دراسة الأخبار الكاذبة في الأنثروبولوجيا الإعلامية

اقرأ في هذا المقال


إن الأخبار المزيفة تعمل في أغلب الأحيان على أنها مصدر للانتباه، ومن منظور الأنثروبولوجيا الإعلامية يمكن القول إن الأخبار المزيفة هي مجرد شكل من أشكال الهدر الناتج عن خصوصية بيئات وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنها مصدر إزعاج يتطلب وقتًا وجهدًا للتنظيف، بدءً من عمل علماء الأنثروبولوجيا في وسائل الإعلام الذين يتصفحون المنشورات الإخبارية المزيفة وفي النهاية يتجاهلونها، لذلك تمثل الأخبار الكاذبة مشكلة.

دراسة الأخبار الكاذبة في الأنثروبولوجيا الإعلامية:

تعد دراسة الأخبار الكاذبة في الأنثروبولوجيا الإعلامية جزءًا من سلسلة السياسة الرقمية، والتي تتضمن علماء الأنثروبولوجيا مثل آدم هودجز وأندرو غراان وميج ستالكوب لمشاركة أفكارهم حول الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة والدعاية السياسية، وقادت هذه الدراسة الثرية إلى التفكير في الأخبار المزيفة من زوايا مختلفة، من كيفية تشكيل الثقة الآن بشكل مختلف من خلال الشبكات الاجتماعية الجديدة، إلى كيف أصبح نشر الأخبار المزيفة وضبطها لممارسات المشاركة في الجماهير المنقسمة.

من المشاركة العاطفية للقراءة والتعليق وإعادة توجيه الأخبار المزيفة، إلى سلسلة المصادقة التي تضخم قوة الأخبار المزيفة، ومن التطورات غير الديمقراطية وتأثيرات اللامركزية المفترضة، وإضفاء الديمقراطية على الوسائط الرقمية، إلى الأخبار المزيفة باعتبارها خاطف الانتباه الذي يؤكد مع ذلك وجهة نظر المرء للعالم، وبالنسبة للرد على الانتقادات العامة، كثف علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية جهودهم لإزالة الحسابات المزيفة والمعلومات المضللة ونشر سياسات الأسماء الحقيقية والعمل مع شركاء التحقق من الحقائق التابعين لجهات خارجية لتحديد الأخبار المزيفة المحتملة.

ويتخذ علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية خطوة أخرى لحظر الإعلانات السياسية، وفي الوقت نفسه بدأت بعض البلدان، على سبيل المثال سنغافورة وألمانيا وفرنسا في سن قوانين لتنظيم المعلومات المضللة، ويعتقد علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية أن هذه الإجراءات ستكون غير مكتملة دون محاولة معالجة ما يجب فعله، فالأنثروبولوجيا التي تواجه الجمهور تحتاج إلى البحث عن طرق لإيصال صلة عملها وأفكارها بأنواع المحادثات العامة، بعيدًا عن التنظير الذي يقوم به الباحثين والعمل الوصفي لفهم أفضل للسلوكيات والممارسات التشاركية التي تكمن وراء انتشار الأخبار المزيفة.

فهل يمكن استخلاص الآثار المترتبة على هذا العمل بالنسبة للمناقشات العامة المهمة التي تجري؟ من نواح كثيرة يعتقد علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية أن قول ذلك أسهل من فعله، ولكن على الأقل يمكن للعلماء التحدث كمواطنين مطلعين للتأثير في هذه المناقشات، فمن المهم إدراك أن مشكلة الأخبار الكاذبة هي في الأساس مشكلة إنسانية حتى عندما يُنظر إليها إلى حد كبير ويتم التعامل معها على أنها مشكلة تكنولوجية، لذلك يقترح علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية أن هناك حاجة إلى مزيد من التركيز على الحلول التي تركز على الإنسان من أجل  معالجة مشكلة الأخبار الكاذبة حقًا.

ويعتقد أن هذا هو السبب في أن هناك حاجة إلى إيجاد طرق لتعزيز المزيد من التفكير الأنثروبولوجي في شركات مثل (Facebook وTwitter) لأنها تكثف جهودها للتعامل مع هذه القضية المزعجة، على سبيل المثال جهود علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية لإزالة هذه الحسابات المزيفة، والحل هو التحقق من هويات الحسابات التي يتم توزيعها على نطاق واسع والتحسن في إزالة الحسابات المزيفة، كما تركز جهودهم لمعالجة الأخبار المزيفة إلى حد كبير على هذا النهج لتحديد الحسابات غير الأصلية وإزالتها.

ومن منظور الأنثروبولوجيا التكنولوجية هذا منطقي لأن السياسة تتضمن حلاً تقنيًا، حيث يستخدم علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية أدوات التعلم الآلي الخاصة بهم لاكتشاف عدم الأصالة وأتمام عملية التحقق من هويات ومواقع أولئك الذين يرغبون في عرض إعلانات سياسية على الجمهور، لكن هذا ليس سوى حل جزئي، إذ تتضمن الأخبار المزيفة شبكة نصية من السلوكيات التشاركية أي السلوكيات التي تمنح امتيازًا لأشكال الاتصال الجانبي أو الأفقي التي تتضمن ممثلين حقيقيين بالإضافة إلى الحسابات والمنشورات المزيفة التي تنشرها الروبوتات.

وقد أشار علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية إلى إنه عندما تكون الأخبار الكاذبة ناجحة جدًا، فإنها عادة ما تكون مزيجًا من الدعاية الحاسوبية والاستيعاب الحقيقي من قبل الأفراد واهتمام وسائل الإعلام السائدة، وتقدم عالمة الأنثروبولوجيا كيت ستاربيرد نوعًا من التفكير الأنثروبولوجي حول وجهات النظر التي تركز على الإنسان والموجهة نحو المجتمع والتي تميل الشركات التي تركز على الهندسة إلى الافتقار إليها، خاصة في المستويات العليا من قيادتها.

وفي هذا الصدد واجه علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية إشكالية في مزج حرية التعبير بالإعلانات السياسية المدفوعة وبين منح الناس صوتًا للسماح للسياسيين بنشر معلومات مضللة، ولقد أوضح علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية إنه يجب تقديم بطاقة هوية حكومية وإثبات الموقع إذا كان أحد يرغب في عرض إعلانات سياسية أو صفحة كبيرة، وعليه أن يقف وراءها بهويته الحقيقية ويواجه المساءلة.

مصدر الأخبار الكاذبة من منظور الأنثروبولوجيا الإعلامية:

تقدم الأنثروبولوجيا الإعلامية فحصًا ثريًا للمصادر المختلفة التي تنتشر بها الأخبار الكاذبة والمضللة عبر وسائل الإعلام، كما تقترح إنه قد تكون السياسات التي تركز على عدم الأصالة قاصرة لأن انتشار المعلومات المضللة هو في الأساس بطبيعته تعاونية وتشاركية، وهناك العديد من التشابكات بين الأفراد الحقيقيين والحسابات غير الأصلية، ولا يمكن معالجة هذا ببساطة عن طريق تحديد وإزالة الحسابات المزيفة، والحل قصير المدى هو إصدار حظر على الإعلانات السياسية على منصات وسائل الإعلام حتى يتمكن المجتمع من التوصل إلى حلول أفضل.

وعندما يتعلق الأمر بالمشاركات العضوية والقصص الجديدة يعمل علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية مع مدققي الحقائق التابعين لجهات خارجية، فإذا كانت مشكلة الأخبار الكاذبة مصدرها مشكلة إنسانية في الأساس تحتاج إلى حلول تستفيد منها المؤسسات البشرية، ويعود هذا حول الثقة حيث أن جهود التحقق من الحقائق ستقصر طالما استمرت الثقة في المؤسسات في التآكل، كما يعتقد علماء الأنثروبولوجيا الإعلامية أن الوعد في الجهد للتحقق من الحقائق لا يكمن في محاولة تصحيح السجل، ذلك لأن مشكلة الأخبار المزيفة لا تنبع فقط من نقص المعلومات الصحيحة، والتظاهر بأن هذا مصدر المشكلة هو أمر مضلل.

وإذا كان انتشار الأخبار الكاذبة مصدره الجماهير إذن ينبغي أن يكون الحل بمعنى ما مصدره الجماهير، فمن شأن مثل هذا النهج أن يساعد في تطوير جمهور جديد وفقًا للشروط مع مجموعة معايير المشاركة والخطابات الرئيسية والأيديولوجيات اللغوية التي تتوسط في كيفية مشاركة الفرد في مجالات وسائل التواصل الاجتماعي، وسيكون المفتاح هو إيجاد هذه المصادر للوصول للحلول التي تركز على الإنسان وتعزيزها دون الوقوع في الفخ، فكل ما يحتاجه الباحثين هو المزيد من أدوات الذكاء الاصطناعي بدلاً من القيام بأعمال بناء العلاقات وبناء المؤسسات الصعبة المطلوبة.

فكيفية التعرف على مصادر المعلومات والحكم عليها وتقييمها، وكيف يتم الحكم على مصداقية الادعاءات وتقييم الأدلة، وكيفية التمييز بين المحتوى العضوي والمحتوى المدفوع مع التعرف على التحيزات المحتملة لأي نوع من المحتوى، وكيفية التعرف على سلوك التصيد وتجنب إطعام المتصيدون، وكيف يتم التشكيك في الافتراضات بعين ناقدة، وكيف ينم التعرف على الأخبار الكاذبة التي تخطف الانتباه وتحاول إعادة ضبط جدول الأعمال، هذه كلها مهارات يمكن أن يعززها تعليم الأنثروبولوجيا الإعلامية على نطاق أوسع.

المصدر: محمد الجوهري، مقدمة في دراسة الأنثروبولوجيا، 2007محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا الاجتماعية، 2004ابراهيم رزقانة، الأنثروبولوجيا، 1964كاظم سعد الدين، الأنثروبولوجيا المفهوم والتاريخ، 2010


شارك المقالة: