أول ملوك الأسرة الأولى للفراعنة:
كان (نعرمر – مينا)، أول ملوك هذه الأسرة، وقد عُثر على قبر له في أبيدوس، وجاءت أهم آثاره من معبد نخن في هيراقونيوليس (الكوم الأحمر)، كما ذكرنا ثم تلاه على العرش الملك (عحا)، (معناها المحارب).
وقد عثر له على قبر في أبيدوس وعلى معالم ونقوشات باسمه في قبر آخر بحجم كبير في سقارة ونرى على آثاره إشارات كثيرة إلى حروب ضد الليبيين والنوبيين، وإلى احتفالات دينية وبخاصة ما يتعلق منها بمراسيم تتويجه، وتشير كذلك إلى تشييد بعض المعابد للمعبودات وبخاصة للمعبودة (نيت)، التي كان مقر عيادتها في مدينة (صا الحجر)، في غربي الدلتا، وكانت زوجته تُسمى (نيت – حتب)، وربما كانت من أهل تلك المدينة.
وجاء من بعد (عحا)، ملك آخر وهو الملك (جر)، وتمتاز آثاره بكثير من التقدم الفني ولأمر ما اعتقد المصريون القدماء في العصور التالية أنَّ قبره في أبيدوس هو قبر المعبود أوزيريس وكانوا يحجون إليه ويقدمون القرابين له حتى كشفت عن حقيقته حفائر أميلينو في أواخر القرن الماضي.
ويظهر أن (جر)، لم يكن أقل من سلفه (عحا)، في نشاطه الحربي فقد عثر في عام (،(1949 على اسمه منقوشاً على صخور جبل الشيخ سليمان على مقربة من بوهن أمام وادي حلفا وهو يسجل هناك انتصاره على أهل النوبة، ويدل ذلك على اهتمام ملوك الأسرة الأولى بتأمين حدود مصر الجنوبية وفتحهم المنطقة الواقعة جنوبي الشلال الأول لأجل التجارة مع السودان.
وفي عهد خلفه الملك (واجيت)، أو (حت)، نلاحظ أنَّ الأوضاع السياسية في التوسع التجاري. وربما أيضاً استغلال المناجم لم تقل، وأنَّ أولئك الملوك اهتموا بدروب الصحراء وتأمين التجارة فيها إذ عثر على اسم هذا الملك مكتوباً على صخور أحد تلك الدروب التي كانت تربط بين إدفو والبحر الأحمر، وهو الدرب المار بوادي مياه، والذي ظل مستخدماً في جميع العصور سواء للتجارة أو الحصول على بعض معادن تلك المنطقة وبخاصة الذهب.
كانت مصر قد شعرت إلى حد غير قليل في مضمار التطور في عهد الملك (جت)، ولو توقفنا في البحث عن مخلفات عصره نجد أنَّ معظمها قد بلغ فيه التميز بشكل ملحوظ يجعل منها تُحفاً فنية مثل لوحته التي توجد الآن في متحف اللوفر. وقد عثر على قبر له في أبيدوس وعلى قبر آخر في سقارة، أما المقبرة التي عثر عليها في نزلة البطران على مقربة من أهرام الجيزة والتي ظهر فيها اسمه مكتوباً على بعض ما فيها من قطع أثرية فربما كانت لأحد أفراد عائلته أو كبار موظفيه.
أما خامس الملوك وهو الملك (دن)، قد عرفنا عنه الكثير، ليس من مقابره أو مقابر معاصريه فحسب بل من حجر بالرمو أيضاً، ونرى أنه قد اتخذ لنفسه لقباً جديداً باستخدام نبات السبوت رمزاً للصعيد والنحلة رمزاً للدلتا. كما نعرف أيضاً أنه حارب البدو الذين في شرقي مصر، كما نرى بعض تفاصيل احتفاله بعيد يُسمى عيد السد، أو الاحتفال الثلاثيني الذي لعب دوراً كبيراً في حياة الملوك المصريين، وعقيدة الألوهية الملكية.
كان هذا الاحتفال ملحوظاً في مصر بلا شك قبل الأسرة بزمن كبير، ويعود أصله إلى عادة ما زالت تمارسها بعض الشعوب الإفريقية حتى الآن، وهي تحديد ثلاثين سنة لحكم أي زعيم، لأن رخاء الناس يتوقف على قوة ذلك الزعيم. فإذا امتد عمره أكثر من ذلك قضوا عليه في حفل ديني.
وما زلنا نرى حتى اليوم معظم القبائل الإفريقية تقوم بوضع حداً لحياة زعمائها، كما تقدم البعض الآخر في تفكيره وقبل من الزعيم أنّ يثبت قوته باصطياد أسد أو قتل عدو فيشتري بذلك سنوات أخرى من الحياة. وتقدم آخرون أكثر من ذلك فجعلوا الزعيم يحصل على سنوات أخرى باسترضائه للإله بتشييد معبد جديد، أو تقديم قرابين خاصة في حفل خاص يثبت فيها هذا الزعيم استمتاعه بالصحة الوفيرة.
ويظهر أنَّ هذه التصرفات كانت واضحة ومتبوعة في مصر في وقت مبكر قبل عصر الأسرات، ووصلت إلى مرحلتها الأخيرة وهي تجديد الحق في البقاء في الحكم قبل أن تنتهي فترة الثلاثين سنة ويكون ذلك في احتفال وفق مراسيم خاصة يثبت فيها الزعيم قوته، ويشيد لهذه المناسبة بعض المباني الخاصة ويقيم لبعض المعبودات معابد أو هياكل. وظلَّ ملوك مصرة منذ الأسرة الأولى حتى آخر أيام حضارتها مخلصين لهذا التقليد وكثيراً ما نرى الإشارة إليه، ونرى بعض مناطر طقوسه، على جدران المعابد في جميع العصور حتى ما شيد منها في أيام الرومان.
وأهم الآثار من عهد الملك (دن)، هي مقبرة (حما كا)، في سقارة ومقبرة زوجته (مريت – نيت)، في أبيدوس. وخلفه على العرش ابنه (عج – إب)، الذي احتفظ لنا حجر بالرمو بالشيء الكثير عن حوادث عصره ومنها حروبه وأحتفاله بعيد السد، ثم أمره بعمل إحصاء شامل في البلاد كان يتكرر كل عامين.
ونعرف أيضاً من حجر بالرمو ومن الآثار الأخرى شيئاً غير قليل عن (سمرخت)، وأهم شيء يتصل باسم هذا الملك هو بدء المنازعات واغتصاب العرش بين أفراد البيت المالك مما كان سبباً لقرب إنتهاء حكم هذه العائلة، والأمر الثاني هو ترديد إسمه في المؤلفات الأثرية على أنه صاحب النقش الكبير في وادي المغارة بسيناء. ولكن أعتقد أنَّ ذلك النقش لا يمكن أنْ يكون من عهد الأسرة الأولى وإنما هو للملك (سخم – خت)، الذي تولى الملك بعد زوسر في الأسرة الثالتة والذي أراد تشييد هرم مُدرج آخر في سقارة عثر عليه عام ((1954.
آخر ملوك الأسرة الأولى للفراعنة:
آخر ملوك هذه الأسرة هو الملك (قاع)، وقد تم اكتشافه أيضاً على آثار في قبر أبيدوس. وكذلك في مقبرة ذات حجم كبير في سقارة نقش اسمه على كثير مما بقى من محتوياتها، وتمدنا تلك الآثار بعدد وافر من أسماء موظفيه والوظائف التي كانوا يتولونها، ونعرف من هذه الوظائف شيئاً غير قليل عن تنظيم إدارة البلاد في ذلك العهد إذ كان بعض أولئك الموظفين مُشرفاً على أعمال الريّ أو جباية الضرائب أو حفظ السجلات وغير ذلك.