“أرحب بالألم إذا كان سبباً للتوبة!”
جورج هيجل
الكتب والأعمال الفلسفية لهيجل:
نشر هيجل أربعة كتب رئيسية فقط خلال حياته:
- فينومينولوجيا العقل – Phänomenologie des Geistes: في عام 1807، وجاء كوصف من هيجل لتطور الوعي من الإدراك الحسي إلى المعرفة المطلقة.
- المجلدات الثلاثة من – علم المنطق – Wissenschaft der Logik: – في عام 1811 و 1812 و 1816، وهي النواة المنطقية والميتافيزيقية لفلسفته.
- موسوعة العلوم الفلسفية – Enzyklopädie der philischen Wissenschaften: في عام 1816 والذي يعد ملخص لنظامه الفلسفي بأكمله، وكان المقصود منه أن يكون كتابًا دراسيًا لدورة جامعية.
- عناصر فلسفة الحق – Grundlinien der Philosophie des Rechts: في عام 1821 ويذكر فيه فلسفته السياسية وأفكاره حول – المجتمع المدني -، وتم تجميع عدد من الأعمال الأخرى في فلسفة التاريخ وفلسفة الدين وعلم الجمال وتاريخ الفلسفة من ملاحظات المحاضرة لطلابه وتم نشرها بعد وفاته.
تتمتع أعماله بسمعة تجريدية وصعوبة، وفي هذا السياق ادّعى الأكاديمي برتراند راسل أنّ هيجل كان الفيلسوف الوحيد الذي يصعب فهمه، ولعدد الموضوعات التي يحاولون تغطيتها، وتتضخم هذه الصعوبات لأولئك الذين يقرؤونه في الترجمة نظرًا لأنّ لغته الفلسفية ومصطلحاته في اللغة الألمانية غالبًا ما لا تحتوي على نظائر مباشرة في اللغات الأخرى فعلى سبيل المثال يُترجم مصطلح – Geist – الأساسي عادةً إلى العقل أو الروح، لكن هذه لا تزال لا تغطي العمق الكامل لمعنى الكلمة.
يمكن اعتبار فكر هيجل جزءًا من تقدم الفلاسفة وذلك بالعودة إلى أفلاطون وأرسطو وأفلوطين ولايبنيز وسبينوزا وروسو وكانط والذين يمكن وصفهم عمومًا بأنهم مثاليون والذين اعتبروا الحرية أو تقرير المصير أمرًا حقيقيًا، ولأنّ لها آثار وجودية مهمة على الروح أو العقل أو الألوهية.
العقل التأملي لهيجل:
لقد طور هيجل شكلاً جديدًا من التفكير والمنطق أطلق عليه – العقل التأملي – والذي يتضمن المفهوم الأكثر شهرة – للديالكتيك – وذلك كمحاولة من هيجل في التغلب على ما رآه قيودًا على كل من الفطرة السليمة والفلسفة التقليدية في استيعاب المشاكل الفلسفية والعلاقة بين الفكر والواقع.
كانت طريقته هي البدء بمفاهيم فائقة الأساسية مثل الوجود والعدم، وتطويرها من خلال سلسلة طويلة من الحلول التفصيلية التي تتخذ شكل سلسلة من المفاهيم نحوها، ولقد استخدم عملية الجدلية المجربة والمختبرة والتي تعود إلى أرسطو وتتضمن حل أطروحة ونقيضها في تركيب، لكنه أكدّ أنّ هذه العملية المنطقية لم تكن مجرد مسألة شكل منفصل عن المحتوى، بل لها تطبيقات وتداعيات في العالم الحقيقي.
كما أنه أخذ مفهوم الديالكتيك خطوة أخرى إلى الأمام، بحجة أن التوليف الجديد ليس هو الحقيقة النهائية للمادة، ولكنه بالأحرى أصبح الأطروحة الجديدة بما يقابلها من نقيض وتركيب، وستستمر هذه العملية بفعالية إلى ما لا نهاية حتى الوصول إلى التركيب النهائي، وهو ما أطلق عليه هيجل الفكرة المطلقة.
إذن كان المشروع الفلسفي الرئيسي لهيجل هو أخذ التناقضات والتوترات التي رآها في جميع أنحاء الفلسفة الحديثة والثقافة والمجتمع وتفسيرها كجزء من وحدة عقلانية شاملة ومتطورة والتي أطلق عليها في سياقات مختلفة – الفكرة المطلقة – أو – المعرفة المطلقة -.
كان يعتقد أنّ كل شيء كان مترابطًا وأنّ فصل الواقع إلى أجزاء منفصلة كما فعل جميع الفلاسفة منذ أن فعل أرسطو كان خطأ، لذلك لقد دعا إلى نوع من المثالية المطلقة ذات التفكير التاريخي والتي تم تطويرها من المثالية المتعالية لإيمانويل كانط، وهنا يدرك الكون إمكاناته الروحية من خلال تطور المجتمع البشري، ففي أي عقل حيث يمكن أن يُنظر إليه على أنهما تجريدان لروح واحد كامل غير قابل للتجزئة.
ومع ذلك فإن التفسير الديالكتيكي التقليدي لمقاربة هيجل ” أطروحة – نقيض – تأليف ” ربما يكون شديد التبسيط، فمن وجهة نظر هيجل يكشف تحليل أي هوية أو وحدة بسيطة ظاهريًا عن التناقضات الداخلية الكامنة، وهذه التناقضات هي التي تؤدي إلى انحلال الشيء أو الفكرة في الشكل البسيط الذي قدمت فيه نفسها وتطورها إلى مستوى أعلى، والشيء الأكثر تعقيدًا أو الفكرة التي تتضمن التناقضات بشكل أكثر ملاءمة.
كان هيجل أول فيلسوف كبير اعتبر التاريخ وفلسفة التاريخ مهمين، فتعد تاريخية هيجل هي الموقف الذي مفاده أنّ جميع المجتمعات البشرية وجميع الأنشطة البشرية مثل العلم أو الفن أو الفلسفة يتم تحديدها من خلال تاريخها، وأنّه لا يمكن البحث عن جوهرها إلّا من خلال فهم ذلك.
فلسفة التاريخ لهيجل:
ووفقًا لهيجل لكي تفهم سبب كون الشخص على ما هو عليه، يجب أن تضع هذا الشخص في مجتمع، ولفهم ذلك المجتمع، يجب أن تفهم تاريخه والقوى التي شكلته، فلذلك اشتهر عنه قوله بأن: “الفلسفة هي تاريخ الفلسفة”.
تم تطوير نظامه لفهم التاريخ والعالم نفسه من تعاليمه الجدلية الشهيرة في الأطروحة والنقيض والتوليف، فلقد رأى التاريخ على أنه تقدم يتقدم دائمًا إلى الأمام، وليس ثابتًا أبدًا، حيث تظهر كل حركة متتالية كحل للتناقضات المتأصلة في الحركة السابقة.
ورأى أنّ كل موقف معقد يحتوي في حد ذاته على عناصر متضاربة تعمل على زعزعة استقرار الوضع، مما يؤدي إلى انهياره وإلى وضع جديد يتم فيه حل النزاعات، وهنا على سبيل المثال فقد شكلّت الثورة الفرنسية مقدمة لحرية سياسية فردية حقيقية، لكنّها حملت معها بذور عهد الإرهاب الوحشي الذي أعقب ذلك، وعندها فقط كانت هناك إمكانية لقيام دولة دستورية للمواطنين الأحرار، والتي تجسد كلاً من التنظيم الخيري من سلطة الحكم الرشيد والمثل الثورية للحرية والمساواة.
وهكذا فإنّ تاريخ أي مسعى بشري لا يبني فقط على ما مضى بل يتفاعل معه أيضًا، فهذه العملية رغم ذلك هي عملية مستمرة، لأنّ التركيب الناتج له تناقضات متأصلة في حد ذاته يجب حلها، بحيث يتم تجميع الأطروحة الجديدة لجولة أخرى من الديالكتيك. لكن بشكل حاسم اعتقد هيجل أنّ هذه العملية الديالكتيكية لم تكن عشوائية فحسب، بل كان لها اتجاه أو هدف، وأنّ هذا الهدف كان الحرية بمعنى وعينا وإدراكنا للحرية، والمعرفة المطلقة للعقل بإعتبارها الحقيقة المطلقة.
هيجل والسياسة:
أمّا من الناحية السياسية والاجتماعية رأى هيجل أن الهدف النهائي لهذه العملية التاريخية هو مجتمع أو دولة خالية من الصراع وعقلانية تمامًا، على الرغم من أنّ هذا لم يكن يعني بالنسبة لهيجل مجتمعًا من العقل الخالص العقائدي والتجريدي مثل الثورة الفرنسية المتصورة، ولكن كأحد يبحث عن ما هو عقلاني ضمن ما هو حقيقي وموجود بالفعل.
جادل البعض بأنّ رؤية هيجل للدولة ككيان عقلاني عضوي، لا تترك مجالًا للمعارضة الفردية والاختيار، ولا مجال للحرية ذاتها التي كان ينادي بها، ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أنّ فكرة هيجل عن الحرية كانت مختلفة تمامًا عما نعتقد أنه المفهوم الليبرالي التقليدي للحرية والذي كان سيراه على أنّه مجرد القدرة على اتباع نزواتك الخاصة، بل يتألف بالأحرى من تحقيق الذات كفرد عقلاني، ومع ذلك لم يشرح أو يتطرق هيجل بأي تفاصيل حول رؤيته للدولة المثالية وكيف يمكن لمثل هذه الدولة أن تتجنب الإنغماس في الإستبداد والشمولية.