قصة الرسالة

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر المؤلفة والأديبة إيلينا بونياتوسكا وهي من أصول مكسيكية، ولكنها من مواليد دولة فرنسا، وهي من أهم وأبرز الكاتبات اللواتي ظهرن في أمريكا اللاتينية، حيث تلقت تعليمها في الولايات المتحدة الأمريكية وكانت قد تعلمت اللغة الإنجليزية وقطنت في المجتمعات الأوروبية، وهذا ما جعل مؤلفاتها من أكثر المؤلفات رواجاً على مستوى العالم، ومن أبرز القصص التي اشتهرت بها هي قصة الرسالة.

قصة الرسالة

في البداية كانت كتابة الرسالة تدل الوقائع والأحداث التي بدأت في اللحظة التي جاءت بها الفتاة لرؤية حبيبها الذي يدعى مارتن ولم تجده، إذ بقيت جالسه لفترة من الوقت على عتبة باب منزله، فاتكأت على جدار المنزل وبدأت في انتظار مارتن، إذ اعتقدت أنه في مكان ما في المدينة القريبة من منزله، وأخذت تهمس بالحديث إليه وكأنها تعتقد أنه من خلال الموجات الصوتية التي تمر عبر الهواء، يجب أن يعلم مارتن أنها تنتظره أمام منزله، وأخذت تنظر إلى حديقة منزله الصغيرة التي تتخللها شجرة السنط الممتد على طوال الجدران، وكل طفل يمر من جانب المنزل يقوم بسحب أغصان تلك الشجرة المتدلية على الجدران الخارجية.

وهنا بدأت النظر إلى الورود المبعثرة حول المنزل على الأرض، قد كان بعضها الآخر يمتد على الحائط بشكل مستقيم وطبيعي، وكان لها أوراق كالنصل تماماً، وقد كانت تتميز باللون الأزق، وقد شبهته حين وصفته لمارتن في الرسالة أنه يشبه اللباس العسكري الخاص بالجنود في تلك الفترة، وقد شبهت الحديقة في قوتها وعزيمتها مثله تماماً، فقد كان شخص يمتلك ثقة بالنفس ومنضبط ومنظم.

وبينما كانت ما تزال تتكئ على حائط المنزل وقد كانت تذكر في طريقة اتكائها تلك أنها ذات الطريقة التي كانت تستند بها على ظهره، وتوجه نظرها في تلك اللحظة نحو أشعة الشمس التي كانت تنعكس على زجاج شبابيك المنزل، حيث كان الوقت في تلك الأثناء وقت الغروب، فقد كانت أشعة الشمس قد أدفأت بوهجها النوافذ والأشجار الممتلئة بالأزهار الجميلة التي فاح عطرها في كافة أنحاء المكان، كما كان الشفق يمضي سريعاً.

وفي تلك اللحظة مرت إحدى الجارات، لم تتأكد الفتاة أنّ الجارة قد رأتها أم لا، فقد كانت تلك الجارة في تلك الفترة من الوقت تقوم بسقاية حديقتها، وقد كان لتلك الجارة أثر جميل لدى مارتن وهذا ما جعل الفتاة تذكرها لمارتن في الرسالة، حيث بينما كان في أحد الأيام قد أصيب بوعكة صحية جلبت له الحساء الدافئ واستدعت ابنتها حتى تعطيه الإبر والحقن لتخفيف ألمه.

وهنا تذكر الفتاة بالرسالة لمارتن أنها تفكر فيه بتأني طويل، وكأنها تريد أن تسحبه إلى داخلها وتبقيه مغمور هناك دون خروجه على الاطلاق، إذ أرادت ذلك حتى تؤكد لنفسها أنها سوف تراه فيما بعد بشكل يومي دون انقطاع، وأنها حين تقابله لا تريد أن تتطلع إليك على مهل، وكأنها سوف تفارقه عن قريب، وأقرت في الرسالة أنه على الرغم من أنها تحفظ كل تفاصيله وملامحه في ذاكرتها، إلا أنها في كل مرة تراه فيها تبقى تحدق النظر فيه وكأنها لن تراه بعد الآن.

وأكمل كتابة الرسالة بقولها: أنحنى على الرسالة، وأقوم بكتابة كل تلك الأحداث لك، إذ ما زلت على يقين بأنك في مكان قريب من المنزل، ولربما في تلك اللحظة تسير في عجلة كطريقتك الحازمة المعتادة في أحد شوارع المدينة التي أتخيلك دائمًا تسير بها مثل ركن دونسلز وسينكو دي فبريرو أو شارع فينيسيانوكارانترا، أو أنك تجلس على واحد من تلك المقاعد ذات اللون الرمادي والتي يكمن فيها الملل لأبعد الحدود، والتي كانت قد تحطمت  بسبب زحام الركاب الذين يسرعون من أجل الالتحاق بسيارات الأجرة، لا بد أنك تعلم داخل نفسك أنني أتكئ على جدار منزلك وأنتظرك.

جئت فقط حتى أخبرك بأنني أحبك من جديد، ولأنك لم تكن موجوداً بقيت أنتظرك، انتظرتك طويلاً وبالكاد قدرت على المتابعة في الكتابة، فالشمس بالفعل قد أوشكت على الاختفاء بشكل كامل، لست متأكدة مما أدونه لك في تلك اللحظات، وهنا ما زلت انتظرك في الخارج وقد جاء المزيد من الأطفال يلتفون حول المكان، وامرأة أخرى ساخطة تحمل قدر مكتوب عليها تحذير يفيد ب: لا تهز يديّ حتى لا أسكب اللبن على الأرض، وهنا سقط قلم الرصاص يا مارتن، وسقطت الورقة المسطورة التي كتبت عليها الرسالة، وأصبحت يدياي معلقتين في جسدي بلا فائدة منهن، وما زلت أنتظرك.

وعندما حان وقت الرحيل أفكر بأنني أرغب في معانقتك بشدة، ففي أغلب الأحيان كنت أتمنى لو أنني أكبر سنًا من الآن؛ وذلك لأنّ الشباب يحملون بداخلهم احتياج ملحٌ ومندفع لا يقوى الشباب على مقاومته، إذ يرتبط كل الأشياء التي بداخلهم بالحب والغرام، إذ يصبح وكأنه كلب ينبح نباحًا عدائيًا، وهنا أعتقد أنه حان وقت رحيلي، إذ انقضى النهار بأكمله وأنا بانتظارك، وبعد فترة قصيرة سوف تأتي جارتك كالعادة؛ من أجل أن تضئ أنوار منزلك، فلديها المفتاح وكما سوف تضيء غرفة نومك المقابلة للشارع، حيث في هذه الفترة يحدث الكثير من الاعتداءات والسرقات على المنازل، وفي الغالب يسرقون الناس الفقراء، والفقراء كذلك يقومون بسرقة بعضهم البعض.

فكما تعلم يا مارتن منذ مرحلة الطفولة اعتدت على الجلوس هكذا والانتظار، كنت دائمًا مطيعة؛ لأنني كنت أنتظرك وما زلت أنتظرك، أعلم أنّ كل النساء ينتظرن، فينتظرن المستقبل بعين الأمل، وينتظرن كل تلك الصور التي تشكلت في ذاكرتهن أثناء قنوطهن في العزلة والوحدة، ينتظرن أن تتحرك كل تلك الغابات باتجاههن، ينتظرن تنفيذ كل تلك الوعود الصاخبة بأن هناك رجل قادم.

وقد أخذت بالإشارة إلى نفسها على أنها مثل ثمرة الرمان تتفتح بشكل مفاجئ وتبرز بذورها الحمراء البراقة الجميلة، ثمرة الرمان تُعتبر مثل فم مزدحم بآلاف الكلمات، فلماذا بعد نسرح كل تلك الساعات في الخيال، لماذا لم نصنع منها ساعات حقيقية وواقعية، لماذا لم نمنحها وزن وحجم وكثافة، يا مارتن نحن مفعمون للغاية بالصورة الداخلية الخيالية، مفعمون للغاية بمناظر ميتة في الحقيقة ولم تكن موجودة في الأصل.

حلّ الليل وبالكاد أتمكن من فتح عيوني، ولكني لا أستطيع أن أرى ما خطته يدي في الورقة المسطورة، ليس لدي خبرة في فهم الخطابات، وهنا في المساحات الفارغة البيضاء في الرسالة كتبت كلمة أحبك، وأكملت حديثها بقولها: لست أدري كيف جعلتني أتعلق بك، حان وقت رحيلي الآن، ربما أتوقف قليلاً فقط حتى أطلب من جارتك أن تسلمك رسالتي، وتخبرك أنني أتيت إليك وانتظرتك طويلاً.


شارك المقالة: