مفهوم التوقعات وتأثيرها على الإدراك في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


مفهوم التوقعات في علم النفس الاجتماعي:

يعبر مفهوم التوقعات عن جميع التنبؤات والتخيلات التي يقوم الفرد ببناء العديد من الأمور المستقبلية، والأمور التي ينتظر الفرد أن تحصل سواء بنشاطه الفردي أو من خلال السلوك الجمعي، أي ما يتوقعه وينتظره من الآخرين، حيث تعبر التوقعات عن قيام الفرد بتحديد وجمع العديد من المعلومات الملموسة والحسية الإدراكية.

وبمجرد أن نطور مجموعة من التوقعات والمواقف عن أنفسنا والآخرين، فإننا نستخدم هذه المعلومات بشكل طبيعي لمساعدتنا في الحكم على الآخرين والاستجابة لهم أيضاً، بحيث تساعدنا توقعاتنا على التفكير في الأفراد ومجموعات الأشخاص والعلاقات بين الناس، وزيادة حجمهم وفهمهم.

إذا علمنا، على سبيل المثال، أن هناك شخصًا ودودًا ومهتمًا بنا، فمن المحتمل أن نتعامل معه، وإذا علمنا أنه يمثل تهديدًا أو غير محبوب، فسنكون أكثر عرضة للانسحاب، وإذا اعتقدنا أن شخصًا ما قد ارتكب خطأ ما، فقد نقوم بمعالجة المعلومات الجديدة بطريقة تساعدنا على إقناعنا بأن حكمنا كان صحيحًا.

يتأثر الناس ليس فقط بالمعلومات التي يحصلون عليها في بناء التوقعات ولكن بكيفية حصولهم عليها، فنحن نتأثر بشكل كبير بالأشياء الأكثر معرفة وظهور والتي يسهل الوصول إليها وبالتالي يسهل تحقيقها، والمعلومات التي يصعب الوصول إليها من الذاكرة الإدراكية، التي تتطلب المزيد من الجهد للنظر فيها أقل احتمالية لاستخدامها في توقعاتنا وأحكامنا.

تأثير مفهوم التوقعات على الإدراك في علم النفس الاجتماعي:

كل منا لديه عدد كبير من التوقعات الإدراكية التي قد نجلبها للتأثير على أي نوع من الأحكام التي قد نتخذها، بحيث أننا سنتفاعل مع العديد من المواقف بشكل مختلف اعتمادًا على المخططات الإدراكية التي نستخدمها، أي أن التوقعات تؤثر على إدراكنا حيث يتم تحديد تنشيط المخطط من خلال خصائص الشخص الذي نحكم عليه التي تتمثل بما يلي:

1- البروز والحضور:

أحد الأمور التي من المحتمل أن تُستخدم ببناء التوقعات في الحكم الإدراكي الاجتماعي هو مدى حضورنا لميزات معينة للشخص أو الموقف الذي نستجيب له، ومن المرجح أن نحكم على الأشخاص على أساس الخصائص البارزة لهم، مما يعني أنهم يجذبون انتباهنا عندما نرى شيئًا ما أو شخصًا معهم.

تعتبر الأشياء غير العادية والسلبية، الملونة، المشرقة والمتحركة هي أكثر بروزًا، وبالتالي من المرجح أن يتم الاهتمام بها أكثر من الأشياء التي لا تتمتع بهذه الخصائص، أي أنها تعتبر ذات سلطة على توقعاتنا مما يشتت الانتباه ويؤثر على إدراكنا، وخاصة الإدراك الاجتماعي.

من المرجح أن نشكل توقعاتنا ونحكم في البداية على الأشخاص على أساس سمات معينة واضحة ومحبوبة أي إيجابية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن هذه السمات بارزة جدًا عندما نراهم، والشيء الآخر الذي يجعل شيئًا ما بارزًا بشكل خاص هو ندرة أو عدم انتظامه؛ نظرًا لأن هذا يلفت انتباهنا وينشط إدراكنا أكثر.

قد يقودنا بروز المحفزات في عوالمنا الاجتماعية أحيانًا إلى بناء توقعات وإصدار أحكام على أساس المعلومات التي هي في الواقع أقل إفادة من المعلومات الأخرى الأقل بروزًا، وممكن أن تحدث حالة أخرى نتجاهل فيها معلومات أساسية عندما نستخدم الاستدلال التمثيلي الذي يشير إلى استراتيجية مبسطة نستخدمها في التوقع لإصدار الأحكام.

2- الوصول المعرفي:

على الرغم من أن الخصائص التي نستخدمها للتفكير وإدراك الأشياء أو الأشخاص يتم تحديدها جزئيًا من خلال بروز خصائصهم فإن الاختلافات الفردية في الشخص الذي يقوم بالحكم مهمة أيضًا، حيث يختلف الأشخاص في التوقعات التي يجدون أهمية استخدامها عند الحكم على الآخرين وعند التفكير في أنفسهم.

إحدى الطرق للنظر في هذه الأهمية هي من حيث إمكانية الوصول المعرفي لبناء التوقعات، حيث تشير إمكانية الوصول المعرفي إلى المدى الذي يتم فيه تنشيط التوقعات في الذاكرة وبالتالي من المحتمل استخدامه في معالجة المعلومات، والوصول إلى إدراك سليم نحو غيرنا ممن نتعامل معهم.

على الرغم من أن إمكانية الوصول يمكن اعتبارها متغيرًا للشخص أي أنه يمكن الوصول إلى فكرة معينة بشكل أكبر بالنسبة لبعض الأشخاص مقارنةً بالآخرين، إلا أن إمكانية الوصول يمكن أن تتأثر أيضًا بالعوامل الظرفية عندما نفكر مؤخرًا أو كثيرًا في موضوع معين، يصبح الوصول إلى هذا الموضوع أكثر سهولة ومن المرجح أن يؤثر على أحكامنا.

نظرًا لأننا نعتمد بشدة على التوقعات والمواقف الخاصة بنا وخاصة تلك التي تكون بارزة ويمكن الوصول إليها، فقد نتأثر بها بشكل مفرط في بعض الأحيان، فهي تؤثر على التفكير والإدراك الاجتماعي بشكل كبير، فيمكن أن نحكم على شخص قد تعاملنا معه من موقف واحد ونتغاظى عن كل شيء آخر.

يمكن أن تؤثر إمكانية الوصول المعرفي على معالجة المعلومات في مفهوم التوقعات من خلال تأثيرها على طلاقة المعالجة حيث تشير طلاقة المعالجة إلى السهولة التي يمكننا بها معالجة المعلومات في بيئاتنا، عندما تكون المنبهات سهلة الوصول إليها بشكل كبير، يمكن معالجتها وإدراكها بسرعة، وبالتالي يكون لها تأثير كبير على تصوراتنا.

من المحتمل أن نستخدم هذا النوع من المعالجة السريعة والبديهية في بناء التوقعات، بناءً على مشاعرنا حول مدى سهولة إكمال مهمة، عندما لا يكون لدينا الكثير من الوقت أو الطاقة لإجراء معالجة أكثر عمقًا للمعلومات التي لدينا، كما هو الحال عندما تحت ضغط الوقت أو التعب أو عدم الرغبة في معالجة الحافز بتفاصيل كافية واتخاذ القرارات المناسبة.

3- التوقعات التي تؤدي إلى التفكير المضاد:

بالإضافة إلى التأثير على أحكامنا بشأن أنفسنا والآخرين، فإن بروز المعلومات وإمكانية الوصول إليها يمكن أن يكون لهما تأثير مهم على الإحساس في عملية الإدراك الحسي، على سبيل المثال، تأثيرها على تقديرنا لذاتنا، فغالبًا ما تتلون ردود أفعالنا العاطفية تجاه الأحداث ليس فقط بما حدث ولكن أيضًا بما قد يحدث.

فإذا استطعنا بسهولة توقع نتيجة أفضل مما حدث بالفعل، فقد نشعر بالحزن وخيبة الأمل، ومن ناحية أخرى، إذا استطعنا أن نتوقع بسهولة أن نتيجة ما قد تكون أسوأ مما حدث بالفعل، فقد نكون أكثر عرضة للشعور بالسعادة والرضا، أي الميل إلى إدراك الأحداث وفقاً لما قد يكون أي بشكل مغاير.

4- قبول التوقعات التي يجب علينا مراجعتها:

في بعض الحالات، قد ندرك خطورة التصرف بناءً على توقعاتنا ونحاول التكيف معها، فربما يبدأ الشخص في مهمة وأمر معين يكون غير مقبول لصديقه المقرب مثلاً مما يؤدي لتوقع نتائج سلبية، مع إرادته في تجاوز توقعاته السلبية ومنع هذه المعرفة من التحيز في الحكم، ومع ذلك، فإن إمكانية الوصول إلى المعلومات الأولية تمنع في كثير من الأحيان حدوث هذا التعديل، مما يؤدي بنا إلى الارتكاز على البنية الأولية وعدم ضبطها بشكل كافي.

المصدر: علم النفس، محمد حسن غانم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.


شارك المقالة: