الأخلاق ومبدأ العواقبية في فلسفة راسل ومور

اقرأ في هذا المقال


العواقبية هي المبدأ والعقيدة التي ترى بأنّ أخلاق العمل لدى المرء يجب الحكم عليها فقط من خلال النتيجة والعواقب.

الأخلاق ومبدأ العواقبية في فلسفة راسل ومور:

على الرغم من أنّ برتراند راسل تحول إلى مذاهب المبادئ الأخلاقية (Principia Ethica) إلّا أنّه اختلف مع جورج إدوارد مور في نقطتين مهمتين، فالفيلسوف راسل مثل الفيلسوف مور كانا يعلمان بما يُعرف اليوم بالعواقبية، حيث كان يعتقد أنّ صواب أو عدم صحة فعل ما بطريقة ما يعتمد على النتائج، ولكن بالنسبة إلى مور: “من المؤكد بشكل واضح أنّه أنا ملزم أخلاقيًا بتنفيذ هذا الإجراء متطابق أو مرادف، مع التأكيد على أنّ هذا الإجراء سينتج أكبر قدر ممكن من الخير في الكون“.

وبالتالي فمن التحليل يصبح أنّ الشيء الصحيح الذي يجب فعله هو الإجراء الذي سينتج عنه أفضل النتائج، ولكن من وجهة نظر راسل فإنّ هذا الادعاء ليس تحليليًا ولا صحيحًا، ويمكن نشر حجة مور الخاصة بالسؤال المفتوح لإثبات أنّها ليست تحليلية والقليل من التفكير النقدي يكشف أنّها ليست صحيحة.

“يعتقد مور أنّ ما يجب علينا القيام به هو ذلك الإجراء من بين كل ما هو ممكن والذي سيحقق أفضل النتائج بشكل عام يعتبر هذا بمثابة تعريف للوجوب، وأعتقد أنّ هذا ليس تعريفًا ولكنه اقتراح مهم، وفي الواقع اقتراح خاطئ”.

إنّه اقتراح مهم أو غير تحليلي لأنّ المتحدث المختص يمكن أن يعتقد أنّ (X) هو الفعل الذي سينتج عنه أفضل النتائج دون الاعتقاد بأنّه يجب عليها القيام بذلك، وإذا كان الاقتراحان (X) هو الفعل المتاح للمرء والذي سينتج عنه أفضل النتائج، ويجب أن يفعل (X)، وهذا إذا كانا مترادفين حقًا فلن يتمكن المتحدث المختص من تصديق أحدهما بينما يظل في شك بشأن الآخر.

نظرًا لأنّ هذا ممكن تمامًا كما يتضح من حقيقة أنّه هل يجب أن يفعل المرء ما الذي سيحقق أفضل النتائج؟ وهذ هو سؤال مفتوح بشكل متعنت للمتحدثين الأكفاء في اللغة الإنجليزية، فإنّ الادعاءين ليسا مترادفين، ولكن راسل هو من أقنع مور بأنّه كان مخطئًا.

لكن حقيقة أنّ هذه الادعاءات ليست مترادفة ولا تُظهر أنّه من الخطأ أنّ المرء يجب أن يقوم بهذا الفعل الذي سيؤدي في الواقع إلى أفضل النتائج، بحيث يمكن أن يكون الادعاء الأخير اصطناعيًا أو كما يعتقد راسل مهم ولكنه صحيح.

كيف يرى راسل عواقبية مور؟

لماذا يعتقد راسل أنّ عواقبية مور خاطئة؟ يثير راسل اعتراض الإنسان على أنّ أطروحة وحجة مور لا تتسق تمامًا مع المحافظة الأخلاقية التي يواصل تبنيها، حيث وفقًا لمور على الرغم من وجود حالات يجب فيها كسر قاعدة أخلاقية، لأنّه في بعض الحالات يكون إهمال قاعدة أخلاقية راسخة هو أفضل مسار ممكن للعمل، ومع ذلك لا يمكننا أن نعرف أبدًا ما هي هذه الحالات وبالتالي يجب عدم كسرها أبدًا.

لذلك يمكن أن يوصى الفرد بثقة دائمًا بالامتثال للقواعد المفيدة بشكل عام والممارسة بشكل عام، ولكن إذا كان يتعين علينا القيام بأفضل إجراء ممكن فإنّ ما يشير إليه هذا هو أنّ هناك بعض الحالات على الرغم من أننا لا نستطيع أبدًا معرفة أي منها، حيث يتعين علينا القيام بما لا يجب أن نفعله.

يمكن لمور أن يتجنب هذا التناقض من خلال تبني وجهة النظر القائلة بأنّ ما يجب علينا فعله هو أنّ الإجراء الذي لدينا سبب للاعتقاد بأنّه سينتج عنه أفضل النتائج، وكما قال راسل نفسه فإن التحفظ الأخلاقي لمور: “يعني أنّه يجب علينا أن نفعل ما لدينا سبب للاعتقاد بأنّه سيحقق أفضل النتائج بدلاً من ما سيحقق بالفعل أفضل النتائج”، ولأنه في أي حالة معينة قد يكون لدينا سبب للاعتقاد بأنّ الفعل الصحيح تقليديًا سيكون له أفضل النتائج على الرغم من أننا نعلم أنّ هذا لن يكون هو الحال دائمًا.

لكن راسل لم يرفض تصنيف مور للعواقبية لأنّه كان يتعارض مع نزعته المحافظة الأخلاقية، وكذلك لأنّه رفض أيضًا نزعة مور الأخلاقية المحافظة، وكما أبلغ مور برسالة اعتبر وجهات نظره حول الأخلاق العملية: “محافظة بشكل غير ملائم ومعارضة للإصلاح”.

ومع ذلك فإنّ أي شخص يعتقد أنّ هناك بعض الإجراءات التي يجب علينا القيام بها على الرغم من أنّها في الحقيقة لن يكون لها أفضل النتائج، بل يجب أن يرفض وجهة نظر مور، بسبب اعتقاده هذا بالتحديد يرفض راسل علامة مور التجارية العواقبية.

يقول راسل: “بعض الناس الذين أمتنع عن تسميتهم، ربما يكونون قد تعرضوا للاختناق في طفولتهم، ولكن لا يمكننا أن نلوم النساء الطيبات اللائي رَبَّينهن لأنّهن أغفلن هذا الاحتياط”، ولذا إذا كانت والدة ستالين على سبيل المثال قد فعلت الشيء الصحيح في عدم خنقه عند الولادة، فسيترتب على ذلك أنّ الشيء الصحيح الذي يجب القيام به ليس دائمًا التصرف مع أفضل النتائج الفعلية.

يعترف راسل بأنّ وجهة نظره لا تخلو من التناقض لأنّه إذا كان من الصواب أحيانًا القيام بما هو كارثي بالفعل فإنّه يترتب على ذلك أنّه في بعض الأحيان يمكن أن يكون من المؤسف أنّ الرجل قام بواجبه، وهي فرضية يعتبرها مور (تناقض في المصطلحات).

ولكن على الرغم من أنّ هذا قد يبدو متناقضًا إلّا أنّه مجرد تناقض على افتراض أنّ الإجراء الصحيح يعني ببساطة الفعل الذي له أفضل النتائج الفعلية، وهو افتراض أثبتت حجة مور الخاصة المفتوحة أنّه خاطئ، وعلى النقيض من ذلك فإنّ وجهة نظر مور متناقضة ولكن يجب تحديد (الحق) و(يجب)، لأنّه يشير ضمناً إلى أنّه يجب علينا أحيانًا أداء أفعال نظرًا لأنّها ليست مثالية فهي ليست هي الحالة التي يجب علينا القيام بها.

نقد راسل لفلسفة مور في مبدا العواقبية:

يمكن تلخيص انتقادات راسل على النحو التالي:

1- من الخطأ أنّ نقول “أنا ملزم أخلاقياً أو يجب علي أو من الصواب أن أقوم بهذا الإجراء ومرادفًا لتأكيد”: حيث هذا الإجراء سينتج أكبر قدر ممكن من الخير في الكون، كما أنّ حجة السؤال المفتوح يمكن يتم نشرها مع مراعاة ما يقتضيه اختلاف الحال لإثبات خلاف ذلك، حيث أنّ النفعية وكلمة يجب لا يلتقيان معًا.

2- يؤيد مور ثلاث أطروحات وحجج متناقضة تمامًا:

أ- يجب علينا القيام بتلك الأعمال التي ستؤدي في الواقع إلى أفضل النتائج.

ب- لا يؤدي اتباع القواعد المعمول بها دائمًا إلى أعمال تؤدي إلى أفضل النتائج.

جـ- يجب علينا اتباع القواعد المعمول بها.

تشير هذه الأطروحات الثلاثة مجتمعة إلى أنّه يتعين علينا أحيانًا القيام بأشياء ليست هي الحالة التي يجب علينا القيام بها، ويشير راسل برفق إلى هذا التناقض ويقترح في الواقع أنّ مور يمكنه حله عن طريق تعديل رقم (1) إلى رمز (•).

• يجب علينا القيام بتلك الأعمال التي من المعقول الاعتقاد بأنّها ستؤدي إلى أفضل النتائج.

3- لا يمكن إلقاء اللوم على النساء الطيبات اللواتي نشأن أمثال هتلر وستالين لعدم خنقهن في سن الطفولة: ويشير هذا إلى أنّه كان من حقهم الامتناع على الرغم من أنّ العواقب الفعلية لأفعالهم في الصبر تبين أنّها مروعة، وبالتالي فإنّ الشيء الصحيح الذي يجب فعله ليس ذلك الفعل الذي سينتج بالفعل أفضل النتائج ولكن ذلك الفعل الذي من المعقول الاعتقاد أنّه سينتج أفضل النتائج.

قبل مور الحجة رقم (1) وفي كتابه الأخير الأخلاق عام1912 تعامل مع العواقبية كأطروحة تركيبية.

“أعتقد أنّه من الواضح تمامًا أنّ معنى الكلمتين (نفعية) و(واجب) ليس هو نفسه، وذلك لأنّه إذا كان الأمر كذلك فسيكون مجرد حشو أن نقول إنّه من واجبنا دائمًا أن نفعل ما سيكون له أفضل النتائج الممكنة، ولذا فإنّ نظريتنا لا تلغي التمييز بين معنى كلمتين (واجب) و (نفعية)، وهذا يعني فقط أنّ كلاهما سيطبق دائمًا على نفس الإجراءات”.

يبدو أيضًا أنّه قد قبل حجة الرجل راسل رقم (2)، حيث أنّه بالنظر إلى الحقيقة الواضحة إلى حد ما أنّ القيام بالأمر لا ينتج دائمًا أفضل النتائج فإنّ علامته التجارية الواقعية للعواقبية لا تتفق مع نزعته الأخلاقية المحافظة.

ومع ذلك فهو لم يحل المشكلة عن طريق تعديل الأطروحة أو الحجة رقم (أ) كما أوصى راسل، ولكن في الواقع بدلاً من حلها بإسقاط الأطروحة أو الحجة رقم (جـ). في المبادئ كانت المحافظة الأخلاقية موصى بها بثقة إلى الفرد الواعي، وبحلول الوقت الذي جاء فيه مور لكتابة علم الأخلاق في عام 1912 كان قد اختفى ببساطة تاركًا الفرد المحير دون توجيه عملي.

حيث ماذا يجب على الفرد أن يفعل عندما كما هو الحال عادة لا يستطيع تحديد أي من الأفعال المتاحة سيكون له أفضل النتائج الإجمالية؟ لا يقول مور ذلك وبذلك يضحي بالفائدة من أجل الاتساق النظري.


شارك المقالة: