قصة المصيف

اقرأ في هذا المقال


يعيش بعض الأشخاص في ظروف سيئة، ولكن ما يساعدهم على التحلّي بالصبر هو أحلامهم الوردية التي تأملّهم في يوم ما أن تتحقّق، سنحكي في قصة اليوم عن بائع محل قبعات تحيط به ظروف سيئة؛ حيث يسكن في وسط المدينة وكان لديه حلم أن ينتقل للسكن في الريف، ولكنّه تكيّف مع وضعه لعله في يوم ما يحقّق حلمه بامتلاك منزل في الريف.

قصة رحلة المصيف

كان هنالك بائع للقبعات واسمه غوتشي في محل أوصافه غريبة، كان طلائه الخارجي باللون الأصفر وبالداخل كان على جانبيه الكثير من الخزائن التي تبدو عليها أنّها رثّة وعفنة، وكان هنالك في المحل مكان عميق يوجد به منضدة يشبه في شكله القبو.

كان المحل بجانب منزل صاحبه، وفي المنزل حديقة غريبة الأوصاف كذلك؛ حيث كانت حديقة المنزل ممتدّة ومحاطة بسياج قديم، وفي داخلها حوض جاف لا ماء فيه، والأشجار يابسة لا يوجد عليها أوراق، طلاء المنزل كان لونه أبيض، أمّا الحديقة فلونها رمادي كئيب، وكان هنالك نهر قريب من الحديقة ولكنّه يصدر روائح ليست زكيّة.

وحتّى المكان الذي يوجد حول المنزل والحديقة مليء بأشكال الخراب والحزن؛ حيث كانت الحقول غير منظّمة وتنقلب رأساً على عقب، وهناك أكوام كبيرة من الحجارة والحطام، كان غوتشي يحاول أن يملأ محلّه ببعض البهجة؛ من خلال أشعة الشمس القوية التي تأتي من ناحية منزله.

ولكن عند غروب الشمس تعود العتمة فتملأ المكان، وروائح النهر المجاور لمنزله لا تكف عن الدوران حول محلّه، عاش غوتشي في هذه الأجواء المحزنة لمدّة ثلاثين عاماً، وكان لديه حلم كبير أن ينتقل إلى السكن في الريف، وكان يفكّر في امتلاك قطعة أرض صغيرة هناك يبني عليها منزل الأحلام.

لكن نزوة المجتمع الراقي كانت تسيطر عليه أحياناً؛ فهنالك فرق كبير بين السكن في المدينة والسكن في الريف، وقدّم في سبيل هذه النزوة الكثير والكثير من التضحيات، حتّى أنّه كان يحرم نفسه من احتساء فنجان من القهوة.

أصبح بينه وبين الغبار الذي يملأ محلّه ألفة وود، ومناظر أكوام الحجارة والحصى كان ينظر لها بعين الرضى، كل لك في سبيل جمع النقود لشراء منزل الأحلام، أمّا نزهة السيد غوتشي فكانت غريبة الأطوار كذلك، فمن عادة عائلة السيد غوتشي أن يقومون بالذهاب إلى نزهة في كل يوم سبت مع العائلة، ويترك في المحل موظّف يخبر أي سيد وسيدة أن العائلة قد ذهبت في نزهة.

يذهب السيد غوتشي وزوجته مع السلال بأيديهم من أجل اصطحاب ابنهم الذي يسكن في المدرسة الداخلية، وكان عمره اثنا عشر عاماً، كان ابن غوتشي ينظر لوالديه بخوف عندما يراهم يسلكون الطريق المحاذي للنهر؛ ولكن غوتشي لم يكن يظهر لابنه أي نوع من التعب أو الانزعاج؛ من أجل أن يزرع بابنه حب الحقول، وكان يحدّث ابنه عنها طوال الطريق.

كان من ضمن النزهة الذهاب إلى أرضهم وزراعتها، استيقظت العائلة في اليوم التالي مبكّراً؛ من أجل زراعة الأرض وفلاحتها، ولكن لم يكن ينبت أي شيء؛ وذلك بسبب كثرة الحجارة والحصى في المكان، ولكن غوتشي لم يكن ليجعل تعبه هذا يذهب سدى، وكان يظهر رضاه في كل مرة.

نادى السيد غوتشي زوجته وقال لها: ما رأيك بهذه الحفرة أليست عميقة بما يكفي؟ ردت عليه: نعم إنّها جيدة، وهي تحاول أن تظهر سعادتها بذلك ولكن هي تعلم أن النبات لن يكبر، وتذكرت نبتة الخس التي نبتت السنة الماضية في زاوية الحديقة، وكان يظهر عليها النقط الصفراء العفنة.

كان غوتشي يمضي يومه كاملاً في فلاحة الأرض وزراعتها، والغبار يملأ المكان والشمس حارقة، مع ذلك تقف زوجته بجانيه وتظهر له أنّها سعيدة بذلك، أمّا الابن فيظل يبحث عن مكان يستظل به من أشعة الشمس الحارقة.

عندما يأتي المساء تجلس العائلة بجانب الحوض الجاف، وتحاول أن تستمتع بمناظر الطبيعة التي يفسدها صفير القطارات ودخان المصانع المجاورة، كان غوتشي يستمع لأصوات الراكبين في هذا القطار ؛ حيث كانت ضحكاتهم بسبب انتقالهم من هذا المكان الكئيب إلى مكان آخر.

كان هذا المشهد يتكرّر كل صيف لدى غوتشي وعائلته، وهو ينتظر ليرى ما هي نهاية هذا الرضا وسط كل هذا الخراب، فلعلّ الأحلام تنب يوماً ما.

المصدر: مدخل إلى قصص وحكايات الاطفال/كمال الدين حسين/1996قصص اطفال عالمية مترجمة/توفيق عبدالله/2010قصص الاطفال ما قبل النوم/ياسر سلامة/2018قصص وحكايات/مجموعة مؤلفين/2021


شارك المقالة: