سقوط البرامكة في العهد العباسي

اقرأ في هذا المقال


عصر الخليفة الرشيد:

اعتمد هارون الرشيد في مواجهة أخيه الهادي بسبب ولاية العهد على أمه الخيزران، ومؤدبه يحيى البرمكي، الذي سجنه الهادي لتأييده الواسع لهارون، وبعد الموت الغامض للهادي لم ينس الرشيد تلك الخدمات فكان ضعيفاً تجاه أمه الخيزران، يقول الطبري: (وكانت الخيزران هي الناظرة في الأمور، وكان يحيى يعرض عليها ويصدر عن رأيها).

ثم خوّل يحيى البرمكي صلاحيات واسعة، ساعده ولداه جعفر والفضل ولمدة سبع عشرة سنة، يقول اليعقوبي: (وكان الغالب على الرشيد يحيى بن خالد بن برمك، وجعفر والفضل أبناءه صدراً من خلافته، حتى ما كان له معهم أمر ولا نهي، على أنّنا يجب تذكر بأنه كانت هناك كتل أخرى لعبت دورها في خلافة الرشيد، منها كتلة القائد هرثمة بن أعين ففي رواية أنه لمّا كانت الليلة التي توفي فيها موسى الهادي أخرج هرثمة بن أعين هارون الرشيد ليلاً فأقعده للخلافة، وكتلة القادة العرب كالفضل بن سليمان الأزدي، ومحمد بن فروخ الأزدي، ويزيد بن مزيد الشيباني، وكتلة أمراء من البيت العباسي كعبد الملك بن صالح العباسي، ثم كتلة الفضل بن الربيع وعلي بن عيسى بن ماهان.

لقد فوض الرشيد وزيره يحيى البرمكي سلطات واسعة، منها إشرافه على جميع الدواوين وخاطبه الرشيد بقوله: (قلدتك أمر الرعية، فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب). انزعج الرشيد من استبداد البرامكة بالسلطة، حتى أنَّ زوجه زبيدة وبقية الكتل بدأت تحس بالكراهية تجاههم، وقد أشار ابن الأثير إلى ذلك بقوله: (إنَّ زبيدة أم الأمين هي الأخرى كانت تكرههم، لأنها تعرف حقيقة أمرهم، ثم آل الربيع وآل الشيباني). وهناك روايات كثيرة تظهر انزعاج الخليفة الرشيد من تصرفات البرامكة قبل أمره بتصفيتهم منها، عزله للفضل بن يحيى آل برمكي عن ولاية خراسان وتعيين منصور الحميري مكانه، وعزله لمحمد بن خالد البرمكي عن الحجابة وتعيين الفضل بن الربيع مكانه وذلك عام (179 هجري).

وفي رواية أنَّ الخليفة الرشيد فكر جدياً في تصفية البرامكة قبل تنفيذ الفكرة بأربع سنوات، وقد أصدر الخليفة أمراً إلى حجابه بمنع يحيى البرمكي من الدخول عليه خلافاً لعادته في الدخول على الخليفة بلا إذن، فضلاً عن أمره بعدم القيام ليحيى البرمكي عند دخوله إلى الخليفة، بحيث أحس الناس بتغير الخليفة نحوهم، فأخذوا يكثرون الحديث عنهم، فقال الناس في البرامكة وأكثروا، وكان ذلك أول ما ظهر من تغير حالهم، وقد مرت عدة مناسبات أخرى أظهر الخليفة امتعاضه من سوء تصرف البرامكة، فقد قال مرة بعد أن خرج جعفر البرمكي: (قتلني الله بسيف الهدى على عمل الضلالة إن لم أقتلك)، وقد لوحاظ على الرشيد استهزاؤه بجعفر عندما يكون جعفر جاداً ويكون الرشيد جاداً عندما يكون جعفر هازلاً.

وفي عام (187 هجري)، أمر الرشيد بقتل جعفر بن يحيى البرمكي، وأمر بحبس ولديه يحيى والفضل، وأمر كذلك بتصفية أموالهم، ثم أرسل رأس جعفر إلى بغداد ونصب على الجسر الأوسط، وفي رواية أن الجثة قطعت ثلاث قطع وتصبت على جسور بغداد.

سقوط البرامكة:

وقد اختلف المؤرخون في الدوافع التي حملت الخليفة الرشيد على تصفية البرامكة بهذا الشكل، وهم في أوج سيطرتهم، خصوصاً أن الرشيد لم يبح لأحد بتلك الدوافع، على أناّ يجب أن ننبه إلى أن قسماً من الروايات اختلط فيها الخيال والقصص الشعبي، فمن القصص التي أشار إليها الطبري قصة العباسة أخت الرشيد، وزواجها الصوري من جعفر البرمكي، وسند هذه الرواية يشوبه الضعف فضلاً عن مناقشة ابن خلدون لهذه الرواية وتفنيدها، أما ميلهم للعلويين فإنه يشوبه الشك أيضاً، لوجود روايات أخرى تظهر البرامكة وكأنهم أعداء على أن أسباب تصفيتهم عديدة، بعضها كان مهماً، وبعضها أسباب رئيسية.

فمن الأسباب المهمة: تعاظم نفوذهم، بحيث طغى على نفوذ الخليفة فضلاً عن احتجازهم الأموال، يقول المسعودي: (احتازوا الأموال دونه  (الرشيد)، حتى كان يحتاج إلى اليسير من المال فلا يقدر عليه). ومن الأسباب المهمة أيضاً التبذير في صرف أموال الدولة، فضلاً عن إنشائهم بيوتاً لأموال خاصة بهم، والواقع أن الرشيد يتحمل جزءاً من مسؤولية وصول أوضاعه إلى هذا الشكل لكونه المسؤول عن منح يحيى البرمكي صلاحيات واسعة، فكان يُدير ويرأس الديوان، وبيده ديوان الخاتم، الذي يعد رمز السلطة والنفوذ، وقد أشرك الرشيد جعفر البرمكي في النظر في المظالم، وهذه من اختصاص الخليفة أيضاً.

ومن الأسباب الرئيسة أن بعض الروايات أشارت إلى أن البرامكة كانوا من الزنادقة، ولعل في هذا الاتهام مبالغة، فلم يكن البرامكة من الزنادقة بل كانوا من الشعوبية، فقد لوحظ على البرامكة تقريبهم العناصر الشعوبية من أدباء وكتاب تعصباً لفارسيتهم، ولعل المنصور أدرك قبل الرشيد بعض أهدافهم وذلك حين قال لجدهم خالد بن برمك، حيث نهاه عن تهديم إيوان كسرى: (يا خالداً بيت إلا الميل إلى أصحابك العجم).

على أن الأخطر من ذلك هو أن الفضل البرمكي اتخذ بخراسان جنداً من العجم سماهم العباسية، وكان عددهم كبيراً، وجلب قسماً منهم إلى بغداد مما يشعرنا بأن للبرامكة خططاً بعيدة، منها إعادة مجد الفرس بعد انتهائه على يد العرب، ويمكن القول أن هذا هو السبب الرئيس في سقوطهم. إن سقوط البرامكة السريع دون حدوث ردود فعل عنيفة لدليل على قوة الخلافة في عصرها الذهبي.

المصدر: ❞ كتاب موسوعة التاريخ الإسلامي العصر العباسي ت: خالد عزام ❝ د. خالد عزام صفحة (119 – 122).❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفه سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث. ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفه د.محمد سهيل طقوش. ❞كتاب محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية الدولة العباسية ❝ مؤلفه محمد الخضري بك.


شارك المقالة: