كتب أرسطو أطروحتين أخلاقيتين الأخلاق النيقوماخية والأخلاق الأوديمية، ومن الجدير بالذكر أنّه هو نفسه لا يستخدم أيًا من هذين العنوانين! على الرغم من أنّه يشير في السياسة إلى أحدهما وهي الأخلاق الأوديمية باسم (ta êthika) في كتاباته عن الشخصية، حيث أضيفت الكلمتان (Eudemian) و (Nicomachean) لاحقًا، وربما لأنّ الأولى تم تحريرها بواسطة صديقه يوديموس (Eudemus) والأخيرة بواسطة ابنه نيكوماكس (Nicomachus).
جوهر أطروحات أرسطو:
إنّ هذين العملين يبدآن بمناقشة حول السعادة (السعادة والازدهار)، ثم ينتقلان إلى فحص طبيعة (aretê) (الفضيلة والامتياز) والسمات الشخصية التي يحتاجها البشر ليعيشوا الحياة في أفضل حالاتها، فكلا الأطروحتين تدرس الظروف التي يكون فيها الثناء أو اللوم مناسبًا وطبيعة اللذة والصداقة، حيث قرب نهاية كل عمل نجد مناقشة موجزة للعلاقة الصحيحة بين البشر والإله.
على الرغم من أنّ وجهة النظر العامة المعبر عنها في كل عمل هي نفسها إلّا أنّ هناك العديد من الاختلافات الدقيقة في التنظيم والمحتوى أيضًا، ومن الواضح أنّ أحدهما هو إعادة عمل للآخر، وعلى الرغم من عدم وجود دليل واحد يظهر بشكل قاطع ما هو نظامهم فمن المفترض على نطاق واسع أنّ الأخلاق النيقوماخية هي نسخة لاحقة ومحسنة من الأخلاق الأوديمية.
وفي هذا السياق لا بد من الذكر بأنّه لم يتم تنقيح كل أخلاقيات أوديميا حيث تظهر كتبها الرابع والخامس والسادس على أنّها الخامس والسادس والسابع من الأخلاق النيقوماخية، ولعل أكثر الدلائل دلالة على هذا الترتيب هو أنّه في عدة حالات تطور الأخلاق النيقوماخية موضوعًا يصمت عنه ابن عمه الأوديم.
تناقش الأخلاق النيقوماخية فقط العلاقة الوثيقة بين البحث الأخلاقي والسياسة، وفقط الأخلاق النيقوماخية تفحص بشكل نقدي مقولة سولون المتناقضة القائلة بأنّه لا ينبغي اعتبار أي إنسان سعيدًا حتى يموت، وفقط الأخلاق النيقوماخية هي التي تقدم سلسلة من الحجج لتفوّق الحياة الفلسفية على الحياة السياسية.
تم تضمين أطروحة ثالثة تسمى (Magna Moralia) والتي تعني الأخلاق الكبيرة، وذلك في طبعات كاملة من أعمال أرسطو لكن تأليفها محل خلاف من قبل العلماء، حيث إنّه يتدرج حول الموضوعات التي تمت مناقشتها بشكل كامل في العملين الآخرين ووجهة نظره مماثلة لوجهة نظرهم.
ومن الممكن قد تم تسميته بـ (Magna Moralia) وذلك لأنّ كل من البرديتين (وهي مادة تم تحضيرها في مصر القديمة من جذع بليغ لمصنع مائي، تُستخدم في الأوراق في جميع أنحاء عالم البحر الأبيض المتوسط القديم للكتابة أو الرسم عليها وكذلك لصنع الحبال والصنادل والقوارب) اللتين التي تقسم إليهما طويلة بشكل غير عادي، فمن الواضح أنّ هذا العمل سُمي كبير بالإشارة إلى أجزائه وليس بالكامل.
يشير عدد قليل من المؤلفين في العصور القديمة إلى عمل بهذا الاسم وينسبونه إلى أرسطو، ولكن لم يتم ذكره من قبل العديد من المراجع مثل شيشرون وديوجينيس لايرتيوس، كما يعتقد بعض العلماء أنّ هذا هو أول مقرر أرسطو عن الأخلاق، وربما ملاحظات محاضرته الخاصة أو تلك الخاصة بأحد الطلاب، ويعتبره آخرون بمثابة تجميع أو تكييف لما بعد أرسطو لواحد أو كليهما من أطروحاته الأخلاقية الحقيقية.
على الرغم من أنّ أرسطو مدين بعمق لفلسفة أفلاطون الأخلاقية لا سيما البصيرة المركزية لأفلاطون بأنّ التفكير الأخلاقي يجب أن يتكامل مع عواطفنا وشهواتنا، وأنّ التحضير لمثل هذه الشخصية يجب أن يبدأ بتعليم الطفولة فإنّ الطابع المنهجي لمناقشة أرسطو لهذه الموضوعات كان ابتكارًا رائعًا.
فلم يكتب أحد الأطروحات الأخلاقية قبل أرسطو، جمهورية أفلاطون على سبيل المثال لا تعامل الأخلاق كموضوع متميز، ولا يقدم فحصًا منهجيًا لطبيعة السعادة أو الفضيلة أو الاختيارية أو المتعة أو الصداقة، وللتأكيد من الممكنن أن نجد في أعمال أفلاطون مناقشات مهمة لهذه الظواهر، لكنها ليست مجمعة وموحدة كما هي في كتابات أرسطو الأخلاقية.
حجة الخير البشري والوظيفة لدى أرسطو:
الفكرة الأساسية التي يبدأ بها أرسطو هي أنّ هناك اختلافات في الرأي حول ما هو الأفضل للبشر، وأنّه للاستفادة من الاستفسار الأخلاقي يجب علينا حل هذا الخلاف، ويصر على أنّ الأخلاق ليست تخصصًا نظريًا، حيث نحن نسأل ما هو الخير للبشر ليس فقط لأننا نريد المعرفة، ولكن لأننا سنكون أكثر قدرة على تحقيق مصلحتنا إذا طورنا فهمًا أكمل لماهية الازدهار.
عند طرح هذا السؤال ما هو الخير؟ لا يبحث أرسطو عن قائمة من العناصر الجيدة، ويفترض أنّ مثل هذه القائمة يمكن تجميعها بسهولة، حيث يتفق معظمهم على سبيل المثال على أنّه من الجيد أن يكون لديك أصدقاء، وأن يختبروا المتعة وأن يتمتعوا بصحة جيدة وأن يتم تكريمهم، وأن تكون لديهم فضائل مثل الشجاعة إلى حد ما على الأقل.
يظهر السؤال الصعب والمثير للجدل عندما نسأل ما إذا كانت بعض هذه الحاجات مرغوبة أكثر من غيرها، حيث إنّ بحث أرسطو عن الخير هو البحث عن أعلى نفع، ويفترض أنّ الصالح الأعلى مهما كان له ثلاث خصائص، وإنّه مرغوب فيه لنفسه وإنه غير مرغوب فيه من أجل بعض الخير الآخر، وجميع الحاجات الأخرى مرغوبة من أجلها.
يعتقد أرسطو أنّ الجميع سيوافقون على أنّ مصطلحات من مثل السعادة (eudaimonia) و العيش الكريم (eu zên) تشير إلى هذه الغاية، بحيث يتكون المصطلح اليوناني (eudaimon) من جزأين وهما: (eu) والذي يعني حسنًا و (daimon) والذي عني الألوهية أو الروح، وأن تكون يودايمونين (eudaimon) يعني أن تعيش بطريقة يفضلها الإله.
لكن أرسطو لم يلفت الانتباه أبدًا إلى هذا الأصل في كتاباته الأخلاقية، ويبدو أنّ تأثيره ضئيل على تفكيره، فهو يعتبر مصطلح (eudaimon) مجرد بديل عن مصطلح (eu zên) الذي يعني العيش الكريم، كما تلعب هذه المصطلحات دورًا تقييميًا وليست مجرد وصف للحالة الذهنية لشخص ما.
لا أحد يحاول أن يعيش حياة جيدة من أجل هدف آخر، وبالأحرى أن تكون (eudaimon) هو الغاية الأسمى، وكل الأهداف التابعة من مثل الصحة والثروة والموارد الأخرى، يتم السعي إليها لأنّها تعزز الرفاهية وليس لأنّها ما تتكون منه الرفاهية، ولكن ما لم نتمكن من تحديد أي خير أو حاجة تتكون منها السعادة فلن يكون من المفيد الاعتراف بأنّها أعلى نهاية أو غاية.
لحل هذه المشكلة يسأل أرسطو عن ماهية (ergon) أي الوظيفة والمهمة والعمل للإنسان، ويجادل بأنّها تتكون من نشاط الجزء العقلاني من الروح وفقًا للفضيلة، ويتم التعبير عن أحد المكونات المهمة لهذه الحجة من حيث الفروق التي يقوم بها في أعماله النفسية والبيولوجية، بحيث يتم تحليل الروح في سلسلة متصلة من القدرات، من مثل الروح الغذائية مسؤولة عن النمو والتكاثر، والروح القاطرة للحركة، والروح المدركة للإدراك وما إلى ذلك.
الحقيقة البيولوجية التي يستخدمها أرسطو هي أنّ البشر هم النوع الوحيد الذي لا يمتلك فقط هذه القدرات المنخفضة ولكن الروح العقلانية أيضًا، ويجب أن يكون لخير الإنسان علاقة بكونه إنسانًا، وبحيث ما يميز البشرية عن الأنواع الأخرى مما يمنحنا القدرة على عيش حياة أفضل، وهو قدرتنا على توجيه أنفسنا باستخدام العقل.
إذا استخدمنا العقل جيدًا فإننا نعيش جيدًا كبشر، أو بشكل أكثر دقة استخدام العقل جيدًا على مدار الحياة الكاملة هو ما تتكون منه السعادة، حيث إنّ فعل أي شيء جيد يتطلب الفضيلة أو التميز، وبالتالي فإنّ العيش بشكل جيد هو أنشطة تسببها الروح العقلانية وفقًا للفضيلة أو الامتياز.
استنتاج أرسطو حول طبيعة السعادة هو استنتاجه الخاص بشكل فريد، فلم يقل أي كاتب أو مفكر آخر بالضبط ما يقوله حول معنى العيش بشكل جيد، ولكن في الوقت نفسه فإنّ وجهة نظره ليست بعيدة جدًا عن الفكرة الشائعة، فكما يشير هو نفسه فإنّ أحد المفاهيم التقليدية للسعادة يعرّفها بالفضيلة، ويجب تفسير نظرية أرسطو على أنّها تنقيح لهذا الموقف، فيقول ليس أنّ السعادة فضيلة بل إنّها نشاط فاضل.
والعيش الجيد هو القيام بشيء ما وليس مجرد أن تكون في حالة معينة، وإنّه يتألف من تلك الأنشطة التي تستمر مدى الحياة والتي تحقق فضائل الجزء العقلاني من الروح.