنوع هذه المشاكل الإدارية ظهر الكثير من الطرق المتنوعة للبحوث العمليات من لتتم مواجهة هذه المشكلات الإدارية الكثيرة، ومن أشهر هذه الأساليب:
- نظرية الألعاب (Games Theory).
- النظرة الإحصائية للقرارات (Statistical , Decision Theory).
ثانيًا: اتجاه النظم في الإدارة:
يؤكد روّاد الفكر الإداري المعاصر على أن اتجاه النظم يحقّق التكامل بين الاتجاهات السابقة من الفكر الإداري، مثل نظريات الاتجاه التقليدي في الإدارة واتجاه العلاقات الإنسانية واتجاه السلوك التنظيمي، والاتجاه التوفيقي الاحتمالي الذي يعتمد على قوالب ثابتة مهما كانت، وإنما أصبح كل شيء معرض للتغيير خاصة في بنية المنظمات والعوامل المؤثرة فيها.
حيث كان لكل اتجاه من هذه الاتجاهات ظروفه الاقتصادية وظروفه الاجتماعية التي أثرت على محتوى كل اتجاه ونظرته للإدارة والاهتمام بالمفاهيم الإدارية دون غيرها لذا وجد اتجاه النظم من ترحيب علم الإدارة، على اعتبار أنه يسعى إلى إيجاد الأرضية المشتركة بين ميادين المعرفة المتخصصة داخل علم الإدارة ذاته وميادين البحث الأخرى.
ومن ناحية أخرى فإن اتجاه النظم ينظر إلى كيان الإدارة كوحدة واحدة؛ ممّا جعله ليكون فكرًا متكاملاً يعالج التشتت والقصور في الفكر الإداري السابق على ظهوره وقام بإضافة الكثير. ومن المتفق عليه بين المفكرين في هذا المجال أن اتجاه النظم جاء من النظرية العامة للنظم (General System Theory) تلك النظرية، التي قامت اهتمت بمعرفة إطار تحليلي صالح الدراسة وتفسير الظاهرة المادية أو الظواهر الاجتماعية، عن طريق التعرف على التفاعلات العامة التي تكون ظاهرة والعلاقة المترابطة بالظواهر الأخرى ليتم الوصول إلى القوانين التي تحكمها.
حيث إن أسلوب النظم طريقة تحليلية
للتخطيط ومنظمة تمكن الإداريين من التقدم نحو الأهداف الموضوعة، بواسطة العمل المنضبط والمنسق لكل الأجزاء التي يتكون منها النظام كامل، وتتكامل هذه الأجزاء يناءً على الوظائف التي يقوم بها في النظام الكلي الذي يحقق الأهداف التي تم تحديدها للمهمة.
ومن ثم فإن تحليل النظم ناتج من نمط أو نموذج في معالجة النظام الذي يحلّله، ومن شأن هذا النمط أو النموذج أن يجنب الباحث الحكم الشخصي والأهواء الذاتية له، وتحليل النظم يهتدي بالنظرة الكلية إلى النظام فيرى ما فيه من عوامل ومن علاقات مترابطة يحسبها جميعًا، بالإضافة إلى حساب العوامل التي لها أثر على النظام من الخارج ويضعها في الاعتبار إيجابيًا وسلبيًا لتقدير العائد من النظام.
ثم يقوم النظام بتناولها من منظور مدخلاته ومخرجاته وما بينهما من علاقة، ويحرص بقدر الإمكان على أن يكمّم هذه المدخلات والمخرجات تيسيرًا للدراسة والمعالجة، وهو معالجته للمدخلات والمخرجات، ويكشف عن أكثر من بديل حتى يحسن الاختيار عند اتخاذ القرارات، وفي هذا جميعه يقيّم وزن كبير للاعتبار الاقتصادي لكي يصل إلى أقل تكلفة أو أفضل مردود.
ثالثًا: تنظيم السلوك الإداري:
بعد وضع هداف أي منظمة والعمل على التخطيط لكيفية الوصول إلى هذه الغايات المنشودة، فإن التنظيم يحتوي على إعداد الجهاز الضروري لتحقيق الأعمال الضرورية للوصول إلى هذه الأهداف، ويعتبر التنظيم هو العملية التي تحدّد النهج الإداري المطبق لأداء الأعمال في أُطر تنظیمية تتضح فيه الأهداف وتتنوع فيه الاختصاصات والمسؤوليات والسلطات المعادلة لها.
ومن ثم يجب أن نحدد دور التنظيم الإداري في الوسائل التي يتمكن الموظفين العمل من خلالها لتحقيق تلك الأهداف، ومن هنا يتوجب على المنظمات بمختلف أنواعها أن تقوم بتحديد الأعمال والأنشطة والمهام، التي يجب القيام بها ليتم الوصول إلى الأهداف المطلوبة، ثم تقوم بوضع المواصفات والخصائص والسمات التي يجب تواجدها في الموظفين الذين سوف يقومون بهذه الأعمال والمهام، وتحديد العلاقة بينهم والأدوات التي يقومون باستخدامها.
وقد اهتم رواد الفكر الإداري على تصميم الهيكل التنظيمي للعلاقات و
المستويات الإدارية وخطوط الاتصال والحدود الفاصلة بين الوحدات التنظيمية، بينمّا ركز رواد الفكر الإداري الحديث على العنصر الإنساني والتفاعلات المتنوعة التي يحدثها داخل الهيكل التنظيمي، ويعتبر التنظيم الإداري واحد من أهم وظائف الإدارة التي تعتبر الآن من المكونات الرئيسية للعملية الإدارية مختلف أبعادها ومستوياتها.