برادلي ودراسة النظريات الأخلاقية

اقرأ في هذا المقال


لا بدّ من أنّ إظهار ما يوفر المحتوى الأخلاقي للمداولات العملية والاختيارات حول كيفية التصرف تعد مهمة، ولكن الأهم من ذلك أنّ المرء يريد أن يعرف أنواع الإجراءات أو الأهداف المحددة التي ستسمح له بإدراك نفسه، وهنا يلجأ فرانسيس هربرت برادلي إلى النظريات الأخلاقية التاريخية لتحديد ما إذا كان بإمكانها توفير ما هو مطلوب.

دراسة برادلي للمذهب النفعي الأخلاقي:

يدرس برادلي مذهب المتعة والنظريات الأخلاقية ويجد كلاهما غير مقبول، حيث تفشل نظريات علم الأخلاق لأنّها لا تضع قيودًا على ما يمكن أن يريده الفاعل الأخلاقي وبالتالي لا توجد نهاية محددة ولا يتم حظر أي منها، وعلم الأخلاق أحادي الجانب ومجرد، فقد ركّز على الجانب العالمي للإرادة وتجاهل الآخر وهو عنصر خاص لا يقل أهمية.

فما هو مفقود في الواقع؟ هو أي حساب نفسي مناسب للرغبة يشرح كيف يتم تحفيزنا للقيام بأشياء محددة لاتخاذ خيارات محددة، وعلى النقيض من ذلك ترتكب مذهب المتعة الأخلاقية الخطأ المعاكس بالتركيز على الخاص على حساب الجانب العالمي. المذهب النفعي الكلاسيكي على سبيل المثال يرى حالات ممتعة معينة كهدف للفعل ولكن لا يمكن أن تقدم أيًا منها على أنّها ذات قيمة جوهرية لأنّها مجرد وسيلة لتعظيم المتعة ويمكن استبدالها بأي وسيلة أخرى كانت أكثر أو بنفس القدر من الفعالية.

وعلاوة على ذلك وهذا اعتراض آثاره جميع المثاليين البريطانيين ضد مذهب المتعة نظرًا لأنّ الحالات الممتعة تموت فلا يوجد أي معنى يمكن الاستمتاع بعدد منها معًا كحالات محسوسة بدلاً من مجرد تذكرها، ولذلك لا يمكن أن يكون مجموع الملذات أو الحد الأقصى من الملذات هو الهدف النهائي الذي يجب أن يسعى إليه الفاعلون الأخلاقيون.

هناك سبب آخر يعتقد المثاليون البريطانيون أنّ المتعة لا يمكن أن تكون نهاية العمل الأخلاقي، فقد عبّر هنري سيدجويك بشكل صحيح عن هذا الاعتراض: “لقد قال من قبل السيد جرين أنّ المتعة كشعور في تمييز عن ظروفها التي ليست مشاعر ولا يمكن تصورها، وبالتالي بالطبع لا يمكن اعتباره نهاية للعمل العقلاني“.

يدرس جدل جرين المخاوف بشأن ما يمكن وما لا يمكن أن يكون أهدافًا مقصودة للرغبات، ويدعي سيدجويك أنّ حجة جرين تتداول على استخدام غامض للتصور، وقد لا نكون قادرين على “تكوين فكرة عن الزاوية بدون فكرة الجوانب التي تحتوي عليها” كما يقول سيدجويك، ولكن يمكننا أن نرى أنّ الزاوية أكبر من أو تساوي الأخرى بدون أي مقارنة بين الجوانب المحتوية عليها.

وهذا يخطئ النقطة بحيث لا يتعلق الأمر بضرورة مقارنة الأضلاع من أجل التأكد من حجم الزاوية ولكن بالأحرى أنّ مفهومنا للزاوية يستلزم فكرة وجود مساحة كما كانت بين خطين يلتقيان في نقطة ما ولا يمكننا فكر في مجرد زاوية بمعنى كمية مكانية غير محدودة، وعند تطبيقه على الملذات فإنّ القضية هي ما إذا كانت هناك ملذات عارية كما كانت، وما إذا كان يمكن للمرء أن يعلق أي معنى على فكرة المتعة المنفصلة عن النشاط أو أيًا كانت هذه هي التجربة الممتعة.

دراسة برادلي لمفهومي اللذة والألم:

أشار برادلي إلى نقطة مماثلة في الدراسات الأخلاقية وهي اللذة والألم هي المشاعر التي نشعر بها ولكنها لا تخبرنا بأي شيء، وباختصار ليس لديهم مضمون، أي إنّهم دول منا لكن ليس لديهم شيء لنا، وإذا لم نتمكن من وصف الملذات لأنّها ليس لها معنى أو محتوى في حد ذاتها  فلن نتمكن من التماثل معها وبالتالي لا يمكن أن تكون الأشياء التي تهدف إلى الاختيار العقلاني كما قال جرين.

في الواقع رفض جون ستيوارت ميل هذا الرأي بقبوله أنّ الملذات تظهر اختلافات نوعية، ويدرك برادلي أننا نتحدث كما لو كانوا يفعلون ذلك مستخدمين تعبيرات يبدو أنّها تنطوي على أنّ الملذات والآلام أعطت على الفور صفات محسوسة لكنه يقدم تفسيراً لسبب ذلك.

يبدأ بملاحظة أنّه في حين أنّه من غير المؤكد ما إذا كانت جميع الأحاسيس ملونة بالألم واللذة فمن المؤكد أنّه بدون إحساس لا نشعر بالمتعة أو الألم، وتمامًا كما لا تحدث الأحاسيس أبدًا بمعزل عن بعض السياق النفسي مما قد يُحدث فرقًا مهمًا في الإحساس فلا توجد أيضًا الملذات والآلام بمعزل عن الإحساس.

مفهوم الكم والنوع في الملذات لدى برادلي:

يمضي برادلي في التأكيد على أنّ الآلام والملذات ليس لها صفات خاصة بها حيث إنّها نوعية الأحاسيس أو ترتيبات الأحاسيس التي نضعها في رصيدها، وإنّ أنواع الآلام التي تم حثها في دحض ما سبق والمشاعر التي تطلق النار أو التي تحترق أو تقضم ترجع إلى نوع خاص من الأحاسيس جنبًا إلى جنب مع إيقاع الشدة في الألم.

إذا كان هذا صحيحًا فإنّه يقدم سببًا لماذا قد نخلط بين الكمي والاختلاف النوعي، أي أننا نخطئ في الاختلافات في الشدة الحسية وأنماط الشدة بمرور الوقت والتي ترتبط بها المتعة أو تصاحبها للاختلافات النوعية في الملذات أنفسهم، وبالنظر إلى أنّ السمات الإضافية للتجربة الكلية يمكن أن تُنسب إلى قوى الأحاسيس حيث يبدو أنّ هذه – وليس الآلام والملذات – هي العوامل المسببة.

وإذا كان هذا التفسير صحيحًا فإنّ الآلام والملذات هي ظاهرة ثانوية، وبالنسبة للأغراض الحالية تكمن أهمية هذا في أنّه يدعم حجة المثاليين بأنّ المتعة لا يمكن أن تكون نهاية الفعل العقلاني وترك وحدها النهاية النهائية للفعل الأخلاقي، وكما يفسر ما يسمى بمفارقة مذهب المتعة.


شارك المقالة: