يشير مصطلح التكيف النفسي إلى مجموعة من الآراء حول أهمية الانتقاء الطبيعي في تطور الكائنات الحية، وفي بناء التفسيرات التطورية، وفي تحديد هدف البحث عن التطور، يرى دعاة التكيف النفسي أن الانتقاء الطبيعي بين الأفراد داخل مجموعة ما هو السبب الوحيد المهم لتطور سمة محددة، ويعتقدون أيضًا أن بناء التفسيرات القائمة فقط على الانتقاء الطبيعي هو الطريقة المثمرة لإحراز تقدم في علم النفس التطوري وأن هذا المسعى يعالج الهدف الأكثر أهمية في علم النفس التطوري وهو فهم تطور التكيفات النفسية.
تاريخ التكيف النفسي في علم النفس
غالبًا ما يرجع الجدل حول التكيف النفسي إلى ورقة بحثية عام 1979 كتبها ستيفن جولد وريتشارد ليونتين، تعتبر هذه الورقة مهمة ولكن في الواقع تعود هذه المناقشة إلى القرن التاسع عشر، مع وجود عناصر التكيف النفسي أو التعددية كما هو مفهوم حاليًا في أعمال هنري بيتس، وويليام بيتسون، وتشارلز داروين، وإرنست هيكل، وهربرت سبنسر، وألفريد والاس.
في أوائل القرن العشرين أعلن علماء النفس التطوري عن الآراء التي نسميها الآن التكيف النفسي والتعددية، كان من بينهم اثنان من علماء الأحياء التطورية في ذلك الوقت والآن الأكثر نفوذاً رونالد فيشر وسيوال رايت، الفكرة المركزية لكتاب فيشر المهم لعام 1930 النظرية الوراثية للانتقاء الطبيعي هي أن الانتقاء الطبيعي هو التأثير الوحيد المهم على تطور السمات، هذا هو النص المركزي للتكيف النفسي.
في الواقع يعتبر التكيف النفسي له مكانة مرموقة في أذهان معظم علماء النفس التطوري، بغض النظر عن موقفهم من التكيف، تم تقديم وجهة نظر سيوول رايت التعددية للتطور في عدة أماكن مع بحثه عام 1931 بعنوان التطور في السكان المندليين وكتاب عام 1977 التطور وعلم الوراثة للسكان في النتائج التجريبية والاستقطاعات التطورية هو الأكثر شهرة، تعد هذه الأعمال التي قام بها بعض علماء النفس مساهمات أساسية في مجال علم النفس التطوري.
لقد استندوا جزئيًا إلى الادعاءات السابقة والادعاءات المضادة حول تأثير الانتقاء الطبيعي والقوى غير الانتقائية على تطور السمات، لا سيما في الأنواع مثل القواقع الأرضية التي لها سمات متنوعة يمكن تمييزها بسهولة، في المقابل حفزت هذه الأعمال المطالبات المستمرة والمطالبات المضادة في تفسير التكيف النفسي، هذا المزيج من التطورات الاجتماعية والمؤسسية والعلمية هو الذي شكل الخلفية للتكيف النفسي، والتي يمكن فهمها على أفضل وجه على أنها حدث مهم ولكن ليس فريدًا في نقاش طويل الأمد في علم النفس التطوري.
أشكال التكيف النفسي في علم النفس
ساعد العمل الأخير في فلسفة علم النفس في الكشف عن ثلاث أشكال للتكيف النفسي، تعكس هذه الاختلافات في المعتقدات بين المطورين المحترفين الحاليين ومستخدمي الحجج التطورية، إنها تمثل التزامات حول حالة الطبيعة وطريقة عمل العلم، وحول ما هو مهم للدراسة.
يعتبر الشكل الأول من التكيف النفسي هو التكيف التجريبي وهي وجهة النظر القائلة بأن الانتقاء الطبيعي موجود في كل مكان، وخالٍ من القيود، ويقدم تفسيرًا كافيًا لتطور معظم السمات، والتي تعتبر مثالية محليًا، أي أن السمة المرصودة تتفوق على أي بديل لا يتطلب إعادة تعريف الكائن الحي، هذا ادعاء حول التأثير المحقق للانتقاء الطبيعي على تطور السمات مقارنة بالتأثيرات التطورية الأخرى.
يعبر الشكل الثاني التكيف النفسي التوضيحي وهي وجهة النظر القائلة بأن شرح السمات على أنها تكيفات ناتجة عن الانتقاء الطبيعي هو الهدف المركزي لعلم النفس التطوري، حيث أن هذا ادعاء حول الأهمية الكبرى لبعض أنواع التفسيرات، وتختلف الآراء حول ما إذا كان هذا ادعاءً علميًا أو ادعاءً جماليًا.
بينما يعبر الشكل الثالث من التكيف النفس عن التكيف النفسي المنهجي وهي وجهة النظر القائلة بأن البحث النفسي أولاً عن التكيف النفسي عن طريق الانتقاء الطبيعي هو النهج الأكثر فاعلية عند محاولة فهم تطور أي سمة معينة، فقد يكون هذا صحيحًا حتى لو كانت التكيفات نادرة على الرغم من أن الغالبية العظمى من علماء النفس يعتقدون أن التكيفات النفسية الشائعة، وإن الاعتقاد بأن التكيفات النفسية الشائعة يختلف تمامًا عن الادعاء بأن الانتقاء الطبيعي فقط هو الذي يتم الاحتجاج به لشرح هذه التكيفات.
تعتبر أشكال التكيف النفسي في علم النفس مستقلة منطقيًا، فحقيقة ادعاء واحد لا تعني بالضرورة حقيقة الادعاءات الأخرى، على سبيل المثال قد يكون صحيحًا أن معظم السمات عبارة عن تكيفات يمكن تفسيرها من خلال استدعاء ليس أكثر من الانتقاء الطبيعي من خلال الشكل الأول المتمثل في التكيف النفسي التجريبي، ولكن لا يزال من الخطأ البحث أولاً عن التكيف النفسي التوضيحي.
في الواقع المواقف الفكرية المحققة مقيدة بدرجة أكبر في أن معظم التكيّفين هم من دعاة التكيف النفسي التجريبي والتفسير والمنهجي، وهناك العديد من علماء النفس الذين يدافعون عن التكيف النفسي التوضيحي والمنهجي، لكنهم يرفضون صراحة التكيف النفسي التجريبي، من ناحية أخرى يرفض بعض علماء النفس جميع الأشكال الثلاثة للتكيف النفسي، وهناك العديد من الأمثلة المتنافسة التفسيرات التكيفية والتعددية لنفس الأشكال.
عرّف غودفري سميث التكيف النفسي التجريبي بأنه الانتقاء الطبيعي وهو قوة قوية وواسعة الانتشار، وهناك قيود قليلة على التباين البيولوجي الذي يمده بالحقائق والمعرفة والمعلومات إلى حد كبير، ومن الممكن التنبؤ وشرح نتائج العمليات التطورية من خلال الاهتمام فقط بالدور الذي يلعبه الاختيار، ولا يوجد عامل تطوري آخر له هذه الدرجة من الأهمية السببية، حيث يلتقط هذا التعريف اثنين من المعتقدات الهامة للتكيف النفسي الأول هو أن الانتقاء الطبيعي يحكم جميع الجوانب المهمة لتطور السمات وأن التأثيرات التطورية الأخرى ستكون ذات تأثير ضئيل على الأقل على المدى الطويل، والثاني هو أن النظام في الطبيعة هو نتيجة الانتقاء الطبيعي.
يعتبر التكيف النفسي التجريبي نموذجيًا وصفيًا لتطور السمات التي يمكن ملاحظتها مباشرة مثل طول الساق، وتم تحليل مجموعة متنوعة مذهلة من السمات من منظور التكيف النفسي التجريبي، وينبع التضمين المنهجي المهم للتكيف النفسي التجريبي من القوة السببية التي يعينها للانتقاء الطبيعي حيث يجب حل التناقض الواضح بين البيانات والتنبؤات الخاصة بنموذج الأمثل عن طريق رفض هذا النموذج وتطوير نموذج جديد.
تم تعريف التكيف النفسي التوضيحي بأنه التصميم الواضح للكائنات الحية وعلاقات التكيف بين الكائنات الحية وبيئاتها، هي الأسئلة الكبيرة والحقائق المذهلة في علم النفس، حيث أن تفسير هذه الظواهر هو جوهر المهمة الفكرية لنظرية التطور النفسي، والانتقاء الطبيعي هو المفتاح لحل هذه المشاكل، ويعتبر الاختيار هو الجواب الكبير؛ نظرًا لأنه يجيب على أكبر الأسئلة فإن الاختيار له أهمية تفسيرية فريدة من بين العوامل التطورية.
عرّف غودفري سميث التكيف المنهجي بأنه أفضل طريقة للعلماء للتعامل مع الأنظمة البيولوجية هي البحث النفسي وخاصة عن ميزات التكيف والتصميم الجيد، فالتكيف النفسي هو مفهوم تنظيمي جيد للبحث النفسي التطوري، وهذا ادعاء حول كفاءة الأدوات، بغض النظر عن مدى عدم صحة استدعاء الانتقاء الطبيعي كتفسير كافٍ لسمة ما، فهي الطريقة الأكثر مباشرة الممكنة للعثور على التفسير السببي الحقيقي للسمة.
يختلف التكيف النفسي المنهجي بشكل ملحوظ عن التكيف النفسي التجريبي في أن الأول يعترف بإمكانية أن الانتقاء الطبيعي قد يثبت في النهاية أنه ليس له التأثير الأكبر على تطور سمة معينة، بالإضافة إلى ذلك يمكن للمتكيف المنهجي قبول إمكانية حل التناقض الواضح بين المعلومات والتنبؤات الخاصة بنموذج الانتقاء الطبيعي من خلال استنتاج أن السمة تتأثر قليلاً بالانتقاء الطبيعي بدلاً من استنتاج أن النموذج غير صحيح.