فلسفة ميل في المساواة بين الجنسين

اقرأ في هذا المقال


كان القرن التاسع عشر فترة تقترب من ظهور الديمقراطية، وينعكس ذلك في اهتمامات فلسفتها الاجتماعية، وكتابات ميل في هذا المجال ليست استثناء، وإنّ انخراطه في مسألة كيفية تنظيم المجتمع ومؤسساته يسترشد بالطبع بالتزام مجرد بالسعادة العامة كمقياس لنجاح كل الممارسات البشرية، ولكنه أيضًا يهتم بعمق بالإمكانيات والمخاطر الملموسة في العصر الديمقراطي الناشئ حديثًا وكيفية ارتباطها بهذا الهدف الشامل.

مفهوم المساواة لدى فلسفة ميل:

بتأثير من توكفيل (Tocqueville) رأى ميل أنّ الاتجاه العظيم في فترته هو تراجعه عن الأعراف الأرستقراطية ونمو المساواة، ووصف ميل الإنجليزي المميز الاتجاه والميل الذي لا يقاوم للمساواة في الظروف في أوروبا الحديثة، والذي وصف انتشار المساواة بأنّه مظهر من مظاهر نمو الطبقة الوسطى، على الرغم من أنّ أوروبا الحديثة لم تقض على الفروق الطبقية في الفترات السابقة، ومن وجهة نظر ميل فإنّ هذه الاختلافات أصبحت أقل تأثيرًا على الأعراف الاجتماعية.

وكان يعتقد أنّ الثروة والتعليم والمكانة وبالتالي السلطة كانت تتراكم مع الطبقة الوسطى المهيمنة اجتماعيًا وسياسيًا، والتي فرضت سماتها التجارية ومصالحها المشتركة المساواة كقاعدة ناشئة، ويعتقد ميل أنّ هذا الاتجاه يمثل فرصة لتحسين المجتمع، وبهذا المعنى فهو يمثل وريث بنثام وجيمس ميل في محاولة لدفع أجندة التحديث إلى الأمام، ولكن مثل العديد من معاصريه في القرن التاسع عشر على وجه الخصوص والنقاد الاجتماعيين المحافظين مثل كوليردج وكارلايل يرى أيضًا أنّ النظام الناشئ حديثًا يحمل في طياته مخاطر ناشئة حديثًا، ولذلك كان هدفه هو التخفيف من الآثار السلبية لارتفاع المساواة مع الاستفادة من الفرصة التي يتيحها للإصلاح.

فلسفة ميل في الدفاع عن حقوق المرأة:

وكانت الحاجة الأكثر إلحاحًا للإصلاح في هذه الحالة حسب اعتقاد ميل هي إزالة هياكل التمييز والقمع ضد المرأة، حيث رأى ميل على أساس علم النفس النقابي أنّ الشخصية البشرية هي نتاج التنشئة بالكامل، وعلى هذا النحو كان يشك في الادعاء السائد في ذلك الوقت بأنّ المرأة لها طبيعة مختلفة عن الرجل، وبالتالي فإنّ الجنسين مناسبين بشكل طبيعي لأدوار مختلفة داخل الأسرة والمجتمع على نطاق أوسع.

كما أنّه لا يمكن للمرء أن يعلن بأمان أنّه إذا تُركت طبيعة المرأة لتختار اتجاهها بحرية مثل الرجل، وإذا لم تتم محاولة إعطاء اتجاه مصطنع لها باستثناء ما تتطلبه ظروف المجتمع البشري، ومنح لكلا الجنسين على حد سواء سيكون هناك أي اختلاف مادي أو ربما أي اختلاف على الإطلاق في الشخصية والقدرات التي ستكشف عن نفسها.

وإلى الحد الذي يظهر فيه الجنسان بشكل عام سمات شخصية مختلفة، فإنّ هذه السمات هي نتاج التنشئة على القوالب النمطية، ووليس هناك مبرر لمثل هذه القوالب والصور النمطية، وكذلك بالنسبة للاختلافات التي يُزعم أنّها موجودة بشكل طبيعي بين الأعراق، ولتبرير سلطة مجموعة من الأفراد على أخرى، ومع نمو المساواة الذي جاء مع الطبقة الوسطى المهيمنة كما قال ميل برزت أشكال القمع هذه بشكل أكثر وضوحًا، وبالتالي فقد حان الوقت لتفكيك مثل هذه الممارسات التمييزية.

فلسفة ميل في التمييز السياسي بين الجنسين:

كانت هذه الممارسات بحسب ميل مرفوضة على أساس ومبدأ المصلحة الاجتماعية، ولكن لأنّها كانت ضارة بالمنفعة العامة أضر رفض التصويت المحرومين من حق التصويت لسببين:

  1. أولاً بسبب مصالحهم: المصالح التي قد تتباعد في نواحٍ كبيرة عن المجموعات الأخرى، ولم يتم تمثيلها في البرلمان وبالتالي كانت عرضة للإحباط.
  2. ثانيًا حرمان الأفراد من المشاركة السياسية: يعني حرمانهم من الوصول إلى جانب مهم من الحياة الطيبة والسعيدة.

يميل الحق المتساوي في أن يُسمع صوته وأن يكون له نصيب في التأثير على شؤون البلد، وأن يتم استشارته والتحدث إليه، وفي الحصول على اتفاقيات واعتبارات تتعلق بالسياسة موجهة إلى الفرد، وإلى رفع مستوى احترام الذات وتثقيفه من الرجل، فقد كان إعطاء الناس اهتمامًا بالسياسة وإدارة شؤونهم هو المزارع الأكبر للبشرية، وكما كان هذا أحد الأسباب التي جعلته يريد للمرأة أن تحصل على أصوات، حيث كُن بحاجة إلى الزراعة مثل الرجال.

ولهذه الأسباب حارب ميل ضد التمييز السياسي طوال حياته كفيلسوف وعضو في البرلمان، وفي سياق مناقشة المساواة يجب أن نلاحظ أنّ ميل كان ينتقد الأشكال الاجتماعية للتمييز مثلما ينتقد حرمان النساء من التصويت، ورأى أنّ العوائق أمام التعليم والمهن كانت في حاجة إلى الإصلاح بقدر حاجتها إلى حواجز التمثيل، ولكن أشد انتقاداته وجهت لمؤسسة الزواج كما كانت تمارس في عصره.

وكان الزواج الذي حرم الزوجة في هذه الفترة من الملكية والشخصية الاعتبارية وفرض الطاعة الكاملة للزوج أشبه بالعبودية، وحسب ميل في كثير من الأحيان لاحظ أنّها تنطوي على عنف جسدي، ولكن حتى في الحالات التي لم يكن الأمر كذلك فإنّ التحضير لمثل هذه الشراكات غير المتكافئة والمشاركة فيها دفع المرأة إلى تطوير شخصيات مقيدة ومصطنعة وخاضعة.

ولم يكن الأمر مهينًا للنساء فقط أن يتم وضعهن في مثل هذا الوضع من العبودية، فممارسة مثل هذه السيطرة كانت تحط من قدر الرجال وتفسد شخصياتهم أيضًا، وإنّ انتشار علاقة القوة الشريرة هذه في منطقة مركزية من حياة الإنسان يتطلب التجديد، وكانت الظروف الوحيدة التي يمكن أن يكون فيها الزواج مؤسسة إيجابية تضيف إلى السعادة البشرية، وهي الظروف التي يُعامل فيها الرجال والنساء على قدم المساواة التام.


شارك المقالة: