مفهوم الاضطراب المعرفي في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يعبر الاضطراب المعرفي عن تعقيد وصعوبة يواجهها الفرد في التفكير في العديد من الأمور والمواقف في الوقت نفسه، حيث يشير بأن الفرد يقوم بالتبديل والتغيير المستمر ليكون في المكان المناسب مع اتخاذ القرارات المناسبة، ويمكن أن يقوم الفرد بالاختيار المعاكس لما يرغب به للعديد من الضغوطات مما يجعل من الاضطراب المعرفي حاصل.

مفهوم الاضطراب المعرفي في علم النفس

تم تعريف الاضطراب المعرفي من قبل علماء النفس على أنه حالة الاستثارة البغيضة التي تحدث عندما يكون لدى الشخص اثنين أو أكثر من الإدراك غير المتسقين مع بعضهما البعض، حيث كان مفهوم الاضطراب المعرفي مثيرًا للجدل بشكل كبير، لكن دعمه خلال خمسة عقود من البحث النفسي جعله أحد أكثر المفاهيم المقبولة على نطاق واسع في علم النفس الاجتماعي.

يمكن لمفهوم الاضطراب المعرفي أن يشرح مجموعة متنوعة من الأحداث العادية وغير العادية في حياتنا الاجتماعية، ففي الواقع لكي يكون للمفهوم مدة صلاحية طويلة وفعالة مثل التنافر المعرفي، يجب إما أن يساعدنا في رؤية عالمنا الاجتماعي بشكل مختلف أو يساعدنا على فهم سبب حدوث ظواهر معينة أو السماح لنا بجعل مثيرًا للاهتمام و تنبؤات غير واضحة عن الطبيعة البشرية.

يعتقد أن مفهوم الإدراك في الاضطراب المعرفي هو أي جزء من المعرفة لدينا، حيث يمكن أن يكون لدينا معرفة حول معتقداتنا أو سلوكنا أو مشاعرنا أو عن حالة البيئة، وقد يكون لدينا العشرات من الإدراكات التي ندركها على الأقل بشكل خافت في أي لحظة من الوقت والتي لا حصر لها والتي يمكننا أن ندركها، بمجرد أن يتم تحريك انتباهنا أو ذاكرتنا، بالتالي فإن معظم الإدراك الذي لدينا لا يرتبط ببعضنا البعض بأي طريقة واضحة.

على سبيل المثال معرفة الفرد أنه جائع ومعرفة أن الأرض تدور حول الشمس هما إدراكان، لكن الجوع لا علاقة له بمسار الكواكب، ومع ذلك ترتبط بعض الإدراك ارتباطًا مباشرًا، مثل معرفة الجوع مرتبطة إلى حد كبير بسلوك الفرد في المطعم المحلي الذي يجلس فيه.

يدور مفهوم الاضطراب المعرفي حول عواقب التناقض نحن نفضل التناسق على التناقض ونعمل بجد للحفاظ على أو استعادة التناسق بين الإدراك لدينا، ومن نواحٍ عديدة فإن الحاجة إلى استعادة الاتساق تشبه المفهوم المألوف للعقلنة، في الواقع فإن العقلنة هي إحدى طرق التعامل مع المعضلة التي تطرحها الإدراك غير المتسق.

بشكل رسمي تحدث حالة الاضطراب المعرفي عندما يمتلك الشخص إدراكًا واحدًا يتبع من وجه إدراك آخر، على سبيل المثال فإن عدم طلب الطعام في المطعم سيتبع من الوجه أو العكس من الجوع، إذا كان الفرد لا يشعر بالجوع فلن يُتوقع منه طلب الطعام، لكن إذا كان جائع وبالتالي فإن قرار الامتناع عن الأكل سيأتي من وجه معرفته أنه جائع أي تم استيفاء شرط الاضطراب المعرفي.

بالتالي يعتبر مفهوم الاضطراب المعرفي هو عبارة عن عاطفة غير سارة مثل الشعور بعدم الراحة أو الانزعاج أو التوتر، بالإضافة إلى ذلك فإن الاضطراب المعرفي هو أمر تحفيزي، فعندما نشعر بالاضطراب المعرفي، يكون لدينا الدافع لتقليله، تمامًا مثل الطريقة التي نتحفز بها لتقليل الدوافع الجسدية مثل الجوع والعطش، وكلما زاد الاضطراب المعرفي الذي نشهده، زاد تحفيزنا لإيجاد طريقة لتقليله.

يمكن أن تؤدي هذه الحاجة إلى أنواع من السلوكيات المنطقية، مثل تلك التي نواجهها في سيناريو المطعم، عدم طلب الطعام عند الجوع يخلق حالة من الاضطراب المعرفي، والتبرير من خلال إقناع أنفسنا بأننا لم نكن جائعين على الإطلاق، يقلل من التناقض وبالتالي يقلل من حالة الاضطراب المعرفي غير السار.

تنبؤات ونتائج بحوث الاضطراب المعرفي في علم النفس

المناسبات التي تجعلنا نشعر بالاضطراب المعرفي موجودة في كل مكان، فعندما نختار ونقع بين العديد من الاختيارات وعلينا اتخاذ القرار المناسب هناك احتمال كبير لحدوث الاضطراب المعرفي، فعند شراء سيارة يعتبر اختيار صعب مع العديد من البدائل للاختيار من بينها، مما يجعل الفرد يقوم بتضييق المجال إلى خيارين مفضلين بشكل أكبر بالنسبة له ولنوعيتهم مع النظر في إيجابيات وسلبيات كل منهما، مع أخذ العديد من الأفكار بعين الاعتبار وهنا تعتبر هذه الأفكار من الاضطرابات المعرفية.

تم تأكيد التنبؤات في سيناريو شراء السيارات في أول بحث معمل تم الإبلاغ عنه حول الاضطراب المعرفي في دراسة عام 1956 طلب جاك دبليو بريم من المستهلكين تقييم مجموعة متنوعة من الأدوات المنزلية مثل الخلاطات والمحمصات، وأخبر المستهلكين أنهم سيكونون قادرين على أخذ واحد من عنصرين من قائمة المنتجات الأطول، لخلق درجة عالية من الاضطراب المعرفي على غرار مثال السيارات، طلب بريم من المشاركين الاختيار بين منتجين جذابين للغاية وثيقي الصلة، وتوقع أنه تمامًا مثل مثال السيارات الافتراضي، سيقيم المستهلكين المنتج المختار أعلى بكثير مما صنفوه سابقًا، وأنهم سيخفّضون المنتج الذي لم يختاروه.

تغيير المواقف في مفهوم الاضطراب المعرفي في علم النفس

يوجد العديد من المواقف التي يمكن لكل فرد أن يغير من قراراته لتتوافق معها بشكل يخدم المصلحة والأهداف المرسومة له من قبل، حيث يمكن أن يقوم الفرد بتغيير موقفه عندما يرغب بتحقيق هدف معين، مثل أن يطلب الباحث من شخص معين كتابة مقال يجادل فيه بأن معدلات الرسوم الدراسية في الكليات العامة والخاصة يجب أن تزيد، ويخبره الباحث أن عميد كليته يحاول فهم الحجج المؤيدة والمعارضة لزيادة الرسوم الدراسية، وقد طُلب منه الكتابة لصالحه.

هنا يعتقد الفرد لنفسه أن هذا سيكون صعبًا لأنه لا يريد أن يرى زيادة في الرسوم الدراسية، فيخبره الباحث أنه يمكنه أن يقرر ما إذا كان سيكتب المقال أم لا، هنا الفرد يفكر في الأمر ثم يوافق لأن لديه معضلة الاضطراب المعرفي وهو كتابة مقال لصالح زيادة الرسوم الدراسية الذي يتعارض مع موقفه السلبي من الرسوم الدراسية بالأساس، ولكنه وافق على كتابته مما يجب أن يثير هذا السيناريو الاضطراب المعرفي.

ما الذي يستطيع الفرد القيام به هنا؟ من بين البدائل المتاحة له أن يقرر أنه ليس ضد زيادة الرسوم الدراسية بعد كل شيء، إذا كان يعتقد حقًا أنه لا بأس في رفع معدلات التعليم، فلن يكون هناك أي اضطراب معرفي ناتج عن كتابته للمقال.

الاضطراب المعرفي والحياة الاجتماعية في علم النفس

الاضطراب المعرفي منتشر في كل مكان حيث أننا نحب أن نفكر في أنفسنا كبشر متسقين نفسياً، وأن نتصرف بطرق تتفق مع مواقفنا وأن مواقفنا عادة ما تكون متسقة مع بعضها البعض، ونحب أن نعتقد أننا نقوم باختيارات جيدة ونتصرف وفقًا لمصالحنا الخاصة، ومع ذلك غالبًا ما تلقي بنا الحياة منحنيات تؤدي إلى عدم الاتساق، وغالبًا ما تقودنا الخيارات التي نتخذها إلى معضلات نحتاج فيها إلى التخلي عن بعض جوانب البديل المرفوض الذي نرغب حقًا في قبوله أو قبول جوانب من البديل الذي اخترناه والذي لا نفضل قبوله.


شارك المقالة: