مفهوم الإقطاع البويهي

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الإقطاع البويهي:

إنَّ التحول الخطير في مفهوم الإقطاع حصل بعد السيطرة البويهية لأراضي الخلافة العباسية وذلك بمنح الجند إقطاعات بدل العطاء وبهذا المفهوم تحول الإقطاع من مكافأة بسبب إحياء الأرض الميتة إلى مكافأة الخدمات المُقدمة للأمير البويهي، أي تحول الإقطاع من عملية استثمارية إنتاجية إلى مكافأة مُقابل المهام العسكرية المقدمة للأمير الأجنبي.

إنَّ دراسة التنظيم الإجتماعي والعسكري للبويهيين أمراً ضرورياً لمعرفة جذور التنظيم الإقطاعي الذي ألفه هؤلاء الذين يرجع أصلهم إلى الديلم سكان المنطقة الجبلية التي تقع جنوب بحر قزوين، وقد تميز هؤلاء بخصائص جنسية معينة وكثيراً ما كانوا يستخدمون كجنود مرتزقة، وكانوا ذو روح حربية عرفوا بِ (الشياطين البيض). لقد ورث البويهيين نظاماً إقطاعياً قائماً على رؤساء العوائل وكان كل رئيس من هؤلاء يمارس سلطان العائلة ويلقب (الكذخذا).

اعتبر البويهيين أنّ الأراضي التي غلبوا عليها هي نتيجة المشاركة في الغزو والإقطاع هو ثمرة ذلك الغزو. إنَّ الدور الذي لعبه البويهيين في التاريخ كان عسكرياً تولوا المناصب وارتقوا السلطة كمحاربين كان هدفهم الحصول على المزيد من الثراء والغنائم، فكان لهذا الأمر دوراً خطيراً في أحداث تغيرات إدارية أثرت في منطقة فارس والعراق، يصف كاهين البويهيين بقوله: (إنهم من المغامرين المرتزقة الذين خبروا قيادة الجنود أكثر من إدارة شؤون البلاد وكانوا يعيشون من الغنائم التي أصابوها).

لقد اتصفت الحياة السياسية في بلاد فارس بأنها تهتم بالناحية العسكرية اكثر من الجوانب الاقتصادي، لقد كان (اوخشرا)، أي العسكري المحارب هو رأس السلطة، وهذا اللقب يدل على صيغة الملك الصبغة العسكرية، وكان يهبهم الضياع مُقابل الخدمة العسكرية، وكانوا أصحاب إقطاعات واسعة يحتفضون بقوات عسكرية تحت إمرة صاحب الإقطاع وهو المسؤول على جباية الضرائب والرعايا، ملزمين بدفع الضرائب إلى صاحب الإقطاع وبإداء الخدمة العسكرية تحت رئاسته.

إنَّ أساس قيام الإمبراطورية الفارسية كان اساساً إقطاعياً قائم على أصحاب الحكم والنفوذ من كبار مُلاك الأراضي الذين ينتمون إلى القبائل ذات النفوذ وكان هؤلاء يملك كل واحد منهم مُقاطعة يمارس بها نفوذه باعتباره سيداً إقطاعياً.

النظام الإقطاعي البويهي:

لقد كان النظام الاشكاني الإقطاعي، هو الأساس الذي قامت عليه الإقطاعية الساسانية وكانت الدولة مقسمة إلى عدد من المقاطعات على رأس كل مقاطعة مرزبانا والغالب عليهم الطابع العسكري وكان هؤلاء المرازبة يعملون قواداً في الجيش وكان تحت تصرفهم قوات عسكرية.

وهكذا كان النظام الأساسي للدولة الساسانية نظاماً إقطاعياً يستند إلى العروش الإقطاعية، إنَّ نظام الحكم المطلق الذي أقامه اردشير لم يَكنّ من القوة بحيث يستطيع من السيطرة على تلك العروش، لذلك فإن قيام دولة إقطاعية أساسه ملوك يحملون اللقب، وكانت الجباية التي تمد خزينة الدولة بالمال متوقفة على الإقطاع فهو مصدر الرجال والمال.

إنَّ هذا التنظيم الإقطاعي له ما يُماثله في الإقطاع الغربي فمنذ القرن الثمن الميلادي، أصبحت الخدمة العسكرية مرتبطة بالإقطاع ويقوم النظام الإقطاعي الغربي في مجموعه على ملكية السادة النبلاء للأرض وقيام طبقة من الفلاحين يعملون تحت سلطان السيد الإقطاعي وعرفوا (بالاقنان)، وكان صاحب الإقطاع يعرف بالبارون ويؤدي القسم الإقطاعي مُقابل تقديم خدمات حربية.

عرّف المؤرخ الفرنسي جيرار الإقطاعية بقوله: (إن الأرض قاعدة المجتمع الإقطاعي فمن أصبحت الأرض ملكاً صارت له أهمية في السلطة والحكم يرجع إلى ما بين يديه من أرض سواء أكانت قطعة بأي حجم مختلف).

إن النظرة الفارسية للأرض باعتبارها ضيعة للملك والتي تتكون منها مملكة ومن غلتها يتكون دخله، هي نفس النظرة التي حملها البويهيين التي كانت نظرة قبلية إقطاعية ترى الأرض ملك الأمير وأن الجيش لهم الحق في اقتسام خيراتها وهي النظرة المألوفة في بلاد الديلم. وهذا واضح في قول عضد الدولة البويهي: (إذا ملكنا ناحية السيف بعد الحرب لم نصالح عليها).

جاء البويهيين وهم متأثرون بالأفكار الساسانية الخاصة بإقطاع الأرض باعتبارها من ثمرات الغزو بمعنى مكافأة مقابل احتلال الأرض، ومما يؤكد تلك النظرة أن البويهيين ادعوا النسب الساساني الذي يتفق مع نشاطهم في إحياء التقاليد الساسانية الخاصة بنظرية الحكم.

إنَّ دخول البويهيين في السلك العسكري راجع إلى كونهم من المناطق الجبلية الفقيرة القليلة الموارد الزراعية، انخرطوا في الجيش كمحاربين كان الهدف منه الحصول على الغنائم وكانت مكافئتهم على ذلك منحهم إقطاعات للتمتع بغلتها وإيراداتها. لقد كان النظام الإداري البويهي قائم على أساس حاجة الجند البويهي. إنَّ عدم وجود الخبرة الإدارية جعلت مُعز الدولة يوزع غنية.

إنَّ هذه النظرة قد غيرت من مفهوم الإقطاع الإسلامي بعد أن كان إقطاع مقابل استثمار أو إحياء، أصبح إقطاع مكافأة مقابل الغزو والتسي أنحصرت في طبقة القادة العسكريين والإشراف الذين هم عماد الدولة ذلك أنّ الأمير إذا غزا بلد وارد استبقاءها واستغلالها، وزعها على قواده العسكريين إقطاعاً مُقابل تهيئة المقطع قوات تكون جاهزة للقتال مع الأمير في حالة الحرب. إنَّ سيادة النظام القبلي وقلة الخبرة الإدارية أدى إلى اتباع سياسة اقتصادية انعكست سلباً على أوضاع الأراضي الزراعية أدت إلى خراب أراضي العراق وبالتالي الخسائر الفادحة.

المصدر: ❞ كتاب الإقطاع في الدولة العباسية ❝ مؤلفه د. محمد حسن سهيل الدليمي صفحة (41 – 48).❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفه سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث.❞ كتاب الخلافة العباسية في عهد تسلط البويهيين ❝ مؤلفته د. وفاء محمد علي. ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفه د.محمد سهيل طقوش.


شارك المقالة: