بوذا كفيلسوف

اقرأ في هذا المقال


تتعلق جملة (الفيلسوف بوذا) بإدخال الفرد التاريخي المعروف تقليديًا باسم غوتاما (Gautama)، والذي حدده العلماء المعاصرون على أنّه مؤسس البوذية، ووفقًا للتعاليم البوذية كان هناك تماثيل بوذا أخرى في الماضي وسيكون هناك المزيد في المستقبل.

الجوانب الأساسية لحياة بوذا:

يُمنح لقب بوذا الذي يعني حرفيًا الاستيقاظ للفرد الذي يكتشف الطريق إلى النيرفانا ووقف المعاناة، وينشر هذا الاكتشاف حتى يتمكن الآخرون أيضًا من تحقيق النيرفانا، وإذا كانت التعاليم القائلة بوجود تماثيل بوذا أخرى صحيحة فإنّ غوتاما ليس مؤسس البوذية، وسيتبع هذا المدخل العلم الحديث في اتخاذ موقف بشأن مسألة ما إذا كان هناك تماثيل بوذا أخرى.

وبالمثل بالنسبة للأسئلة المتعلقة بالوضع والقوى الخارقة التي ينسبها بعض البوذيين إلى بوذا، كما إنّه سينصب الاهتمام هنا فقط في تلك الجوانب من فكر الفرد التاريخي غوتاما التي تؤثر على تطور التقليد الفلسفي البوذي، وسيعامل بوذا هنا كفيلسوف، حيث إنّ معاملته بهذه الطريقة أمر مثير للجدل ولكن قبل أن نفهم سبب وجوب أن يكون الأمر كذلك دعونا أولاً نتدرب على الجوانب الأساسية لحياة بوذا وتعاليمه غير المثيرة للجدل نسبيًا.

تقول التقاليد أنّ غوتاما عاش حتى سن الثمانين وحتى وقت قريب كان يُعتقد أنّ تواريخه تقارب 560-480 قبل الميلاد، ولكن العديد من العلماء يرون الآن أنّه يجب أن يكون قد مات حوالي 405 قبل الميلاد، وقد وُلِد في عائلة تتمتع ببعض الثروة والسلطة، من أفراد عشيرة آكيا في منطقة الحدود الحالية بين الهند ونيبال.

القصة هي أنّه في بداية سن الرشد تخلى عن حياته المريحة كصاحب منزل (وكذلك زوجته وابنه الصغير) من أجل البحث عن حل لمشكلة المعاناة الوجودية، وقد تعامل أولاً مع عدد من الزاهدون المتجولون (śramanas) الذين ادعوا أنّهم يعرفون طريق التحرر من المعاناة، ولكن بعد أن وجد تعاليمهم غير مرضية انطلق من تلقاء نفسه ومن خلال مزيج من البصيرة وممارسة التأمل بلغ حالة التنوير (bodhi) التي يقال إنّها تمثل توقف كل المعاناة الإضافية، ثم كرس خمسة وأربعون عامًا المتبقية من حياته لتعليم الآخرين الأفكار والتقنيات التي أدت به إلى هذا الإنجاز.

يمكن تصنيف غوتاما نفسه كواحد من الزاهدون المتجولون الذي يطلق عليهم لقب (śramanas)، حيث إنّ وجود ظاهرة مثل (śramanas) يخبرنا أنّه كان هناك درجة معينة من عدم الرضا عن الممارسات الدينية العرفية السائدة آنذاك في حوض نهر الغانج في شمال الهند، حيث تألفت هذه الممارسات إلى حد كبير في الطقوس والتضحيات المنصوص عليها في الفيدا، كما كان هناك العديد من (śramanas) بما في ذلك بوذا، والذين رفضوا سلطة الفيدا باعتبارها تصريحات نهائية حول طبيعة العالم ومكاننا فيه، ولهذا السبب يُطلق عليهم اسم (غير الأرثوذكس).

قانون الفيدا والبوذية:

داخل القانون الفيدى نفسه توجد طبقة من النصوص (المتأخرة نسبيًا) الأوبانياد (Upaniṣads)، التي تُظهر أيضًا عدم الرضا عن طقوس براهمين، كما من بين الأفكار الجديدة التي تظهر في هذه النصوص (الأرثوذكسية) وكذلك في تعاليم أولئك (śramanas) غير الأرثوذكس الذين نعرف مذاهبهم ما يلي:

1- تلك الكائنات الواعية (بما في ذلك البشر والحيوانات غير البشرية والآلهة وسكان الجحيم المختلفة) يولدون من جديد.

2- كما أنّ الولادة الجديدة تحكمها القوانين السببية للكارما (الأعمال الصالحة تسبب ثمارًا ممتعة للفاعل، والأفعال الشريرة تسبب ثمارًا غير سارة وما إلى ذلك)، حيث أنّ هذا ولادة جديدة غير مرضية بطبيعتها.

3- أنّ هناك حالة مثالية للكائنات الواعية تنطوي على التحرر من دورة إعادة الميلاد، وأنّ بلوغ هذه الحالة يتطلب التغلب على الجهل بهويته الحقيقية، ويتم تقديم آراء مختلفة حول هذا الجهل وكيفية التغلب عليه.

طرق غيتا حول هوية البشر:

بهاجافاد غيتا (Bhagavad Gītā) والذي يعد المصنف من قبل بعض المدارس الأرثوذكسية على أنّه الأوبانياد، يسرد غيتا أربع طرق من هذا القبيل ويناقش على الأقل رأيين منفصلين بشأن هويتنا:

1- أنّ هناك تعددًا للذات المتميزة كل منها هو الوكيل الحقيقي لأفعال الشخص وحامله من الجدارة والعيوب الكرمية ولكنها موجودة بشكل منفصل عن الجسم والحالات المرتبطة به.

2- أنّ هناك ذاتًا واحدة فقط من طبيعة الوعي الصافي (شاهد) ومتطابقة مع جوهر الكون براهمان أو الكينونة الخالصة غير المتمايزة.

هل بوذا فيلسوف؟

اتفق بوذا مع معاصريه الذين شرعوا في نفس المشروع الخلاصي بأنّ الجهل بهويتنا هو المسؤول عن المعاناة، وما يميّز تعاليمه (في هذا المستوى من التحليل) يكمن في ما يقوله أنّ الجهل يتكون من: تصور أنّ هناك (أنا) و (لي)، وهذا هو التعليم البوذي الشهير عن اللاذات (anātman)، حيث بهذا التعليم بدأ الجدل حول ما إذا كان غوتاما يمكن تمثيله بشكل شرعي كفيلسوف:

1- أولاً هناك أولئك الذين (بشكل صحيح) يشيرون إلى أنّ بوذا لا ينكر أبدًا بشكل قاطع وجود الذات التي تتجاوز ما هو مُعطى تجريبيًا، والتي يطلق عليها اسم السكندا الخمسة (five skandhas) أو العناصر النفسية الفيزيائية، بينما ينكر بوذا أنّ أيًا من العناصر النفسية الفيزيائية هي الذات فإنّ هؤلاء المفسرين يزعمون أنّه على الأقل يترك الباب مفتوحًا أمام احتمال وجود ذات متسامية بمعنى كونها غير تجريبية.

لهذا قد يكون هناك اعتراض على أنّ كل الفلسفة الهندية الكلاسيكية -البوذية والأرثوذكسية على حد سواء- فهمت أنّ بوذا قد أنكر المحكمة الذاتية، والتي يتم الرد أحيانًا على هذا بأنّ التقليد الفلسفي اللاحق أخطأ ببساطة بوذا، على الأقل جزئيًا لأنّ بوذا سعى للإشارة إلى شيء لا يمكن إدراكه من خلال ممارسة العقلانية الفلسفية، وفي هذا التفسير لا ينبغي أن يُنظر إلى بوذا على أنّه من دعاة الأساليب الفلسفية للتحليل والحجج، بل يجب أن يُنظر إليه على أنّه الشخص الذي يرى هذه الأساليب كعقبات أمام الإطلاق النهائي.

2- سبب آخر يصادفه المرء أحيانًا لإنكار أنّ بوذا هو فيلسوف، هو أنّه يرفض النشاط الفلسفي المميز للتنظير حول الأمور التي تفتقر إلى التطبيق العملي الواضح، وبناءً على هذا التفسير أيضًا فإنّ هؤلاء المفكرين البوذيين اللاحقين الذين شاركوا في بناء نظريات حول الطبيعة النهائية لكل شيء فشلوا ببساطة في الاهتمام بنصيحة بوذا أو تقديرها بشكل صحيح بأننا نتجنب التنظير لمصلحته ونقتصر انتباهنا على تلك الأمور التي لها صلة مباشرة بالتحرر من المعاناة.

وفقًا لوجهة النظر هذه فإنّ تعليم اللاذات ليس نوعًا من الميتافيزيقيا، بل مجرد بعض النصائح العملية التي تفيد بأنّه يجب علينا تجنب التماهي مع الأشياء العابرة ومن المحتم أن تؤدي إلى عدم الرضا، وما يشترك فيه كلا التفسيرين هو افتراض أنّه من الممكن الوصول إلى ما اعتقده بوذا نفسه دون الاعتماد على فهم تعاليمه التي تطورت في التقليد الفلسفي البوذي اللاحق.

صعوبات نقل تعاليم بوذا:

قد يكون هذا الافتراض موضع تساؤل، وقد تأتي معرفتنا بتعاليم بوذا عن طريق نصوص لم يتم تدوينها إلّا بعد عدة قرون من وفاته، وهي بلغات (بالي والترجمات الصينية للسنسكريتية) غير تلك التي من المحتمل أن يكون قد تحدث بها ويختلف فيها في نواحٍ مهمة من حيث قد لا تكون الصعوبة الأولى خطيرة كما تبدو نظرًا لأنّ خطابات بوذا ربما تم التدرب عليها بعد وفاته بفترة وجيزة وتم الحفاظ عليها من خلال النقل الشفهي حتى وقت التزامها بالكتابة، والثانية لا يجب أن تكون مستعصية أيضًا.

لكن الصعوبة الثالثة مثيرة للقلق، من حيث أنّه يقترح أنّ نقل النصوص ينطوي على عمليات الإدراج والحذف لمساعدة جانب أو آخر في النزاعات الطائفية، حيث تشهد المصادر القديمة على هذا بأنّه سيواجه المرء نزاعًا بين المفكرين البوذيين حيث يستشهد أحد الطرفين ببعض أقوال بوذا لدعم موقفهم، وفقط لكي يستجيب الطرف الآخر بأنّ النص الذي تم اقتباس الاقتباس منه غير معترف به عالميًا بشكل رسمي كلمة بوذا، كما يشير هذا إلى أنّ سجلنا الخاص بتعاليم بوذا قد يكون ملونًا بالتوسع الفلسفي لتلك التعاليم التي طرحها المفكرون اللاحقون في التقليد البوذي.

بعض العلماء أكثر تفاؤلاً من غيرهم بشأن إمكانية التغلب على هذه الصعوبة، وبالتالي الوصول إلى ما كان يعتقده بوذا نفسه على عكس ما اعتقده الفلاسفة البوذيون لاحقًا، ولن يتم اتخاذ أي موقف بشأن هذا النزاع هنا، وسوف يتم التعامل مع فكر بوذا كما كان مفهومًا في التقليد الفلسفي اللاحق الذي ألهمه، والذي قد يكون التفسير الناتج وفياً لنواياه وقد لا يكون كذلك.

من الممكن منطقيًا على الأقل أنّه كان يعتقد أنّ هناك ذاتًا متسامية لا يمكن معرفتها إلّا من خلال الحدس الصوفي، أو أن ممارسة العقلانية الفلسفية تؤدي فقط إلى تنظير عقيم وبعيدًا عن التحرر الحقيقي، وما يمكننا قوله بشيء من التأكيد هو أنّ التقاليد الفلسفية البوذية لم تفهمه بهذه الطريقة.

المصدر: Buddha (c. 500s B.C.E.)BuddhaAlbahari, Miri, 2006. Analytical Buddhism, Basingstoke: Palgrave Macmillan, 2014. ‘Insight Knowledge of No Self in Buddhism: An Epistemic Analysis,’ Philosophers’ Imprint.Anālayo, Bhikkhu. 2018. Rebirth in Early Buddhism and Current research, Cambridge, MA: Wisdom.Gethin, Rupert, 1998. The Foundations of Buddhism, Oxford: Oxford University Press.


شارك المقالة: