الفلسفة الأخلاقية والسياسية في كتاب العمل العظيم

اقرأ في هذا المقال


تضم فلسفة روجر بيكونالأخلاقية فلسفة الدين والفلسفة الاجتماعية ونظرية الفضائل وعلم الاجتماع الفلكي للدين والثقافات وتفسير الجدل والبلاغة، كما يصف بيكون موضوع البحث الأخلاقي على النحو التالي: “هذا العلم نشط بشكل بارز، أي فعال ويتعامل مع أفعالنا في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى”، وإنّه يركز على عمل الإنسان، وبالطبع تتعامل العديد من الأعمال البشرية مع القضايا التي تهم العلوم الطبيعية واللغوية، وقد ذكر بيكون فلسفته الأخلاقية في كتابه العمل العظيم (Opus maius).

أجزاء علم الأخلاق لدى بيكون:

يلاحظ بيكون أنّ هذه العلوم نشطة وعملية ولكنها معنية بالأعمال الاصطناعية والطبيعية التي تشير إلى العقل التأملي، ولا تهتم بتلك الأشياء التي تشير إلى العقل العملي، وهو ما يسمى عمليًا لأنّه يمارس عمليات الخير والشر، وهذه الأعمال للإنسان (operabilia) أي باللاتينية قابل للتشغيل، بحيث يصعب معرفتها أكثر من أشياء المعرفة التأملية.

وتشمل هذه أسمى الحقائق المتعلقة بالله والعبادة الإلهية، والحياة الأبدية وقوانين العدل ومجد السلام وسمو الفضائل، وبالنسبة لبيكون تتأثر قدرة الإنسان على التعامل مع هذه الموضوعات بفساد معين في الإرادة البشرية.

حيث يتكون علم الأخلاق من جزئين:

1- القسم الأول هو التخمين ويتعامل مع الحقائق الأخلاقية النهائية.

2- القسم الثاني فيتناول عملية الإقناع الأخلاقي، أي الشق العملي الذي يتعلق بالجزء الأول كعلاج للمرضى والحفاظ على الصحة، واللذين يتم علاجهما في الطب العملي، ويتعلقان بذلك الجزء من الطب الذي يعلم الصحة يكون.

كتاب العمل العظيم والفلسفة الأخلاقية:

يتعامل الجزء الأول مع موضوع ومنهج علم الأخلاق ومع الخطوط العريضة للأنثروبولوجيا الفلسفية القائمة على النصوص الأفلاطونية والأرسطية والرواقية، التي يناقش فيها بيكون وجهة نظر أوغسطينية عن مكانة البشر في العالم، ويتضمن هذا قسمًا عن الدليل الميتافيزيقي لوجود الله، ويتم التعامل مع النصوص الأصلية القديمة على أنّها شهادة على الدين العالمي للمسيحية، بينما الجزء الثاني هو مخطط موجز جدًا لبنية الحياة الاجتماعية مأخوذ من ابن سينا.

يتعلق الجزء الثالث وهو الأكثر جوهرية في الكتاب بالفضيلة والرذيلة، ولا يزال نص بيكون الخاص بهذا الجزء من كتاب العمل العظيم موجودًا ويمكن للمرء أن يرى ملاحظاته التحريرية الشخصية في الهوامش، ولم يكن لديه الوقت لكتابة أطروحة رسمية، ولذا فهو يقدم مختارات من نصوص سينيكا ومقتطفات من شيشرون مع التعليق، والذي يسبق ذلك سيرة ذاتية موجزة لأرسطو عن الفضائل.

لكن من الواضح أنّ بيكون يفضل صورة الشخص الحكيم الرواقي كنموذج للفضيلة، كما يركز بيكون بشكل كبير على الشهامة كفضيلة للأمير والأسقف، فالشهامة من أعظم فضائل الطبيعة، ويجب عدم الخلط بينه وبين التواضع المسيحي، وهذا يبعد بيكون عن برنارد من كليرفو (Clairvaux) وبونافنتورا (Bonaventure).

بالنسبة لبيكون للتواضع المسيحي دوره المميز الذي يعكس علاقة الإنسان بالكون وبالله، وقبل كل شيء يهتم بيكون بإعادة إنتاج أكبر قدر ممكن من الروايات الأرسطية والرواقية عن الفضائل، وهو مهتم بجعل حوارات سينيكا معروفة للبابا كليمنت الرابع، على وجه الخصوص هو مهتم أكثر من أي شيء آخر بغضب سينيكا، والذي يعتبره نصًا أساسيًا للتعليمات الأخلاقية للأمراء والأساقفة، ومن المؤكد أنّ بيكون كما يفعل في سر الأسرار (Secretum secretorum) يقدم نفسه كمستشار أخلاقي للأمراء.

يقدم الجزء الرابع علم الاجتماع الفلكي للأمم أو الطوائف، بالاعتماد على الرواية الأخلاقية أو السياسية للفارابي وعلى وجهات النظر الفلكية لأبي معشر، وكان بيكون لديه معرفة واسعة بالعالم بما في ذلك عادات المغول، ولذا فهو يقارن الحضارات المغولية واليهودية والعربية والوثنية.

يتناول الجزء الخامس دور البلاغة في الإقناع الأخلاقي، وبيكون مقتنع بأنّ الخطابة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمنطق، ويعتقد أنّ نظام الجامعة فشل في تدريس القواعد والمنطق فقط (اللسانيات)، وكان الحذف من المناهج الجامعية للبلاغة والشعرية، كما وجد في أرسطو وكما فسره الفارابي وابن رشد خطأ في نظر بيكون.

يتابع ويلاحظ أنّه وفقًا لأرسطو والفارابي تستخدم هذه الحجة لغة مناسبة حتى يمكن أن تقود الذات إلى الفضيلة والتغلب على الرذيلة، وثم ربط المصادر اليونانية والإسلامية بالمصادر المنتظمة في التقليد اللاتيني مثل شيشرون وسينيكا وأوغسطين، وهو يميز بدقة بين الأشكال البرهانية والديالكتيكية والخطابية للحجة.

فلسفة بيكون السياسية في سر الأسرار:

كرس بيكون وقتًا طويلاً لدراسة هذا العمل، وهو مترجم من اللاتينية لعمل عربي حول فن الحكم في تقليد مرايا الأمراء بعنوان سر الأسرار، وقد عمل على النص في باريس وأكمل إصدار هذا النص بمقدمة وملاحظات في أكسفورد بعد عودته من باريس عام 1280، وهذا هو النص الأكثر أهمية عن الحكومة وتعليم الأمير قبل كتابة الفيلسوف والدبلوماسي الإيطالي نيكولو مكيافيلي مقال الأمير (The Prince)، والذي يعتبر دليل إرشادي للأمراء والعائلة المالكة.

أقسام أطروحة بيكون سر الأسرار:

العمل مقسم إلى أربعة أجزاء:

1- يبدأ الجزء الأول برسالة الإسكندر إلى أرسطو ويتعامل مع صيانة الملك للمملكة، حيث إنّه يتعامل مع الفضائل والسخاء والهدايا، كما إنّه سرد للسلوك المتوقع من الملك.

2- يتناول الجزء الثاني الرعاية الصحية والطب وأصول العلوم.

3- يتناول الجزء الثالث الكيمياء والبنية العاطفية للإنسان.

4- الجزء الرابع يتعامل مع علم الفراسة والأنثروبولوجيا.

ومقدمة بيكون جوهرية وتتألف من سبعة فصول، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بروايته لعلم التنجيم في كتاب العمل العظيم (Opus maius) الجزء الرابع ومع العلم التجريبي في الجزء السادس، ومعظم مصادره إسلامية وتشمل أطروحة الأشعة De Radiis وعلم البصريات (De Aspibus) للكندي ومقدمة في علم التنجيم لأبي معشر، ويقترح بيكون نوعًا من علم التنجيم التنبئي الإحصائي، وبالتالي عليه أن يتعامل بشكل صريح مع قضية الحرية والحتمية.

كما إنّه يعترض على نوع من النزعة الإجبارية المعصومة ويعتقد أنّه يمكن حماية (الاحتمال) و(الصدفة)، ويمكن للمرء أن يتنبأ بما يمكن أن يحدث في الطبيعة وفي المجتمع البشري، وذلك بسبب تأثيرات العناصر على المزاج بطريقة عامة، وبالتالي سيحتاج الحاكم إلى المنجم الذي سيعمل كنوع من الطبيب وعالم النفس وعالم الاجتماع والمنظر السياسي، وهذا بعيد كل البعد عن الأخلاق التأملية.

من المهم أنّه في العمل الذي يحمل عنوان الفلاسفة أخطاء (Errores philosophorum) المنسوب إلى جايلز (Giles) من روما أحد معاصري بيكون في باريس، فقد تعرضت العديد من مصادر بيكون لانتقادات شديدة، ففي العمل الفلسفي حول الحكومة (De regimine Principium) من ثمنينات القرن الثالث عشر، يقدم جايلز على عكس بيكون تعليمًا أخلاقيًا للأمير يعتمد بالكامل على المصادر اليونانية واللاتينية وخاصة على أرسطو.

واستمرت فكرة السرية والكتب السرية المرتبطة بروجر بيكون في عصر النهضة، مع تصوير روجر بيكون على خشبة المسرح في دراما المؤلف الأمريكي لروبرت غرين (Robert Greene).

المصدر: Roger BaconRoger Bacon (1214–1292)Adamson, Robert, 1876, Roger Bacon: The Philosophy of Science in the Middle Ages, Manchester.Carton R (1923) L’experience physique chez Roger Bacon. J. Vrin, Paris


شارك المقالة: