اقرأ في هذا المقال
مفهوم دافع العدالة في علم النفس:
مفهوم دافع العدالة في علم النفس هو فكرة أن الناس لديهم دافع أساسي للعدالة، أي أن الناس بحاجة إلى الاعتقاد بأن الناس يحصلون على ما يستحقونه، ومنها تؤكد الأبحاث حول دافع العدالة على أهمية العدالة للناس كهدف في حد ذاته، حيث تكمن أصوله في فهم أساسي يطوره الناس في وقت مبكر من حياتهم حول نوع العالم الذي يجب أن يكونوا قادرين على افتراضه إذا كانوا يريدون الحصول على ما يستحقونه.
تم استخلاص الدليل على حاجة الناس للعدالة من الأبحاث النفسية التي تبحث في حلقة ردود أفعال الناس تجاه الظلم، وهناك أيضًا سبب للاعتقاد أنه في بعض الأحيان عندما يكون الناس مهتمين بالعدالة، فإنها تكون نتيجة حاجة أو قلق آخر لديهم، وفي هذه الحالة ينبع دافع العدالة من الدوافع الإنسانية أخرى.
مكان مفيد لبدء مناقشة حول دوافع العدالة هو مفهوم العدالة نفسه، حيث يتعامل باحثو علم النفس مع موضوع العدالة بشكل مختلف عن المحامين والفلاسفة القانونيين، وغالبًا ما يختلف عن كيفية ظهوره في حياة الناس اليومية، حيث ترتبط العدالة عمومًا بالقانون والشرطة والمحاكم.
بالنسبة لعلماء النفس تتعلق العدالة بأفكار ومشاعر الناس حول العلاقة بين قيمة الناس ونتائجهم، حيث يعتمد البحث النفسي حول العدالة على ملاحظة أن الناس بارعين في تقييم الآخرين من ناحية وتقييم تجاربهم على سبيل المثال الفوز في اليانصيب أو المرض والموارد مثل الثروة والممتلكات المادية على آخر.
يمكن للناس أن يقرروا بسرعة ما إذا كان الشخص الذي يقابلونه لأول مرة شخصًا جيدًا أم سيئًا، ففي الواقع إنه أحد الأشياء الأولى التي يريد الناس معرفتها، بالطبع يتمتع كل شخص أيضًا بإحساس تقييمي عن نفسه كشخص جيد أو غير جيد، يشار إليه في علم النفس باسم احترام الذات، والناس أيضا جيدون في تقييم النتائج.
أصول مفهوم دافع العدالة في علم النفس:
وفقًا لملفن ليرنر ينشأ دافع العدالة من الإدراك الذي يطوره الناس في مرحلة الطفولة أنه للحصول على الأشياء التي يريدونها في الحياة، أي أن عليهم الانخراط في أنشطة في الوقت الحاضر يفترضون أنها ستؤدي إلى مكاسب في المستقبل، بمعنى آخر يفهم الناس تأخير الإشباع، وتتطلب العديد من المكافآت التي يقدرونها أكثر، مثل الحصول على وظيفة مجزية، والعمل نحو هدف مستقبلي، حيث أنه بعبارات العدالة يفترض الناس أنه بصفتهم أشخاصًا صالحين يعملون من أجل الحصول على مكافأة مستقبلية فإن المكافأة ستأتي في الواقع عندما تصل النقطة المستقبلية؛ لأنهم في هذه المرحلة يستحقونها.
الافتراض الذي يقوم عليه هذا المنطق هو أساس دافع العدالة في علم النفس، لكي يعتقد الناس أنهم سيحصلون على المكافآت التي يستحقونها في المستقبل يجب عليهم أيضًا أن يؤمنوا بأنهم يعيشون في عالم يحصل فيه الناس في الواقع على ما يستحقونه، ففي الواقع للحفاظ على جهود الناس لتحقيق أهدافهم في المستقبل، يجب أن يؤمنوا بمثل هذا العالم لأنهم إذا لم يتمكنوا من افتراض أن الناس يحصلون على ما يستحقونه.
ما الهدف من العمل نحو الأهداف المستقبلية؟ وفقًا لذلك يجادل ليرنر أنه عندما يصل الناس إلى مرحلة الطفولة حوالي 4 سنوات عندما يفهمون تأخير الإشباع، فإنهم يبرمون عقدًا شخصيًا مع العالم، وينص هذا العقد على أنه لكي يتمكنوا من الإيمان بأنهم سيحصلون على ما يستحقونه، ويجب عليهم في نفس الوقت أن يؤمنوا بأن العالم مكان عادل، وهذا أيضًا ما يجعل مصير الآخرين مهمًا، بحيث يعتبر إحساس المرء بالعالم كمكان عادل لا يعتمد فقط على تجربة الفرد الخاصة، ولكن أيضًا على تجارب الآخرين وإذا عانى الآخرون من الظلم، فهذا يهدد حاجة المرء إلى الإيمان بعالم عادل.
دليل دافع العدالة في علم النفس:
يأتي الدليل الأكثر إقناعًا على دافع العدالة في علم النفس من البحث النفسي الذي يدرس ردود أفعال الناس تجاه الظلم، حيث أن المنطق يقول إذا كان الناس بحاجة إلى العدالة، فيجب أن يكون لديهم الدافع الجوهري في مواجهة الظلم للرد بطرق تتفق مع تحقيق العدالة، حيث تتمثل إحدى استراتيجيات البحث الشائعة في تعريض الناس لسيناريوهات تتضمن معاناة ضحية بريئة.
يمكن القيام بذلك عن طريق جعل المشاركين في البحث يقرأون قصة أو يشاهدون مقطع فيديو حيث يتعلمون عن شيء سيء يحدث لشخص جيد دون أي خطأ من هذا الشخص، وتخلق مثل هذه التجارب محنة مؤقتة نتيجة للظلم المرتبط بمعاناة الضحية، بنفس الطريقة التي يشعر بها المرء بالظلم والانزعاج عندما يتعلم المرء عن معاناة الأبرياء في الأخبار.
إذا كان لدى الناس الدافع لتحقيق هدف العدالة في حياتهم، فعليهم الاستجابة في مثل هذه المواقف بطرق تتفق مع تحقيق هذا الهدف، حيث يشير البحث النفسي إلى أن هذا هو الحال في الواقع، ولكن هناك بعض الطرق المختلفة بشكل مثير للفضول التي يقوم بها الناس بهذا الأمر، وبعضها له عواقب غير مرغوب فيها.
إن أبسط شيء يمكن أن يفعله الناس هو الانخراط في سلوك إنساني يستعيد العدالة، على سبيل المثال قد يحاولون تعويض ضحية بريئة أو تحقيق العدالة في معاقبة الشخص المسؤول عن الظلم، ويمكن أن تكون ردود الفعل السلوكية هذه فعالة جدًا في مساعدة الناس على الحفاظ على معتقداتهم في العالم العادل، ومن المحتمل أن تكون العديد من الأفعال الإيثارية التي يلاحظها المرء في الحياة مبنية على الرغبة في العدالة.
ومع ذلك لا يستطيع الناس دائمًا معالجة الظلم من خلال أفعالهم، لأي عدد من الأسباب التي تتمثل في حجم الظلم كبير جدًا أو بعيد جدًا، وليس لديهم الوسائل لمعالجة الظلم، أو قد يفترضون ستكون الجهود غير فعالة، هل هذا يعني أنهم يتخلون عن حاجتهم إلى الإيمان بعالم عادل عندما لا يستطيعون إصلاح الظلم بأنفسهم؟ الجواب من البحث النفسي هو لا.
بدلاً من الفعل يقوم الناس بإجراء تعديلات نفسية على طريقة تفكيرهم في الأحداث التي تسمح لهم بالحفاظ على الاعتقاد، واحدة من الطرق المثيرة للفضول ولكن المزعجة لفعل ذلك هي إلقاء اللوم على الضحية، من خلال النظر الانتقائي في الحقائق يمكن للناس أن يقنعوا أنفسهم بأن الضحية أو الضحايا مسؤولون بطريقة ما عن معاناتهم وبالتالي يستحقون مصيرهم.
إذا كان بإمكان المرء إقناع نفسه بأن الآخرين يستحقون معاناتهم، فعندئذٍ يزيل المرء أي تهديد لقدرته على الاعتقاد بأن العالم مكان عادل، لسوء الحظ يعتبر لوم الضحية ظاهرة شائعة، حيث تساعد أبحاث دوافع العدالة الباحثين على فهم سبب ذلك، بالنظر إلى أهمية حاجة الناس إلى الإيمان بعالم عادل.
هناك تعديلات نفسية أخرى يمكن أن يقوم بها الناس في خدمة دافع العدالة، ولكن النقطة المهمة هي أن هناك أدلة كثيرة على أن الناس لديهم الدافع لمعالجة الظلم إما سلوكياً أو نفسياً، وتوفر الموثوقية التي يفعلون بها ذلك دليلاً مقنعاً على دافع العدالة.