الفيلسوف أوليمبيودوروس

اقرأ في هذا المقال


كان أوليمبيودوروس (Olympiodorus) الإسكندري على الأرجح تلميذًا متأخرًا لأمونيوس هيرميو (Ammonius Hermeiou)، وهو المعلق على أرسطو ومعلم سيمبليسيوس وفيلوبونوس، وأحد آخر الوثنيين الذين درسوا الفلسفة في مدرسة الإسكندرية في القرن السادس، وفي محاضراته قام بتفسير النصوص الفلسفية الكلاسيكية بشكل رئيسي من قبل أفلاطون وأرسطو، وهناك ثلاثة من تعليقاته على أفلاطون واثنان على أرسطو.

في بعض الأحيان يبدو أنّ هذه القطع من أصول التدريس مصنوعة بعناية، لكنها في أوقات أخرى تقرأ مثل النصوص المكتوبة بواسطة أحد الطلاب، وعلى الرغم من أنّ أوليمبيودورس يظهر كرجل متعلم ووصي على التعليم التقليدي والأدبية والفلسفية على حد سواء، فإنّ أعماله تقارن بشكل غير موات ومن وجهة نظر فلسفية، ومع التعليقات التي كتبها أمونيوس أو معاصرو أوليمبيودوروس مثل سيمبليسيوس وجون فيلوبونوس.

ومع ذلك فإنّ عمله ذو قيمة لأنّه يوفر لنا رؤى حية حول الطريقة التي تم بها تدريس الفلسفة الوثنية للأعضاء الشباب من النخبة المسيحية، والذين سينتقلون في الغالب إلى وظائف في رجال الدين أو في البلاط البيزنطي.

يجب تمييز أوليمبيودوروس الإسكندري في القرن السادس عن أوليمبيودوروس الآخر الذي من المفترض أنّه عاش في النصف الأول من القرن الخامس الميلادي، وقيل من قبل مارينوس في كتابه (حياة بروكلوس) أنّه كان مدرسًا للأخير في أثينا، ولا تزال علاقة الفيلسوف الأصغر أوليمبيودوروس بالعالم الكيميائي الذي يفترض أنّه يحمل نفس الاسم والمصدر مسألة خلاف.

حياة الفيلسوف أوليمبيودورس:

هناك ثلاث حقائق ثابتة وعلى أساسها يمكن للمرء أن يعيد بناء المعلومات العامة لحياة أوليمبيودوروس:

1- شغل كرسي الفلسفة في الإسكندرية، وتشير إليه غالبية مخطوطات عمله على أنّه فيلسوف الإسكندرية.

2- رأى نفسه وريثًا فكريًا لأمونيوس، ويشير أوليمبيودوروس كثيرًا إلى أمونيوس على أنّه الفيلسوف العظيم، وفي حالة واحدة باسم فيلسوفنا.

3- أُلقيت بعض محاضراته بعد وقت قصير من 565، ويُفترض عمومًا أن أمونيوس توفي (أو على الأقل توقف عن التدريس) في وقت ما بين 517 و 526.

إذا كانت هذه التواريخ صحيحة فمن الممكن أن يُستنتج أنّ أوليمبيودوروس كان شابًا عندما أصبح أحد آخر تلاميذ أمونيوس وأنّه قاد حياة فكرية نشطة في أواخر الستينيات من عمره أو أوائل السبعينيات من ذلك القرن، ووفقًا لذلك يجب أن تكون تواريخ حياة أوليمبيودوروس ما يقرب من 500-570، وبما في ذلك كامل فترة حكم الإمبراطور جستنيان الكبير (527-565).

نظرًا لأنّ جون فيلوبونوس كان يدرس الفلسفة بنشاط حتى منتصف الثلاثينيات ولكن دون أن يشغل كرسي الفلسفة أبدًا، فمن المرجح أنّ أوليمبيودوروس بدأ حياته التدريسية في ذلك الوقت تقريبًا ليصبح الخليفة الرسمي لأمونيوس.

أفضل طريقة لفهم ظروف حياته هي التعرف على الفترة الأخيرة للفلسفة الوثنية في عصر جستنيان، ولأغراض التعرف أكثر فإنّ العامل الأكثر أهمية هو أنّه في عصر جستنيان اكتسبت الفلسفة كنظام يتم تدريسه في مدارس التعليم العالي مكانة غامضة للغاية.

من أحد الجوانب فإنّه كان أي شخص تقريبًا في الإمبراطورية على دراية تامة بحقيقة أنّ جستنيان قد اتخذ منذ بداية عهده تدابير صارمة للقضاء على الفلسفة كطريقة للحياة الوثنية والتعلم، وذلك على الصعيدين الخاص والعام، وإغلاق المدرسة الأثينية حوالي عام 529 (مع مصادرة واضحة لأصولها) ليس سوى المثال الأكثر شهرة.

من الجانب الآخر كان من الواضح أيضًا أنّ أعضاء النخبة كانوا مدركين تمامًا أنّه كان من المستحيل الحفاظ على ثقافة الإمبراطورية العلمانية والكتابية على حد سواء بدون تعليم كلاسيكي، وكان جزءًا منه وما زال دائمًا فلسفة، حيث كان التدريب في الفلسفة ضروريًا للغاية نظرًا لأنّ الأساس الراسخ في المنطق والأنطولوجيا فقط هو الذي يمكن أن يعد واحدًا بطريقة ذات مغزى للمشاركة في النقاشات اللاهوتية الدقيقة التي سيطرت على أفضل العقول في ذلك الوقت.

فكيف يمكن للمرء أن يفهم جنبًا إلى جنب بين الألوهية والإنسانية في جوهر واحد؟ ولا يمكن للمرء أن يأمل في أن يصبح خبيرًا في اللاهوت، والذي كان يُنظر إليه لاحقًا على أنّه أعلى شكل من أشكال الفلسفة، دون أن يعرض نفسه بطريقة جادة لأعمال أرسطو وأفلاطون.

وهكذا في عهد الإمبراطور الذي ربما فعل أكثر من أي شخص آخر لشل ومحو الفلسفة، ازدهرت الفلسفة في الإسكندرية على وجه الخصوص وأيضًا في أماكن أخرى، وبطريقة لم يسبق لها مثيل في العصور القديمة المتأخرة.

هذا هو العالم الذي ينتمي إليه أوليمبيودوروس، فهو فيلسوف وثني عالي التدريب يقدم خدماته رسميًا على الأقل لجمهور مسيحي بالكامل، ومما لا شك فيه أنّ الافتراضات الدينية لطلابه واحتياجاتهم واهتماماتهم وتوقعاتهم حددت إلى حد كبير معايير ومحتوى فصوله، كما أبرزت الحاجة إلى قدر كبير من أصول التدريس من جانب المحاضر.

من الواضح أنّه حتى لو أراد ذلك لم يكن بإمكان أوليمبيودوروس أن يشرح آراء أفلاطون وأرسطو بنفس الحماس والإيمان، فعلى سبيل المثال سيمبليسيوس الذي لم يكن لديه جمهور لإلقاء محاضرة عليه، وذلك بمجرد أن أغلق جستنيان المدرسة في أثينا.

من المؤكد أنّ الفلسفة كانت حية وبصحة جيدة في المؤسسات الإمبراطورية، لكن الأخيرة كانت محصورة من جميع الجهات بجدران الأرثوذكسية والبدعة، وهذا ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار قبل أن ينضم المرء إلى المنتقدين الذين يندبون الندرة الفلسفية لتعليقات أوليمبيودورس.

تأثير فلسفة أوليمبيودورس:

لم يتوقف تعليم الفلسفة مع وفاة أوليمبيودوروس، فمن الواضح أنّه كان لديه تلاميذ أذكياء كرسوا أنفسهم للفلسفة بطريقة مهنية، وما إذا كانوا وثنيين أم مسيحيين ليس واضحًا تمامًا لكن تعليقاتهم تم تمريرها تحت أسماء مثل ديفيد وإلياس.

يمكننا أن نقول أنّهم تأثروا بأوليمبيودورس ليس فقط لأنّهم يشيرون إليه، ولكن أيضًا لأنّهم يتبنون طريقته التربوية في تقسيم محاضراتهم إلى الثيوري (theôriai) وليكسيس (lexeis)، وينطبق الشيء نفسه على ستيفانوس الإسكندري الذي درّس الفلسفة في القسطنطينية في بداية القرن السابع.

إن تأثير أوليمبيودوروس الأوسع نطاقاً أقل ظهوراً إلى حد ما من تأثير عظماء الإسكندرية، ومن المؤكد أنّ السوريين والعرب عرفوه وقرأوه لكن ليس بإسهاب وكذلك ليس على نطاق واسع والذي لم يفعله الغرب اللاتيني.

كما وصل التعليق على الفئات إلينا في مخطوطة واحدة فقط وهي مجموعة مخطوطات موتينينسي (Codex Mutinensi 69)، ولا يوجد سوى عدد قليل من مخطوطات شرح الأرصاد الجوية، وهناك مخطوطات شروحه على أفلاطون نادرة بنفس القدر، باستثناء تلك التي تحتوي على شرح فيدو (Phaedo)، ومع ذلك بالنسبة للكيميائيين في العصور الوسطى بدا الاسم اللامع لأوليمبيودوروس غامضًا بما يكفي لاستحقاق الاستقراء في القانون الوهمي للكيميائيين القدماء.


شارك المقالة: