ربط التربية بالسلوك الإجرامي

اقرأ في هذا المقال


حدد علماء الاجتماع المصطلحات السلوك المنحرف والإجرامي والأسرة بعدة طرق، وعلى الرغم من أنّ الأسرة مؤسسة اجتماعية أساسية في جميع المجتمعات، إلّا أنّ شكلها يميل إلى الاختلاف بشكل كبير من ثقافة إلى أخرى.

ما هي الأسرة

الأسرة هي عبارة مجردة تستخدم للإشارة إلى مجموعة من الأشكال والممارسات التي تخدم مجموعة مشتركة من الاحتياجات الاجتماعية والنفسية لمجموعة من شخصين أو أكثر يتشاركون القرابة أو الروابط العاطفية، ونظرًا للتنوع الكبير في الأشكال ربما يكون النهج الأبسط والأكثر مباشرة لدراسة العائلات هو التركيز على العلاقات الأساسية الموجودة في معظم العائلات وهما:

1- العلاقة بين الوالدين والطفل.

2- العلاقة الملتزمة بين شخصين بالغين.

تعتبر وحدة الوالدين والطفل ووحدة الزوجين البالغين مكونات أساسية للعائلة وقد يكون لدى عائلة معينة واحدة أو كلتا العلاقتين، وهناك علاقة بين السلوك المعادي للمجتمع بين الأسرة والطفل والمراهق والبالغ، فالأسرة هي مؤسسة اجتماعية أساسية موجودة في جميع المجتمعات، فبالإضافة إلى توفير الغذاء والمأوى لأفرادها فإنّ الأسرة هي السياق الذي يتعلم فيه الأطفال المهارات الاجتماعية الأساسية ويلبون احتياجاتهم العاطفية.

توفر العلاقات الأسرية للأطفال سياقًا لتعلم القيم الأخلاقية وضبط النفس ومحبة الآخرين والثقة بهم، وتلبي العائلات أيضًا الاحتياجات العاطفية والرفقة للبالغين، وعلى الرغم من أنّ الأفراد في المجتمع الحديث يتأثرون بالعديد من المصادر بخلاف الأسرة فإنّ العوامل الأسرية تمثل تباينًا أكبر في معدلات السلوك المعادي للمجتمع أكثر من أي متغير واحد آخر، لذلك من الضروري التركيز على الأسرة عند محاولة اكتساب فهم كامل للسلوك المعادي للمجتمع.

السلوك الإجرامي والطفولة

واحدة من أكثر النتائج المقبولة على نطاق واسع في علم الإجرام وعلم النفس التنموي هي أنّ مشاكل سلوك الطفولة هي مؤشر قوي على التورط اللاحق في السلوك المعادي للمجتمع، وتظهر النتائج من مجموعة متنوعة من الدراسات الطولية أنّ الأطفال العدوانيين وغير الممتثلين أثناء المدرسة الابتدائية معرضون لخطر جنوح المراهقين وجرائم البالغين، وتشير هذه النتائج إلى أنّ الميول المعادية للمجتمع تميل إلى الظهور أثناء الطفولة.

يبدو أنّ جذور أسلوب حياة البالغين المعادية للمجتمع قد زرعت خلال سنوات تكوين الشخص، ويُنظر إلى الآباء عمومًا على أنّهم العاملون الأساسيون في التنشئة الاجتماعية في السنوات الأولى من حياة الطفل، وعلى الرغم من اعتبار السمات الفطرية التي تنطوي على المزاج والشخصية مهمة، يفترض معظم علماء الاجتماع أنّ النمو النفسي والسلوكي للطفل يتأثر بشدة بالبيئة الأسرية التي يوفرها الوالدان.

سلوكيات الأبوة في ظهور الجريمة

أكمل علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء الجريمة عشرات الدراسات التي درست العلاقة بين سلوك الوالدين والانحراف، وتم العثور على سلوكيات الأبوة المختلفة بما في ذلك دفء الوالدين والمراقبة والانضباط المتسق لتكون مرتبطة بشكل عكسي بفرص أن يصبح الطفل جانحًا، وكان الإطار التوجيهي لكثير من هذا العمل هو تصنيف الأبوة والأمومة الذي طوره ماكوبي ومارتن.

أبعاد العلاقة بين السلوك الأبوي والسلوك الانحرافي

يعتمد تصنيف ماكوبي ومارتن في جزء كبير منه على عمل ديانا بومريند ويتم تنظيمه حول بعدين من الأبوة وهما:

1- الاستجابة: وتتضمن الاستجابة إلى أي مدى يكون الآباء ودودون وداعمون ومتناغمون مع احتياجات الطفل.

2- المطالب: يشير الطلب إلى مدى سيطرة الوالدين على الطفل من خلال الإشراف والجهود التأديبية والاستعداد لفرض عواقب انتهاكات السلوكيات المتوقعة باستمرار.

أنماط التربية

يمكن استخدام البعدين -الاستجابة والمطالب-لعلاقة بين السلوك من الأبوة والأمومة بالسلوكيات للطفل لإنشاء تصنيف لأربعة أنماط تربية وهي:

1- الآباء المتساهلون: الذين يتمتعون بدرجة عالية من الاستجابة ولكنها منخفضة في الطلب.

2- الآباء المستبدين: ويكونون منخفضون في الاستجابة ولكنهم مرتفعون في الطلب.

3- الآباء المهملون أو الرافضون: حيث يكونون منخفضون من حيث الاستجابة والمطلب.

4- الآباء الموثوقون: الذين يتمتعون بدرجة عالية من الاستجابة والمطالبة.

أكد بومريند أنّ أفضل نهج للأبوة هو الأسلوب الذي يظهره الآباء الموثوقون، وبعبارة أخرى يحتاج الأطفال إلى الدعم والرعاية جنبًا إلى جنب مع الهيكل والسيطرة، وتمشيًا مع هذا الخلاف أظهرت ثلاثة عقود من البحث أنّ الأبوة والأمومة الموثوقة مرتبطة بشكل إيجابي بالتحصيل المدرسي والرفاهية النفسية والتكيف الاجتماعي وترتبط سلبًا بمشاكل السلوك والانحراف، وتم تقديم أدلة إضافية بشأن أهمية الأبوة والأمومة من خلال دراسات طولية تظهر أنّ العدوان ومشاكل السلوك أثناء الطفولة تنبأت بجنوح المراهقين وجرائم البالغين، ويشير هذا إلى أنّ التعرض لأبوة غير كفؤة أثناء الطفولة قد يمهد الطريق لمسار مسار الحياة المنحرف.

الضبط الاجتماعي والسلوك الإجرامي

إحدى النظريات الإجرامية المبكرة التي تضمنت العلاقة بين الوالدين والطفل كجزء من تفسير السلوك المنحرف كانت نظرية التحكم الاجتماعي لترافيس هيرشي، وعلى الرغم من أنّ العديد من الباحثين شعروا أنّ هذه النظرية بدأت في تناول أهمية سلوك الوالدين في شرح مشاكل سلوك الطفل، فقد أشارت الدراسات إلى أنّ هناك شيئًا أكثر من الرابطة بين الوالدين والطفل، كما اقترحت نظرية الضبط أو التحكم الاجتماعي الذي يفسر هذا الارتباط.

ضبط النفس والسلوك الإجرامي

في وقت لاحق تم اقتراح نظرية ضبط النفس، ففي نظرية عامة للجريمة جادل جوتفريدسون وهيرشي بأنّ الأشخاص ذوي القدرة المنخفضة على ضبط النفس هم من ينجذبون إلى الجريمة، ولقد وصفوا الأفراد ذوي القدرة المنخفضة على ضبط النفس بأنّهم مندفعون لا هوادة فيها، متمركزون حول الذات وغير حساسين وعرضة للمخاطرة وغير مهتمين بالعواقب طويلة المدى، وينجذب هؤلاء الأشخاص إلى الجريمة التي توفر لهم الإشباع الفوري، بينما يتجنبون الأنشطة التي تتطلب الكثير من الوقت والطاقة وتأخير الإشباع، ووفقًا لجوتفريدسون وهيرشي فإنّ المراهقين الجانحين والمجرمين البالغين كسالى ويفتقرون إلى الانضباط الذاتي ويبحثون عن الطريقة السهلة للحصول على ما يريدون.

جادل جوتفريدسون وهيرشي بأننا جميعًا ندخل العالم في مستوى منخفض من ضبط النفس، والرضع والأطفال الصغار على سبيل المثال مندفعون ومتمحورون حول الذات ويريدون إشباعًا فوريًا، ومع مرور الوقت يتعلم معظم الأفراد تأخير الإشباع، وبدلاً من الاستسلام لرغبتهم في الحصول على مكافأة فورية يمارسون ضبط النفس ويتصرفون بطريقة تأخذ في الاعتبار عواقب أفعالهم على أنفسهم والآخرين، وفي هذه الحالة من أين يأتي ضبط النفس هذا؟

أكد جوتفريدسون وهيرشي أنّ الإجابة تشمل الأبوة والأمومة، بالإضافة إلى كونه مهتمًا وداعمًا، فيجب على مقدم الرعاية الأساسي للطفل وضع معايير السلوك ومراقبة سلوك الطفل والاستعداد لتأديب الطفل عندما لا يتم استيفاء المعايير، وعندما يقوم مقدمو الرعاية بذلك بطريقة متسقة يتعلم الطفل ضبط النفس، ومن ناحية أخرى يفشل الأطفال في تطوير ضبط النفس إذا تمت تربيتهم على يد القائمين على رعايتهم الذين يتراخون في الرعاية والمراقبة والانضباط.


شارك المقالة: