اقرأ في هذا المقال
- العطسة في معتقدات وخرافات الشعوب
- خرافة العطس في الوقت الحاضر
- رأي المورخين حول ما يدور عن الخرافات المتعلقة بالعطس
يقوم الكثير من الناس بالعطاس في أوقات معينة وغير مفهومة، كأن يعطس أحدهم بعد التدريب أو بعد أن ينتف حواجبه، أو عند النظر في أشعة الشمس، وعلى مدى تاريخ البشر، عُدّ العطس فعلًا جدير بالتعليق، ففي العصور القديمة على سبيل المثال، اعتقدت بعض الشعوب أن العطس كان إشارة إلى خروج الشيطان من الجسم.
العطسة في معتقدات وخرافات الشعوب:
تدل المخطوطات والنقوش الأثرية على أنه أثناء أزمنة حضارة اليونان القديمة انتشرت خرافة بين الإغريق جعلتهم يعتقدون أن العطسة ما هي إلا إشارة تنبؤ كانت الآلهة ترسلها لهم في مواقف مخصوصة.
فعلى سبيل المثال، تبين مخطوطة ترجع إلى سنة 401 قبل الميلاد أن “القائد العسكري الإغريقي زينوفون” كان يلقي خطبة على مسامع جنوده لتحميسهم على القتال ضد جيش الفرس، وما أن أنهى خطبته حتى عطس أحد الجنود عطسة قوية، فتعالت صيحات الابتهاج بين بقية الجنود، وذلك لأنهم اعتبروا – وفقا لمعتقداتهم آنذاك – أن تلك كانت إشارة من آلهتهم لتبشيرهم بأنهم سينتصرون على الفرس.
خرافة العطس في الوقت الحاضر:
ربما بقيت هذه الخرافة الإغريقية القديمة في مفعولها تسري عبر الأجيال المتعاقبة حتى وصلت إلى أبناء الجيل الحاضر، غير أنه طرأت عليها بعض التغييرات، فمن الراجح أنها هي السبب وراء كون الريفيين اليونانيين الحاليين يعتقدون بأن العطسة المفاجئة خلال حواراتهم هي بمثابة إشارة تدل على أن المتحدث يكذب في ما يقول، فعندما يقول شخص لشخص ثان معلومة أو يسرد له واقعة ثم يعطس المستمع فجأة لدى سماعها، فإنهم يعتبرون أن تلك العطسة قد “فضحت” عدم صدق ما قاله المتحدث الذي يبادر عادة إلى القول لمستمعه: “فليباركك الرب، وسأقول لك الحقيقة”.
أما في في أوروبا وخلال زمن العصور الوسطى، شاعت آنذاك خرافة على نطاق واسع مفادها أن روح كل شخص قد تخرج في أي لحظة مع هواء زفيره، وهو المعتقد الذي دفعهم آنذاك إلى إطلاق اسم “expire” على هواء الزفير، وهي الكلمة التي تعني في الأصل “انتهاء العمر” بما يعني “الموت”، ولأن العطسة كانت تؤدي على نحو مفاجئ إلى إخراج كمية كبيرة من هواء الزفير دفعة واحدة، فلقد كان أوروبيو العصور الوسطى يعتقدون أن كل عطسة تعني اقتراب المرء من خروج الروح من جسده؛ أي “انتهاء عمره”.
رأي المورخين حول ما يدور عن الخرافات المتعلقة بالعطس:
من منظور بعض المؤرخين واللغويين الغربيين أن مقالة “فليباركك الرب”، والتي يقولها الأوروبيون للعاطس بلغاتهم المختلفة، ليس لها أصل في معتقدات الديانتين المسيحية واليهودية، وأنها ظهرت خلال تلك العصور الوسطى لأن الناس آنذاك كانوا يعتقدون أن نجاة الشخص من عطسته تعني أن حياة جديدة قد كُتبت له، وأن تلك النجاة تستدعي أن يهنئوه ويدعو له الرب بالبركة في “حياته الجديدة”.
أما العطسة في ثقافات الشعوب الشرق آسيوية، والتي كانت سائدة فيما مضى في مناطق معينة كالصين وكوريا واليابان وفيتنام، ما يزال البعض هناك يعتقدون حتى وقتنا الحاضر بخرافة أن العطسة التي لا سبب واضح لها، تعني أن هناك شخصًا ما في مكان آخر يتحدث عن العاطس أو يفكر فيه في تلك اللحظة ذاتها، ووصل بهم ذلك المعتقد إلى درجة أنهم يحددون ما إذا كان ذلك المتحدث الغائب يقول كلاما سيئًا أو طيبًا عن العاطس، ففي اعتقادهم أن عطسة واحدة تعني أنه يقول كلامًا طيبًا، بينما عطستان متتاليتان تعنيان أنه يقول كلامًا سيئًا، في حين أن ثلاث عطسات تعني أن المتحدث الغائب مغرم بالعاطس.
أما في ثقافات الهند وبنغلاديش وإيران المتوارثة والمتناقلة منذ قرون، فما يزال السكان المحليون إلى يومنا هذا يعتقدون بخرافة مفادها: أنه إذا عطس أحدهم دون سبب واضح قبل أن يباشر في تنفيذ أي مهمة، فما هو إلا نذير شؤم يشير إلى أن هناك عراقيل ستعيق تلك المهمة، كما يرى معتنقو ذلك المعتقد أن أفضل طريقة لتبديد ذلك الشؤم المرتقب هو أن يقوموا بشرب بعض الماء، والانصراف لبعض الوقت من المكان ثم العودة لمباشرة العمل.
أما في الموروث الشعبي في بولندا، وبشكل خاص في تلك البقع الريفية الحدودية التي تنحدر من قبائل ماضيها وثنيّ، فيسود هناك معتقد وخرافة شعبية ما تزال سائدة، إذ تُفسّر العطسة على أنها علامة واضحة تعني أن حماة العاطس أو العاطسة تتحدث عنه أو عنها بسوء الآن، ويسود المعتقد ذاته بين ريفيو مجتمعات مشابهة الجذور في دول عدة حول العالم، بما في ذلك المكسيك وإيطاليا وأيرلندا.
أما في ثقافتنا العربية ذات المرجع الإسلامي، فإن المعتقدات والممارسات المرتبطة بالعطس تستند بشكل رئيسي إلى أحاديث وسيرة النبي “محمد صلى الله عليه وسلم”، وإن اختلطت في بعض الأحيان مع مواريث ثقافات فولكلورية محلية.
فلقد ورد عن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم حثه على تشميت العاطس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم”.
كما جاء عن العطاس في كتاب “الأذكار” لمؤلفه الإمام النووي: “السُّنة إذا جاء المرء العطاس أن يضع يده أو ثوبه أو نحو ذلك على فمه، وأن يخفض صوته”، وفي كتابه “الروح”، كتب الفقيه اابن القيّم الجوزي: عطس آدم عندما نفخ الله فيه من روحه، فقالت له الملائكة: قل “الحمد لله”، فحمد، فقال الله: “يرحمك الرب”.