مفهوم الإرضاء في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الإرضاء في علم النفس:

يشير مفهوم الإرضاء في علم النفس إلى اتخاذ قرار بهدف إرضاء أو تلبية بعض المتطلبات الدنيا المقبولة أي بدلاً من اختيار الخيار الأفضل، حيث لا يقوم صانعو القرار الذين يتبنون استراتيجية مرضية بتقييم جميع البدائل المتاحة أمامهم، حيث أنه بدلاً من ذلك يقبلون الخيار الأول أو الجيد بما فيه الكفاية الذي يواجهونه مباشرة.

يُعتقد أن مفهوم الإرضاء في علم النفس هو استراتيجية مفيدة لعملية اتخاذ وصنع القرار؛ نظرًا لأن الناس يعيشون بقدرة محدودة على معالجة المعلومات في عالم من الخيارات المعقدة والصعبة، حيث يُعتقد أن تكلفة إنفاق الموارد المطلوبة لتقييم كل خيار متاح أكبر من القيمة الإضافية التي سيتم اكتسابها من خلال اختيار الخيار والقرار الأفضل بدلاً من الخيار الجيد الكافي.

خلفية وتاريخ مفهوم الإرضاء في علم النفس:

تاريخياً أثرت نظرية الاختيار العقلاني بشدة في كيفية دراسة الناس وتفكيرهم في اتخاذ القرار، عندما نشر أوسكار مورجان ستيرن وجون فون نيومان نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي في عام 1944، حيث أنهم قدموا عدة عناصر مختلفة لصنع القرار العقلاني في مجال الاقتصاد، وتحدد نظرية المنفعة المتوقعة أن صانعي القرار يمكنهم تعيين قيمة متوقعة لكل مسار عمل بديل، وذلك بعد تعيين الأداة المساعدة المتوقعة لكل خيار، حيث سيتم تحديد البديل ذي القيمة الأعلى المتوقعة.

ومع ذلك على الرغم من أن عمل فون نيومان ومورجان ستيرن قد لعب دورًا رئيسيًا في مجال الاقتصاد، فقد بدأ علماء النفس في إظهار الطرق الرئيسية التي ينحرف بها صانعو القرار الفعليين بشكل منهجي عن نماذج الاختيار العقلاني، حيث أنه في الخمسينيات من القرن الماضي، نشر هربرت سيمون الحائز على جائزة نوبل أي أنه يعتبر عالم اقتصاد وعالم نفس معاً سلسلة من الأوراق التي اقترح فيها أنه من الأفضل تناول دراسة صنع القرار من خلال الاعتراف بأن صانعي القرار الفعلي يجب أن يتعاملوا مع خيارات معقدة بمعلومات محدودة و الموارد المعرفية المحدودة المتاحة لهم.

تتطلب نظرية الاختيار العقلاني أنه يمكن تقييم جميع الخيارات والقرارات المتوقعة بدقة عالية، وهذا ليس هو الحال في العالم الحقيقي، حيث كان هيربرت سيمون أول من صاغ مصطلح مُرضٍ عندما اقترح أن يحافظ صانعو القرار على الموارد عن طريق اختيار الوفاء ببعض المتطلبات الدنيا بدلاً من تعظيم القيمة المتوقعة، وفي السنوات الأخيرة استعار عالم النفس باري شوارتز مصطلح سيمون واكتشف أن الأفراد يختلفون في الدرجة التي يميلون بها إلى اتخاذ القرارات بهدف الإرضاء.

الفروق الفردية في مفهوم الإرضاء في علم النفس:

تم تقسيم العالم إلى مُرضِيين مقابل مُعظمين وذلك عندما تم تحديد الفروق الفردية الموجودة في ميول الناس لمقاربة القرارات بهدف الإرضاء مقابل التعظيم، حيث قام علم النفس بقياس هذه الاختلافات من خلال مقياس تعظيم تم تطويره وإدارته لعدة آلاف من المشاركين، وفيما يلي بعض الأمثلة على العناصر الموجودة على مقياس التعظيم النفسي:

1- اختيار وانتقاء مقاطع الفيديو أمر صعب حقًا، ونحن نكافح دائمًا لاختيار الأفضل منها.

2- عندما يكون شخص ما في السيارة ويستمع إلى الراديو، غالبًا ما يقوم بالتحقق من المحطات الأخرى لمعرفة ما إذا كان هناك شيء أفضل يتم تشغيله، حتى لو كان مستمتع أو راضيًا نسبيًا عما أستمع إليه.

3- عندما يواجه شخص ما خيارًا فهو يحاول أن يتخيل ما هي كل الاحتمالات الأخرى، حتى تلك غير الموجودة في الوقت الحالي.

صنف المشاركين في هذا المقياس كل عبارة على مقياس محدد من واحد إلى سبعة، حيث يتراوح من غير موافق تمامًا إلى موافق تمامًا، لم يحدد هذا المقياس حدًا صارمًا يحدد القيم القصوى مقابل المُرضيات، لكنه يدعو عمومًا الأشخاص إلى الحد الأقصى إذا كان متوسط ​​درجاتهم أعلى من أربعة لجميع العناصر، حيث أنه عادة ما يكون متوسط ​​درجات الرضا أقل من أربعة كان توزيع الدرجات للمشاركين متماثلًا نسبيًا حول نقطة منتصف المقياس.

بالتالي حصل حوالي الثلث على متوسط ​​درجات يزيد عن 4.75 وسجل الثلث أقل من 3.25، وسجل الثلث الأخير أقرب إلى الوسط أي في مكان ما بين 3.25 و 4.75، بالإضافة إلى ذلك كان لدى واحد من كل عشرة مشاركين متوسط ​​درجات أكثر من 5.5 أي أقصى درجات الحد الأقصى، وبالمثل كان لدى حوالي واحد من كل عشرة مشاركين متوسط ​​درجات أقل من 2.5 أي مُرضيات للغاية.

أهمية وتداعيات مفهوم الإرضاء في علم النفس:

قام علم النفس أيضًا بالتحقيق في الآثار المترتبة على الإرضاء مقابل تعظيم تجارب صانعي القرار أثناء الاختيار وبعده، والأشخاص الأكثر استعدادًا للرضا يكملون بحثًا أقل شمولاً عن جميع الخيارات المتاحة، ويتخذون القرارات بشكل أسرع ويقل احتمال مشاركتهم في المقارنة الاجتماعية أثناء الاختيار.

بعد القرار من المرجح أيضًا أن يقوم القائمين على مفهوم الإرضاء بتقييم نتائج القرار بشكل أكثر إيجابية، على الرغم من بذل جهد أقل على ما يبدو في عملية اتخاذ القرار، على سبيل المثال بعد اتخاذ قرار للمستهلك، من غير المرجح أن يفكر المستفيدين في المنتجات المحددة التي لم يختاروها وينخرطوا في تفكير ماذا لو.

في مفهوم الإرضاء يكونون أكثر سعادة باختياراتهم ولا يشعرون بالندم مثل المعظمين، أي أنهم هم أقل عرضة للتفكير والتحسيب بشكل معاكس، فضلا عن ذلك الأمر تتأثر شركات الإرضاء بدرجة أقل من زيادة عدد البدائل المتاحة، وذلك بالنسبة إلى المعظم، يمكن أن تؤدي المزيد من الخيارات إلى إثارة القلق لأنها تجعل هدف تحديد أفضل خيار أكثر صعوبة في تحقيقه.

كما تم ربط مفهوم الإرضاء بالعديد من النتائج النفسية الإيجابية، قام باري شوارتز بإدارة مقاييس الرفاهية العامة للمواضيع ووجد أن الأشخاص المرضيين أقل عرضة لأن يكونوا مثاليين وأقل عرضة للمعاناة من الاكتئاب، أي أنهم أكثر سعادة وتفاؤلًا ورضًا عن الحياة ولديهم تقدير أعلى لذاتهم، حيث يميل الأشخاص الأقل احتمالًا لاستخدام استراتيجيات مرضية أي أقصى درجات الحد الأقصى إلى إظهار أعراض الاكتئاب الموجودة في النطاق السريري الحدودي.

ومن المفارقات أن السعي وراء الأفضل واعتماد نهج يعكس بشكل وثيق استراتيجيات الاختيار العقلاني يمكن أن يكون له عواقب سلبية، حيث يبدو أن الناس بحاجة إلى بعض الخيارات للحفاظ على السعادة، ويمكن أن تؤدي الزيادة الأولية في الاختيار إلى زيادة السعادة، ومع ذلك تشير الدلائل إلى أن وجود الكثير من الخيارات يمكن أن يقلل من السعادة، خاصة إذا كان الشخص لا يتبنى نهجًا مرضيًا، وفي عالم معقد مع خيارات غير محدودة، قد يكون مفهوم الإرضاء هو النهج الأكثر عقلانية لاتخاذ القرارات.


شارك المقالة: