عناية الأمة الإسلامية بالمصحف الشريف

اقرأ في هذا المقال


للأمة الإسلامية ماضٍ طويل في عنايتهم بالمصحف الشريف، منذ زمن الرسول محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ومن ثم زمن الصحابة وبعدهم التابعين ومن تبعهم، فقد اعتنوا بالمصحف الشريف، لما له من قدسية ومكانة عظيمة لدى المسلمين في جميع أنحاء الأرض، إن كانوا عرباً أو غير عرب، فالمصحف الشريف كتابٌ عظيم له مكانة عظيمة لدى المسلمين فيتوجب على المسلمين الحفاظ عليه لما له من قدسية كبيرة لديهم.

عناية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالمصحف الشريف

كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على حفظ القرآن الكريم بلسانه قبل تلقينه للناس، فكان عندما يقرأ جبريل عليه السلام القرآن الكريم يسارع في قراءته وإعادته على لسانه الشريف، لكي لا ينساه ويكرره على مسامع الصحابة رضوان الله عليهم لكي يحفظوه، وأمرهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بترك حفظ كل شيء والانشغال بحفظ القرآن الكريم، بترتيب نزوله من الوحي جبريل عليه السلام.

“عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج”، أي أنه صَّلى الله عليه وسلم أمرهم أن يحفظوا القرآن الكريم ويركزوا على حفظه، وأن لا ينشغلوا بالسنة والحديث عن القرآن الكريم، كي لا يختلط عليهم القرآن الكريم بالسنة النبوية، ولكن نقل السنة مشافهة لا حرج فيه.

وكان صلى الله عليه وسلم يعيد القرآن الكريم على سيدنا جبريل عليه السلام في السنة مرة واحدة، ليتأكد من حفظه صلَّى الله عليه وسلم وأنه لقنه وأعطاه للناس بالشكل الصحيح، ومن شدة حرصه صلَّى الله عليه وسلم فقد أعاد قراءة القرآن الكريم على جبريل عليه السلام في العام الذي توفي فيه مرتين ولم يعده مرة كالعادة.

عناية الأمة الإسلامية بالمصحف الشريف

قدَر المسلمون على مر العصور القرآن الكريم؛ لأنه أهم كتاب يملكونه، وكان لهم طرق كثيرة في تقديره والعناية به، منها عدم وضعه على الأرض، أو وضع أي كتاب دنيوي آخر فوقه، وعدم إعطائه للأطفال، ووضعه في قطعة قماش، منه ما ورد عن الصحابة ومنه ما ورد عن التابعين من بعدهم، وذلك تقديساً له وعناية فيه.

وقد اعتنوا به من باب اهتمامهم به من خلال قراءته وفهمه وتفسير معانيه، والعمل به، وتأليف الكتب والمقالات فيه، وتوسعوا كثيراً في مجالاته العديدة، فألفوا في تفسيره ومحكمه ومتشابهه، وأسباب نزوله، ومكيه ومدنيه، وناسخه ومنسوخه، وغيرها الكثير الكثير، فكان تراثاً نباهي فيه الأمم اللاحقة، فامتلأت المكتبات بهذه المؤلفات ذات الأهمية العالية.

عناية العلماء بالمصحف الشريف

اعتنى العلماء بالمصحف الشريف اعتناءً كبيراً يفوق اعتناء أي مسلم عادي، فقد كانوا أشد حرصاً وخوفاً على الاعتناء به وتقديره، وكانت طرق اعتناءهم بأشكال عديدة منها:

عناية العلماء بتسمية المصحف الشريف

سمي القرآن الكريم بالكتاب، لقوله تعالى: “ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ” (سورة البقرة:2)، وسمي بالصحف، لقوله تعالى: “كلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ(11)فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ(12)فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ(13)” (سورة عبس:11-13)، وقد اختلف العلماء بتسمية القرآن الكريم بالصحف لتسمية ما قبله من الكتب السماوية بالصحف، لكن الصحف هي كل ما كتب فيه من كلام الله عز وجل.

عناية العلماء برسم المصحف الشريف

ارتبط رسم المصحف الشريف بجمعه وبمن يكتبه من الصحابة فكل صحابي كان يكتبه على طريقته كما يسمعه من النبي صلَّى الله عليه وسلم، فتعدد رسم المصحف بتعدد كُتابه من الصحابة والتابعين، ولم يكن توقيفياً من عند الرسول صلَّى الله عليه وسلم؛ لأنه كان أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، بل كان كما يسمعه من الوحي جبريل عليه السلام يلقنه لكُتَّاب الوحي الذين كانوا يتسابقون لكتابته.

والرسم على زمن الصحابة كان مجرداً من النقط والتشكيل، فلم تكن مشكلة عندهم لأنهم حفظوه في صدورهم قبل سطورهم واعتمدوا عليه؛ لأن انعدام النقط والتشكيل يوجد في لفظ الكلمة أكثر من احتمال لقراءتها، فقد طلب منهم عثمان رضي الله عنه أن يكتبوه بلغة قريش؛ لأنه فيها نزل، فقال: “وإذا اختلفتم أنتم وزيد، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه بلسانها نزل”.

وهناك قواعد استنبطها العلماء من رسم الصحابة، فهي:

1- الحذف مثل حذف الألف بعد الياء، مثل: (يأيها).

2- الزيادة مثل زيادة الألف بعد (لا)، مثل: قوله تعالى: “لأَذْبَحَنَّهُ”.

3- الهمز بأشكاله العديدة، مثل: (يؤمنون، بئس، سأل).

4- البدل مثل كتابة الواو بدل الألف مثل: الصلوة” بدا (الصلاة).

وفي الختام فقد اعتنى العلماء المسلمين بالكثير الكثير من أبوابٍ خاصةٍ بالمصحف الشريف وتوسعوا فيها توسعاً كبيراً لاهتمامهم بإفادة الأمة جمعاء من كل صغيرة وكبيرة في تخصص القرآن الكريم، فله مكانة عظيمة وجليلة في قلوب المسلمين منذ نزوله إلى يومنا هذا، فالعمل به شرفٌ عظيم نعتز به، فنحن أمة القرآن الكريم التي نزل عليها بلسانها العربي المبين.

المصدر: العناية بالقرآن الكريم في العهد النبوي الشريف،يوسف بن عبد الله الحاطي،2012صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهودهم في تعليم القرآن الكريم والعناية به،أنس أحمد كرزون،2003المدخل لدراسة القرآن الكريم،محمد بن محمد بن سويلم أبو شهبة،2003كتاب العناية بالقرآن الكريم وعلومه من بداية القرن الرابع الهجري إلى عصرنا الحاضر،نبيل بن محمد آل إسماعيل،2012


شارك المقالة: