العلاقة بين المشاكل الاجتماعية والتماسك الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


التماسك الاجتماعي من أساسيات الحياة في كل مجتمع ولكل فرد؛ ذلك لأنه يقلل من المشاكل الاجتماعية بشكل ملحوظ، لذلك يسعى كل مجتمع إلى الوصول للتماسك الاجتماعي.

العلاقة بين المشاكل الاجتماعية والتماسك الاجتماعي

اعتبر الكثيرون من علماء الاجتماع أن هناك علاقة بين المشاكل الاجتماعية الناتجة من العديد من الأسباب كالتنوع الاجتماعي والعرقي والثقافي وبين التماسك الاجتماعي، إذ أن المشاكل الاجتماعية تشكل تهديداً لتماسك المجتمع واستقراره، على سبيل المثال، كلما زاد تنوع السكان زاد تجزؤهم وقل تماسكهم، ومع ذلك هناك العديد من الانقسامات الاجتماعية في المجتمع وقد أصبح معظمها جزء لا يتجزأ من الهياكل والعلاقات الاجتماعية الناشئة، ومع ذلك هناك تغييرات كبيرة التي تؤثر على الهياكل الاجتماعية في فترة قصيرة نسبيًا تؤدي إلى توترات، والتي في بدوره يثير مخاوف معينة.

وتزايد وتنويع الهجرة بشكل كبير غيرت التركيب السكاني للمدن المضيفة، وغالبًا ما يعيش هؤلاء المهاجرون في عدد محدود من الأحياء الحضرية؛ لأنهم لا يستطيعون العيش في مكان آخر في المدينة، ومع ذلك هناك اختلافات مهمة بين أجزاء مختلفة من العالم فيما يتعلق بالفصل المكاني، فبينما استقبلت بعض الدول حشود من المهاجرين من مختلف أنحاء العالم، كانت دول آخرى معزولة بإحكام عن معظم موجات هجرة اليد العاملة الدولية حتى بداية التسعينيات، ولكن في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تأثرت دول معينة بغزو ​​الهجرة من المناطق الريفية كنتيجة للتحول الاشتراكي للزراعة.

وبسبب انخفاض مستوى تحصيلهم التعليمي ونمط حياتهم المحدد بالنسبة لشعوب وأحياء الدول الحضرية التي هاجروا إليها تسببوا لهم بالعديد من المشاكل الاجتماعية والتي بدورها عملت على تكوين خلل في عملية تماسك واستقرار تلك الدول، ووأصبحت هذه الأحياء تشبه إلى حد كبير الأحياء العرقية، فموضوع الهجرة على نطاق واسع أثر أيضًا مؤخرًا ليس فقط على هذه الدول والأحياء فغالبًا ما يُنظر إلى المهاجرين على أنهم مجموعة موحدة من الناس ويتكونون من عدد كبير من الجنسيات والمجموعات الفرعية والعرقية المختلفة، وبمهارات مختلفة جدًا أو تعليم أو وظائف أو خلفيات عائلية أو أديان.

لذلك غالبًا ما يكون للمهاجرين نسبيًا موقف ضعيف من حيث الموارد الاقتصادية، وبالنظر إلى هذا الجانب الأكثر تأثيراً يتم رؤية أن موضوع الهجرة صنع العديد بل الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء المهاجرين ونتيجة السعي إلى إيجاد حلول لمثل هذه المشاكل أصبح موضوع التماسك الاجتماعي بينهم قليل وصعب نوعاً ما.

وقد تم مناقشة أهمية التواصل الاجتماعي للسكان من قبل علماء الاجتماع بعدة طرق مختلفة وعلاقتها بالتماسك الاجتماعي، فقد أظهرت العديد من الدراسات الاجتماعية أن اتصالات العديد من الأشخاص ولا سيما أولئك الذين حصلوا على تعليم عالٍ وأعلى فئات الدخل في الوقت الحاضر والتي تحدث بشكل رئيسي خارج الحي هي اتصالات ضعيفة وقليلة مقارنةً بالاتصالات التي تحدث بين آخرون من الناس والذين يشكلون مجموعة متنوعة من الشبكات ويمكن أن تكون مهمة في أوقات مختلفة كأوقات العطل على سبيل المثال أو مترجمة في أماكن مختلفة، والتي تحدث بشكل رئيسي في الأحياء.

وتم العثور على أن درجة الاتصال بين بعض الشبكات والتي تكون كثيرة على مستوى الحي أظهرت تماسكاً اجتماعياً لهذه الشبكات أكثر من غيرها، فالأحياء هي أيضاً الأماكن التي يعيش فيها أفراد الأسرة والأقارب ويتركز فيها المواطنون، ومع ذلك هناك أيضًا دراسات تضع علامات استفهام مقابل المحدود المفترض أو تناقص أهمية الحي بالنسبة لموضوع التماسك الاجتماعي، وعلى وجه التحديد في هذه المجتمعان التي أصبحت أكثر عالمية فإن المستوى المحلي لها كون العديد من المشكلات الاجتماعية والتي بالتأكيد تساهم في انخفاض مستوى التماسك الاجتماعي لهذه الشبكات.

النظريات الاجتماعية المفسرة لعلاقة المشاكل الاجتماعية بالتماسك الاجتماعي

قد تطور في علم الاجتماع والتخصصات الأخرى منذ السبعينيات ولأغراض سيتم اعتبارها تطبيقًا محددًا للنظريات الاجتماعية وهي في هذه الحالة تتعلق بالنظريات التي تفسر والتي تركز على علاقة المشاكل الاجتماعية بالتماسك الاجتماعي بدلاً من تفسير المشاكل الاجتماعية فقط، والتي أكد عليها عالم الاجتماع ماركس وإنجلز، وعلى الرغم من وجود العديد من الاختلافات في النظريات الاجتماعية إلا أنها تؤكد جميعًا أن المجتمع مليء بالمشاكل الاجتماعية، مثل أن العديد من أبعاد الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي التي تجعل المجتمع مليء بالمشاكل الاجتماعية.

وتنظر النظريات الاجتماعية إلى بعض المشاكل الاجتماعية على أنها ناشئة عن الفروق بين البشر وعن التنشئة الاجتماعية، بينما تنظر نظريات اجتماعية أخرى إلى أن المشاكل الاجتماعية هي نتيجة لصعود الرأسمالية مما جعل الناس يعتمدن على بعضهم البعض للحصول على الدعم الاقتصادي، ومن ناحية أخرى تنظر نظريات اجتماعية ثانية على أن المشاكل الاجتماعية حاضرة في جميع المجتمعات وليس مجتمعات معينة فقط.

وتنظر النظريات الاجتماعية بأشكالها المختلفة إلى أن تماسك المجتمع ناشئ عن المشاكل الاجتماعية الموجودة في المجتمع، واعتمادًا على أي مشكلة اجتماعية يتم النظر فيها، فإن مشكلة عدم المساواة والتي تعتبر من المشكلات الاجتماعية الشائعة في المجتمع وتستند إلى الطبقة الاجتماعية والعرق والجنس أو بعض الأبعاد الأخرى للتسلسل الهرمي للمجتمع ونظرًا لأن أيًا من هذه التفاوتات يمثل عيبًا أساسيًا في المجتمع تفترض النظريات الاجتماعية أن سبب عدم وجود تماسك اجتماعي في هذه المجتمعات هو بسبب وجود هذه التفاوتات، وأن التغيير الاجتماعي الأساسي ضروري لمعالجة العديد من المشكلات الاجتماعية للمجتمع للوصول إلى التماسك الاجتماعي.

نظرية التفاعل الرمزي

نظرية التفاعل الرمزي تركز على تفاعل الأفراد وكيفية تفسيرهم لتفاعلهم، وتكمن جذورها في عمل علماء الاجتماع وعلماء النفس الاجتماعي والفلاسفة في أوائل القرن العشرين الذين كانوا مهتمين بالوعي البشري والعمل، أمثال العالم هربرت بلومر وهو عالم اجتماع بنى كتاباته لتطوير التفاعل الرمزي، حيث يشعر المتفاعلون الرمزيون أن الناس لا يتعلمون فقط الأدوار التي حددها لهم المجتمع بدلاً من ذلك يقومون ببناء تماسك اجتماعي من هذه الأدوار أثناء تفاعلهم، وأثناء تفاعلهم يتفاوضون بشأن تعريفاتهم للمواقف التي يجدون أنفسهم متماسكين فيها ويبنون واقع هذه المواقف اجتماعيًا.

وللقيام بذلك هناك مثال على ذلك هو الرمز المألوف للمصافحة، ففي العديد من المجتمعات المصافحة هي رمز للتحية والصداقة، ويشير هذا الفعل البسيط إلى إنه شخص لطيف ومهذب ويجب أن يشعر شخص ما بالراحة معه، ولتعزيز أهمية هذا الرمز لفهم القليل من التماسك الذي يتم من خلاله يتم وضع في الاعتبار موقفًا يرفض فيه شخص ما المصافحة، فعادةً ما يكون المقصود من هذا الفعل أن يكون علامة على عدم وجود تماسك اجتماعي، وعلى هذا النحو  يفسرها علماء الاجتماع الآخرين على أن مواقق التفاعل المختلفة الناشئة عن المصافحة نموذجية لحدوث تماسك اجتماعي بين أفراد المجتمع.


شارك المقالة: