السمعة والتراث الثقافي للفيلسوف فرانسيس بيكون

اقرأ في هذا المقال


فرانسيس بيكون بالكامل فرانسيس بيكون فيسكونت سانت ألبان، ويسمى أيضًا السير فرانسيس بيكون، من مواليد 22 كانون الثاني لعام 1561 في لندن، وتوفي في 9 نيسان لعام 1626 في لندن، ويطلق عليه اللورد مستشار إنجلترا.

عمل وعِلم بيكون:

هو محام ورجل دولة وفيلسوف وأستاذ اللغة الإنجليزية، يُذكر من الناحية الأدبية بالحكمة الدنيوية الحادة لبضع عشرات من المقالات، ومن قبل طلاب التاريخ الدستوري لسلطته كمتحدث في البرلمان وفي المحاكمات الشهيرة وكمستشار جيمس الأول، وفكريًا كرجل ادعى أنّ كل المعرفة هي في مقاطعته ومجاله، وبعد مسح قضائي دعا بشكل عاجل إلى طرق جديدة يمكن للإنسان من خلالها أن يؤسس أمرًا شرعيًا على الطبيعة لإغاثة ممتلكاته.

أهمية فلسفة بيكون:

إذا كان أي شخص يستحق لقب العبقرية العالمية أو رجل عصر النهضة فمن الواضح أن بيكون تستحق هذا التعيين، أي الجوائز المحجوزة تقليديًا لأولئك الذين يقدمون مساهمات مهمة وأصلية لأكثر من تخصص أو مجال تعليمي واحد، فهو مثل ليوناردو وجوته أنتج عملاً هامًا في كل من الفنون والعلوم، ومثل شيشرون وماركوس أوريليوس وبنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسون، فقد جمع بين الاهتمامات الفكرية والأدبية الواسعة والشاملة، من الخطاب العملي ودراسة الطبيعة إلى الفلسفة الأخلاقية والإصلاح التربوي بمهنة سياسية كبيرة.

مثل مكيافيلي القريب من معاصره برع في مجموعة متنوعة من الأنواع الأدبية، من الرسائل المكتسبة إلى وسائل الترفيه الخفيفة على الرغم من أنّه مثل الكاتب الفلورنسي العظيم، كان يعتقد في نفسه بشكل أساسي كرجل دولة سياسي وصاحب رؤية عملية، أي رجل كان هدفه الأساسي ليس للحصول على أمجاد أدبية لنفسه بقدر ما هو تشكيل جداول الأعمال وتوجيه القرارات السياسية للنبلاء الأقوياء ورؤساء الدول.

في عصرنا كان بيكون يُعتبر مثقفًا عامًا على الرغم من أنّ سجله الشخصي في الخدمة والتأليف سيقزّم بالتأكيد إنجازات معظم القادة الأكاديميين والسياسيين اليوم، ومثل جميع الشخصيات العامة تقريبًا كان مثيرًا للجدل، فقد أعلنه قسيسه وأول كاتب سيرته ويليام راولي بأنّه: “مجد عصره وأمته”،كما صوّره على أنّه ملاك التنوير والرؤية الاجتماعية.

وقد كان المعجبون به في الجمعية الملكية وهي منظمة تتبعت إلهامها ونسبها إلى كتابات اللورد المستشار ينظرون إليه على أنّه لا يقل عن المنشئ الجريء لعصر فكري جديد، وأطلق عليه الشاعر أبراهام كاولي لقب (موسى)، وصوّره كقائد جليل وضع بمفرده التعلم على مسار جريء وحازم وجديد تمامًا.

ولكن لا تزال سمعة بيكون وإرثه موضع جدل حتى اليوم، في حين أنّه لا يوجد مؤرخ للعلم أو الفلسفة يشك في أهميته الهائلة كداعية نيابة عن الطريقة التجريبية وكمدافع عن الإصلاح الفكري الشامل، ويختلف الرأي على نطاق واسع فيما يتعلق بالقيمة الاجتماعية الفعلية والأهمية الأخلاقية للأفكار التي يمثلها وبشكل فعال ورثناها.

ترجع القضية بشكل أساسي إلى تقدير الفرد أو تعاطفه مع مشروع التنوير أو المنفعة بأكملها، فأولئك الذين يشاركون في الغالب وجهة نظر بيكون بأنّ الطبيعة موجودة أساسًا للاستخدام البشري والمنفعة، والذين يؤيدون أيضًا رأيه القائل بأنّ البحث العلمي يجب أن يهدف أولاً وقبل كل شيء إلى تحسين الحالة الإنسانية وإراحة تركة الإنسان بشكل عام أشيد به باعتباره صاحب رؤية اجتماعية عظيمة.

من ناحية أخرى يميل أولئك الذين ينظرون إلى الطبيعة ككيان في حد ذاته، وهي حوزة أعلى مرتبة يكون المجتمع البشري جزءًا منها فقط، إلى اعتباره نوعًا من الشرير اللدود أي المنشئ الشرير للفكرة العلم كأداة للإمبريالية العالمية والغزو التكنولوجي.

من ناحية أخرى لدينا شخصيات مثل عالم الأنثروبولوجيا والكاتب العلمي لورين إيزلي، الذي يصور بيكون الذي يسميه الرجل الذي رأى عبر الزمن، على أنّه نوع من بطل الثقافة البروميثية، كما يثني على بيكون باعتباره المخترع العظيم لفكرة العلم كمشروع مجتمعي ونظام عملي في خدمة الإنسانية.

على الجانب الآخر لدينا كتّاب من ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر ولويس مومفورد ومؤخرًا جيريمي ريفكين والنسوية البيئية كارولين ميرشانت الذين مثلوه كأحد المذنبين الرئيسيين وراء ما يعتبرونه علمًا غربيًا، واستمرار إرث الاغتراب والاستغلال والقمع البيئي.

من الواضح أنّه في مكان ما بين هذه الحماسة المتحمسة من وصفه بالحم الخنزير المقدد من ناحية والشيطنة الشديدة للبيكون من ناحية أخرى، يكمن اللورد المستشار الحقيقي أي بالذي يمكن وصفه بالعملاق بأقدام من الطين، ولم يكن بأي حال من الأحوال منشئًا عظيمًا للنظام.

في الواقع تبين أنّ (Magna Instauratio) الخاص به ليس صرحًا كبيرًا من كونه كومة رائعة، ولكنه بدلاً من ذلك كما صوّر نفسه بشكل أكثر تواضعًا متحدثًا عظيمًا لإصلاح التعلم و بطل العلم الحديث، وفي النهاية يمكننا القول إنّه كان أحد الشخصيات العملاقة في التاريخ الفكري، وفيلسوفًا لامعًا ومعيبًا كما كان رجل دولة.

الجدل حول فلسفة بيكون:

تمتلئ بالمثل إذا تم تقديم المزيد من التقييمات المبتذلة من قبل المعاصرين المتعلمين أو القريبين من المعاصرين من ديكارت وجاسندي إلى روبرت هوك وروبرت بويل، كما كان لايبنيز كريمًا بشكل خاص ولاحظ أنّه مقارنة بالنطاق الفلسفي لبيكون ورؤيته السامية، حتى عبقري عظيم مثل ديكارت يزحف على الأرض، ومن ناحية أخرى رفض سبينوزا وهو معاصر آخر قريب عمل بيكون (خاصة نظرياته الاستقرائية) تمامًا، وفي الواقع نفى حدوث الثورة الفلسفية الكبرى المفترضة التي أصدرها بيكون ورحب بها أنصاره.

كان رد فعل التنوير اللاحق منقسمًا بالمثل حيث أشاد غالبية المفكرين ببذخ بيكون بينما انتقدته أقلية معارضة أو حتى سخرت منه، وأطلق الموسوعات الفرنسيان جان دالمبرت ودينيس ديدرو الكلمة الرئيسية لإعادة التقييم في القرن الثامن عشر، حيث أشادوا بشكل أساسي ببيكون باعتباره الأب المؤسس للعصر الحديث وزخرف اسمه على الصفحة الأولى من الموسوعة.

في إيماءة مماثلة كرس الفيلسووف إيمانويل كانط كتابه نقد العقل الخالص إلى بيكون وحيّاه بالمثل باعتباره مهندسًا مبكرًا للحداثة، ومن ناحية أخرى اتخذ هيجل وجهة نظر باهتة، وفي محاضراته حول تاريخ الفلسفة هنأ بيكون على حنكته الدنيوية ودهاء عقليته، لكنه في النهاية حكم عليه بأنّه شخص ذو شخصية فاسدة ومجرد مبتكر الشعارات، وفي رأيه كان اللورد المستشار فيلسوفًا متدنيًا يُقرأ عادةً باللغة الإنجليزية والنفعية، وكان تعليمه مناسبًا بشكل أساسي لموظفي الخدمة المدنية وأصحاب المتاجر.

من المحتمل أنّ يكون وصف التنوير الأكمل والأكثر إدراكًا لإنجازات بيكون ومكانته في التاريخ هو مقال فولتير الثناء في رسائله حول اللغة الإنجليزية، وبعد الإشارة إلى بيكون كأب للفلسفة التجريبية واصل تقييم مزاياه الأدبية، وحكم عليه بأنّه كاتب أنيق ومعلم وذكي على الرغم من أنّه تم إعطاؤه الكثير من الشهرة والتضخيم والأجواء الطنّانة.


شارك المقالة: