اتساق المواقف والسلوك الإنساني في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


مفهوم اتساق المواقف والسلوك الإنساني في علم النفس:

تتعلق دراسة اتساق المواقف والسلوك الإنساني بالدرجة التي تتنبأ بها مواقف الناس أي الآراء الخاصة بهم بسلوكهم وأفعالهم، حيث أنه يوجد اتساق بين المواقف والسلوك الإنساني عندما تكون هناك علاقة قوية بين الآراء والأفعال، على سبيل المثال يُظهر الشخص الذي لديه موقف إيجابي تجاه حماية البيئة الذي يعيد تدوير الورق والزجاجات تناسقًا عاليًا في السلوك الإيجابي البيئي، وتعتبر دراسة اتساق المواقف والسلوك الإنساني أمرًا مهمًا؛ لأن الكثير من فائدة مفهوم الموقف مشتق من فكرة أن آراء الناس تساعد في توجيه أفعالهم.

متى تؤثر المواقف على السلوك الإنساني؟

استجاب باحثو الموقف في البحث النفسي إلى هذا النقد الخاص بتأثير المواقف على السلوك الإنساني من خلال تكريس مزيد من الاهتمام لدراسة متى تتنبأ المواقف بالسلوك الإنساني، حيث أنه تم في الثلاثين عامًا الماضية إيجاد نتائج الأبحاث النفسية إلى استنتاج أكثر تفاؤلاً بأن المواقف تتنبأ بالسلوك الإنساني في ظل ظروف معينة وشروط خاصة.

تتمثل الشروط والظروف التي تحكم بكيفية تأثير المواقف على السلوك الإنساني من خلال ما يلي:

1- حسب القياس المماثل:

تقوم المواقف بعمل أفضل في التنبؤ بالسلوك الإنساني عندما يتم قياس كلا المفهومين بطريقة مماثلة، بالعودة إلى دراسة ريتشارد لابير طلب مقياسه للموقف من المؤسسات توضيح ما إذا كانت تستخدم شخصًا من العرق الصيني، هذا المقياس للموقف واسع جدًا مقارنةً بمقياس السلوك الإنساني، والذي تضمن تقديم الخدمة لزوجين صينيين متعلمين تعليماً عالياً ويرتدون ملابس جيدة يرافقهم أستاذ جامعي أمريكي.

لو كان مقياس سلوك ريتشارد لابير أكثر تحديدًا على سبيل المثال إذا كان قد قرأ هل استخدم زوجًا صينيين متعلمين جيدًا ورائعًا برفقة أستاذ جامعي أمريكي، لكان هناك قدر أكبر من الاتساق بين المواقف والسلوك الإنساني.

2- حسب الموضوع قيد الدراسة:

يختلف اتساق الموقف والسلوك الإنساني اعتمادًا على الموضوع قيد الدراسة، أي أنه في بعض المناطق، تقوم المواقف بعمل ممتاز في التنبؤ بالسلوك الإنساني، بينما في مناطق أخرى لا تفعل ذلك، ومن ناحية أخرى يقوم موقف الشخص تجاه شخص معين بعمل جيد للغاية في التنبؤ بما إذا كان سيقف ويتفاعل معه أم لا.

ليس من المستغرب أن يميل الناس إلى التشارك مع أشخاص الذين يحبونهم، وعلى الجانب الآخر وجد الباحثين درجة منخفضة من الاتساق بين موقف الشخص تجاه التبرع بالدم وسلوك التبرع بالدم، ربما ليس من المستغرب أن يكون هذا المجال حيث توجد علاقة منخفضة بين المواقف والسلوك الإنساني، حيث قد تكون العلاقة المنخفضة تنشأ بسبب عوامل أخرى يرى الناس أنها أكثر أهمية من موقفهم الإيجابي قد يكونون شديدي الحساسية تجاه الإبر مثلاً.

3- حسب درجة المواقف:

يعتمد الاتساق بين المواقف والسلوك على درجة الموقف، حيث أن المواقف تختلف في درجتها، ومنها تعتبر مواقف بعض الناس مهمة جدًا بالنسبة لهم، في حين أن البعض الآخر ليس كذلك، حيث أظهر عدد من الدراسات أن المواقف الأفضل من المرجح أن تتنبأ بالسلوك الإنساني أكثر من المواقف الضعيفة.

على سبيل المثال أجرى روب هولاند وزملاؤه دراسة طلبوا فيها من المشاركين الإشارة إلى مدى تفضيل وقوة موقفهم تجاه منظمة السلام الأخضر، وبعد أسبوع واحد كجزء من تجربة مختلفة ومتباينة، تم منح هؤلاء الأشخاص الفرصة للتبرع بالمال إلى هذه المنظمة، ووجد هولاند وزملاؤه أنه عندما كان للمشاركين آراء قوية حول منظمة السلام الأخضر، فإن تفضيل موقفهم توقع مبلغ الأموال التي تبرعوا بها بعد أسبوع واحد.

4- حسب الاختلافات الفردية:

يتأثر الاتساق بين المواقف والسلوك الإنساني بالاختلافات بين الناس أي حسب الفروق الفردية، على سبيل المثال وجد البحث النفسي حول عامل الشخصية المسمى بالمراقبة الذاتية والذي يعكس الاختلافات بين الأشخاص في كيفية تغيير سلوكهم عبر المواقف الاجتماعية، أن العلاقة بين المواقف والسلوك الإنساني أقوى بالنسبة للمراقبين المنخفضين من الذات العالية.

علاوة على ذلك فإن احتمال تأثير مواقف الشخص على سلوكه يتأثر بعمره، حيث وجد عدد من الدراسات أن طلاب الجامعات يظهرون علاقات موقف وسلوك أقل مقارنة بالبالغين، ويُعتقد أن هذا الاختلاف يحدث لأن طلاب الجامعات يميلون إلى امتلاك مواقف أقل وضوحًا مقارنة بالأفراد الأكبر سنًا.

كيف تؤثر المواقف على السلوك الإنساني؟

بالإضافة إلى فهم متى تتنبأ المواقف بالسلوك الإنساني، طور علماء النفس الاجتماعي عددًا من النماذج لشرح كيف تتنبأ المواقف بالسلوك الإنساني من خلال نموذجان مهمان هما نموذج السلوك المخطط ونموذج الدافع والفرص، حيث يمكننا توضيحها من خلال ما يلي:

نموذج السلوك المخطط لها:

تم تطوير نموذج السلوك المخطط بواسطة آيسك أجزن كما يوحي اسمها، تم تطوير نموذج السلوك المخطط للتنبؤ بالسلوك المتداول والمدروس، ووفقًا لهذا النموذج فإن المتنبئ أو المحدد الفوري لسلوك الشخص هو نيته الذاتية أو الشخصية، ببساطة إذا كان الشخص ينوي إعادة تدوير الزجاجات، فمن المحتمل أن يشارك في هذا السلوك.

ضمن نموذج السلوك المخطط يتم تحديد نوايا الشخص من خلال مكون الموقف الذي يشير إلى موقف الفرد تجاه السلوك سواء كان الشخص يعتقد أن أداء السلوك جيد أم سيء، ومن خلال المعايير الذاتية التي تشير إلى معتقدات الناس حول كيفية رؤية الأشخاص الآخرين المهمين بالنسبة لهم للسلوك ذي الصلة.

يتأثر سلوك الناس أيضًا بما إذا كانوا يشعرون أنهم يستطيعون أداء هذا السلوك، على سبيل المثال إذا أراد الفرد أن يأكل نظامًا غذائيًا صحيًا، فمن غير المرجح أن يؤدي الموقف الإيجابي والمعايير الذاتية الإيجابية إلى تغيير السلوك المرغوب إذا كان الشخص غير قادر على منع نفسه من تناول البطاطا المقلية والشوكولاتة.

نتيجة لذلك تتضمن نظرية السلوك المخطط فكرة أن السلوك الإنساني يتأثر بما إذا كان الناس يعتقدون أنه يمكنهم أداء نفس السلوك الخاص أو ذي الصلة، حيث أنه يتم التقاط هذا من خلال مفهوم التحكم السلوكي المدرك.

نموذج الدافع والفرص:

ليس كل السلوك مخططًا وتداوليًا، حيث أنه غالبًا ما نتصرف بشكل عفوي، دون التفكير بوعي فيما ننوي القيام به، أي عندما يكون سلوكنا عفويًا فقد لا تعكس نظرية السلوك المخطط كيف نقرر التصرف، وللمساعدة في فهم كيفية تأثير المواقف على السلوك العفوي، طور راسل فازيو نموذج الدافع والفرص لعلاقات الموقف والسلوك.

يشير الوضع إلى الدافع والفرص كمحددات السلوك الإنساني، حيث يقترح هذا النموذج أنه إذا كان لدى الناس الدافع وأتيحت لهم الفرصة، فيمكنهم بناء سلوكهم على دراسة مخططة ومتداولة للمعلومات المتاحة.


شارك المقالة: