ما هو التوزيع الجغرافي للإشعاع الشمسي؟
إن جملة ما تكتسبه الأرض وجوها من الطاقة الإشعاعية في العام لا بد أن يتعادل مع ما يرتد منها إلى الفضاء، كما أن هذا التعادل يجعل للأرض ميزانية حرارية ثابتة من عام لآخر، لكن ليس معنى هذا التوازن أن تكون كل أجزاء سطح الأرض أو كل أيام العام متعادلة في خسارتها أو ما تكسبه من الإشعاع الشمسي؛ ذلك لأن توزيع هذا الإشعاع يختلف من مكان إلى آخر ومن فصل إلى آخر بسبب تأثره بعدد من العوامل وأهمها ما يلي:
- اختلاف الألبيدو من وقت إلى آخر ومن مكان إلى آخر.
- اختلاف البعد بين كل من الأرض والشمس في فصل الصيف عنه في فصل الشتاء.
- اختلاف طول الليل والنهار في العروض المختلفة وفي الفصول المختلفة.
- اختلاف في الزاوية التي تسقط عليها أشعة الشمس على سطح الأرض.
حيث أن الألبيدو يختلف من مكان إلى آخر ومن فصل إلى آخر، ذلك بسبب كمية السحب الموجودة ودرجة صفاء الجو وأن تكون الأرض بعيدة عن الشمس في أول شهر يوليو تقريباً 4.8 مليون كيلومتر عنها في أول شهر ديسمبر، أمَّا العاملين الثالث والرابع من الواضح أن كليهما مرتبط بالموقع بالنسبة لدوائر العرض ارتباطاً مباشراً، ففي فصل الصيف يتزايد طول النهارعلى حساب طول الليل كلما ذهبنا باتجاه القطب حتى يصل طوله في يوم الانقلاب الصيفي (21 يونيو) إلى 24 ساعة عند الدائرة القطبية و6 أشهر عند القطب، حيث ينعكس هذا في فصل الشتاء.
كما أن الزاوية التي تسقط بها أشعة الشمس على الأرض فإن هذه الزاوية من الممكن أن تصبح قائمة عند دائرة الاستواء في معظم شهور العام، خصوصاً في فصلي الاعتدالين، ثم تصغر كلما اتجهنا نحو القطبين حيث يزداد ميل الأشعة وخاصة في فصل الشتاء، كما أن زاوية سقوط الأشعة تتغير كذلك خلال اليوم الواحد، حيث تبلغ أدناه عند شروق الشمس ومن ثم تزداد تدريجياً حتى تصل إلى أكبرها في وقت الزوال، ثم تتناقص مرة ثانية حتى تصل إلى أدناها عند الغروب.
فمن المعروف أن قوة الأشعة تتناسب بشكل طردي مع زاوية سقوطها، فهي تبلغ أقصى قوتها إذا كانت زاوية سقوطها 90 درجة، حيث يتم وصف الأشعة في هذه الحالة بأنها عمودية، فإذا نقصت هذه الزاوية فإن الأشعة تكون بشكل مائل، فكلما نقصت زاوية سقوطها ازداد ميلها وضعفت قوتها؛ لأنها في هذه الحالة تقطع مسافة أطول عند اختراقها للغلاف الجوي، كما تتوزع في نفس الوقت على مساحة أكبر من سطح الأرض.
كما أنه في ضوء هذه الحقائق فإن المعدل السنوي للإشعاع الشمسي يبلغ أعلى قوته عند خط الاستواء، حيث يتناقص باتجاه القطبين، كما يتم تقدير الإشعاع الشمسي الواصل إلى الأرض يكون عند خط الاستواء أربعة أمثاله عند أي من القطبين، على العموم فإن كمية الإشعاع الشمسي التي تصل الأرض تكون كبيرة طول العام فيما بين المدارين، كما يكون تغيرها محدوداً من فصل إلى آخر.
ولكن نظراً لأن الشمس تكون عامودية على العروض الواقعة بينهما مرتين أثناء تحركها شمالاً وجنوباً، فإن الإشعاع الشمسي عليها تكون له قمتان متفقتان تقريباً مع مرتي تعامد الشمس، أمَّا في المناطق التي تقع بين أحد المدارين والدائرة القطبية فإن الإشعاع الشمسي يبلغ قيمته في وقت الانقلاب الصيفي ويبلغ حده الأقل في وقت الانقلاب الشتوي.
فإذا ما تجاورنا الدائرة القطبية باتجاه القطب وجد أن نهار الصيف يزداد طوله من 24 ساعة عند الدائرة القطبية نفسها في يوم الانقلاب الصيفي إلى 6 أشهر عند القطب، كما تنعكس الآية في فصل الشتاء فإن الشمس لا تظهر لمدة 24 ساعة في يوم الانقلاب الشتوي، حيث تتزايد مدة اختفائها حتى تصل إلى 6 أشهر عند القطب، فنتيجة لهذا يكون هناك فائض في الأشعة الشمسية في فصل الصيف ونقص شديد في فصل الشتاء.
كما أن تقدير الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى الأرض في العروض المختلفة لا يكفي وحده من أجل تقدير صافي الإشعاع الذي يكتسب في هذه العروض بل يجب أن يخصم منه الإشعاع المرتد إلى الفضاء، حيث أن الفرق بينما هو الذي يحدد العجز أو الوفر في الميزانية الحرارية للأرض، كما أن التوزيع الفصلي للإشعاع الشمسي الذي يصل إلى سطح الأرض لا يتماشى بشكل تام مع دوائر العرض، حيث يتدخل فيه توزيعه عوامل أخرى ومنها صفاء الجو وكمية السحب وغيرها.