ولدت الفيلسوفة سيمون دو بوفوار في باريس عام 1908، وقد ترك عملها الأدبي والفلسفي بصمة دائمة على فكر القرن العشرين لا سيما من خلال عملها في النسوية والنوع.
ملاحظات السفر:
لطالما كانت بوفوار شغوفة بالسفر وخاضت العديد من المغامرات بمفردها ومع سارتر وآخرين، وكان لرحلتين تأثير هائل عليها وكانت الدافع لكتابين رئيسيين، حيث نُشر أول كتاب بعنوان أمريكا يومًا بيوم (L’Amérique au Jour le Jour) في عام 1948، وبعد عام من جولة محاضراتها في الولايات المتحدة في عام 1947، وخلال هذه الزيارة أمضت وقتًا مع ريتشارد وإلين رايت والتقت بنيلسون ألغرين وزار العديد من المدن الأمريكية مثل نيويورك وشيكاغو وهوليوود ولاس فيغاس ونيو أورلينز وسان أنطونيو.
أثناء إقامتها كلفتها صحيفة نيويورك تايمز بكتابة مقال بعنوان (وجودي ينظر إلى الأمريكيين) ظهر في 25 أيار في عام 1947، وهو يقدم نقدًا عميقًا للولايات المتحدة كدولة مليئة بالوعود ولكن وهو أيضًا عبد للحداثة والثقافة المادية والتثبيت المرضي للحاضر على حساب الماضي، وتتكرر مثل هذه الموضوعات بمزيد من التفصيل في أمريكا يومًا بعد يوم والتي تتناول أيضًا قضية العلاقات العرقية المتوترة في أمريكا والإمبريالية ومعاداة الفكر والتوترات الطبقية.
نتج العمل الرئيسي الثاني الذي نتج عن رحلات بوفوار عن رحلتها التي استغرقت شهرين إلى الصين مع سارتر في عام 1955، ونُشر في عام 1957 المسيرة الطويلة (La Longue Marche) وهو وصف إيجابي بشكل عام للبلد الشيوعي الشاسع، وعلى الرغم من انزعاجها من الرقابة والتنظيم الدقيق لزيارتهم من قبل الشيوعيين فقد وجدت أنّ الصين تعمل من أجل تحسين حياة شعبها.
موضوعات العمل ومحنة العامل شائعة في جميع أنحاء هذا العمل وكذلك حالة المرأة والأسرة، وعلى الرغم من اتساع نطاق تحقيقاتها ورغبة بوفوار في دراسة ثقافة أجنبية تمامًا إلّا أنّها كانت بمثابة إحراج نقدي وشخصي، واعترفت لاحقًا بأنّ الأمر قد تم تحقيقه لكسب المال أكثر من تقديم تحليل ثقافي جاد للصين وشعبها، وبغض النظر عن هذه الانتقادات المبررة إلى حد ما فإنّه يمثل استكشافًا مثيرًا للتوتر بين الرأسمالية والشيوعية، وبين الذات والآخر وما يعنيه أن تكون حرًا في سياقات ثقافية مختلفة.
أعمال السيرة الذاتية:
في سيرتها الذاتية تخبرنا بوفوار أنّه في رغبتها في الكتابة عن نفسها كان عليها أولاً أن تشرح معنى أن تكون امرأة وأنّ هذا الإدراك هو نشأة الجنس الثاني، ومع ذلك شرعت بوفوار أيضًا في إعادة سرد حياتها في أربعة مجلدات من السيرة الذاتية المفصلة والغنية بالفلسفة.
بالإضافة إلى رسم صورة نابضة بالحياة لحياتها تتيح لنا بوفوار أيضًا الوصول إلى شخصيات مؤثرة أخرى في القرن العشرين تتراوح من كامو وسارتر ومريلو بونتي إلى ريتشارد رايت وجان كوكتو وجين جينيه وأنطونين أرتود وفيديل كاسترو، وعلى الرغم من أنّ سيرتها الذاتية تغطي كلاً من الأرضية غير الفلسفية والفلسفية فمن المهم عدم التقليل من أهمية الدور الذي تلعبه السيرة الذاتية في التطور النظري لبوفوار.
في الواقع يتبنى العديد من الوجوديين الآخرين مثل نيتشه وسارتر وكيركجارد السيرة الذاتية كمكون رئيسي للفلسفة، وقد حافظت بوفوار دائمًا على أهمية موقف الفرد وخبرته في مواجهة الطوارئ وغموض الوجود، ومن خلال سرد حياتها يتم منحنا صورة فريدة وشخصية لنضالات بوفوار كفيلسوفة ومصلح اجتماعي وكاتبة وامرأة خلال فترة من الإنجازات الثقافية والفنية الكبيرة والاضطرابات السياسية.
1- الجزء الأول: المجلد الأول من سيرتها الذاتية مذكرات ابنة مطيعة (Mémoirs d’une Jeune Fille Rangée) في عام 1958، يتتبع طفولة بوفوار وعلاقتها بوالديها وصداقتها العميقة مع ظاظا وتعليمها خلال السنوات التي قضتها في جامعة السوربون، وفي هذا المجلد تظهر بوفوار تطور شخصيتها الفكرية والمستقلة والتأثيرات التي أدت إلى قراراتها في أن تصبح فيلسوفة وكاتبة، كما يعرض صورة لامرأة كانت تنتقد صفها وتوقعاته من النساء منذ سن مبكرة.
2- الجزء الثاني: غالبًا ما يُعتبر المجلد الثاني من سيرتها الذاتية رأس الحياة (La Force de l’ge) في عام 1960 الأكثر ثراءً من بين جميع المجلدات، ومثل مذكرات ابنة مطيعة تم قبولها تجاريًا ونقديًا جيدًا، وخلال السنوات من 1929 إلى 1944 تصورت بوفوار انتقالها من طالبة إلى بالغة واكتشاف المسؤولية الشخصية في الحرب والسلام، وفي العديد من النقاط تستكشف الدوافع للعديد من أعمالها مثل الجنس الثاني والماندرين.
3- الجزء الثالث: من سيرتها الذاتية قوة الظروف (La Force des Choses) في عام 1963، والذي نُشر في مجلدين منفصلين يأخذ الإطار الزمني الذي أعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1944 إلى عام 1962، وفي هذه المجلدات أصبحت بوفوار بشكل متزايد أكثر وعياً بالمسؤولية السياسية للمفكر تجاه بلده أو زمانه.
في المجلد بين عامي 1944-1952 (بعد الحرب) تصف بوفوار الازدهار الفكري لباريس ما بعد الحرب الغنية بالحكايات عن الكتاب والمخرجين والفنانين، ويُظهر المجلد الذي يركز على العقد بين 1952-1962 (الأوقات الصعبة)، وتعد بوفوار أكثر هدوءًا وسخرية إلى حد ما والتي تتصالح مع الشهرة والعمر والفظائع السياسية التي ارتكبتها فرنسا في حربها مع الجزائر (التي تناولتها فيها العمل مع جيزيل حليمي وقضية جميلة بوباشا)، وبسبب صدقها الوحشي في مواضيع الشيخوخة والموت والحرب كان هذا المجلد من سيرتها الذاتية أقل قبولًا من الكتابين السابقين.
الدفعة الأخيرة في تأريخ مخططات حياتها السنوات من 1962-1972 تُظهر بوفوار كل قال وفعل (Tout Compte Fait) في عام 1972 فيلسوفة ونسوية أكبر سناً وأكثر حكمة تنظر إلى حياتها وعلاقاتها وإنجازاتها وتدرك أنّ كل ذلك كان للأفضل، وهنا تُظهر بوفوار التزاماتها تجاه النسوية والتغيير الاجتماعي بوضوح تم التلميح إليه فقط في المجلدات السابقة، وهي تواصل الكفاح مع فضائل ومخاطر الرأسمالية والشيوعية.
بالإضافة إلى ذلك تعود بوفوار إلى الأعمال السابقة مثلالجنس الثاني لإعادة تقييم دوافعها واستنتاجاتها حول الأدب والفلسفة وفعل التذكر، كما تعود مرة أخرى إلى موضوعات الموت وأهميته الوجودية عندما تبدأ في تجربة وفاة من تحبهم.
على الرغم من عدم اعتبارها بالضبط سيرة ذاتية إلّا أنّه من الجدير ذكر وجهين آخرين لأدب بوفوار الوحي للذات:
1- الأول يتألف من أعمالها حول حياة وموت الأحباء، ففي هذا المجال نجد سردها الحساس والشخصي لموت والدتها في موت سهل للغاية (Une Mort très Douce) في عام 1964، وغالبًا ما يُعتبر هذا الكتاب من أفضل كتاب بوفوار في تصويره اليومي لغموض الحب وتجربة الخسارة، وفي عام 1981 بعد وفاة سارتر في العام السابق نشرت فراق: وداعًا لسارتر (La Cérémonie des Adieux) الذي يروي تطور سارتر العجوز والعجزة إلى وفاته، وكان هذا العمل مثيرًا للجدل إلى حد ما حيث فقد العديد من القراء صفاته كإشادة بالفيلسوف الراحل العظيم واعتبروا بدلاً من ذلك أنّه عرض غير مناسب لمرضه.
2- الوجه الثاني من حياة بوفوار الذي يمكن اعتباره سيرتها الذاتية، وهو نشر بوفوار رسائل سارتر إليها في رسائل إلى كاستور وآخرون (Lettres au Castor et à Quelques Autres) في عام 1983، ومراسلاتها الخاصة مع سارتر في رسائل إلى سارتر المنشورة بعد وفاتها في عام 1990.
أخيرًا يقدم فيلم علاقة حب عبر المحيط الأطلسي (A Transatlantic Love Affair) الذي جمعه سيلفي لو بون دي بوفوار (Sylvie le Bon de Beauvoir) في عام 1997 ونشره في عام 1998، رسائل بوفوار (المكتوبة في الأصل باللغة الإنجليزية) إلى نيلسون ألجرين، ويزودنا كل عمل من هذه الأعمال بمنظور آخر لحياة أحد أقوى فلاسفة القرن العشرين وإحدى أكثر المفكرات تأثيراً في تاريخ التفكير الغربي.