النزعة التفاعلية والآثار المنبثقة في علم الاجتماع:
تعتقد النزعة التفاعلية، بمعنى النزعة الفردية المنهجية، بأنّ التغيرات الاجتماعية تأتي من تأثيرات تجمع ناجم عن الاعتماد المتبادل أو تبادل التأثير بين الفاعلين، أكثر مما تأتي من التأثير الميكانيكي للعوامل المهيمنة أو من الصراعات ذات البنية المتصفة بلعبة ذات المحصلة صفر.
إنّ مثال الزحمة في مركز المدينة يسمح لنا بتوضيح هذا النموذج، يريد الجميع وﻷسباب مختلفة، كالرائحة أو الرفاهية أو السرعة أن يستقلوا سيارتهم كي يعودوا إلى منازلهم، وﻷسباب أخرى تمّ تثبيت توقيت العمل بين الساعة التاسعة والثامنة عشر، وبالتالي هناك في الساعة الثامنة عشر وخمس دقائق زحمة في الساحة.
الغاية الصريحة لسلوك كل واحد تقتصر على الرغبة بالعودة إلى بيته في أفضل ظروف، فأنا يكون من ناحية التوافق مع منظومة القيم أو المعايير فهذا قليل الأهمية هنا، إنّ تلاقي السلوكيات ذات الغاية الواحدة يؤدّي إلى عاقبة اجتماعية غير مرغوبة، دون أن تكون هذه العاقبة متضمنة في غايات أي منهم، لو لم يكن هناك تجمع للقرارات الفردية التي عاقبتها خلق نتيجة جماعية، ما كان لهذا أن يحصل، يمكننا من هذا الموضوع استخراج خلاصتين، الأمر يتعلق بأثر كرة الثلج، ثم غياب شفافية المجتمع.
التغير الاجتماعي هو محصلة انعدامات التوازن الميكرو اجتماعية، التي تحصل بشكل دائم وتحرض عملية إجمالية لتفاعلات متسلسلة، فانعدامات التوازن هذه ليست أبداً مؤقتة، ويترجم التفاعل عن طريق تراكم دائم لانعدامات التوازن الميكرو اجتماعية، التي تولد بمجرد ما تبلغ الكثافة الحرجة، تغييرات ماكرو اجتماعية.
ومن الناحية العملية، يمكننا تماما أن نقبل العكوسية والثبات المؤقت، لكن كل هذه الظواهر بدل أن تنجم عن ميل تلقائي لعودة التوازن، فإنّها تعزى إلى الشروط الملموسة للتفاعل ومنها إلى طرائق اتساق انعدامات التوازن الاجتماعية.
القرارات الصغيرة ليست جائرة بذاتها، فهي بسبب ارتباطها مع بعضها البعض، تقود إلى انعدامات توازن هامة في البنية الإجمالية إلى حد كافٍ من أجل أن يكون التغيير كلي الحضور ولا مهرب منه، إذا ما وجدت شفافية كاملة في المجتمع، فلن يكون هناك زحمة في الساحة، لكن ذلك يتطلب تنظيماً ستبلغ كلفة الاعتماد المتبادل فيه حداً لا يحتمل.