الفلسفة التجريبية في العصور القديمة والوسطى

اقرأ في هذا المقال


قد يبدو ما يسمى بالفطرة السليمة وكأنها تجريبية بشكل غير مفصلي، فالفلسفة التجريبية يمكن اعتبارها بشكل مفيد كقوة نقدية تقاوم إدعاءات فلسفة عقلانية في صورة أكثر تأملاً.

الفلسفة الإغريقية القديمة:


في العالم القديم تم تطوير نوع العقلانية الذي يعارضه العديد من التجريبيين من قبل أفلاطون – 428 – 328 – قبل الميلاد، أعظم الفلاسفة العقلانيين، وتم تحضير الأرضية له من قبل ثلاث مجموعات فكرية سابقة:

  1. الكوسمولوجيات الأيونية: ظهر هذا الفكر في القرن السادس قبل الميلاد، مع تمييزها بين المظهر المعقول والواقع الذي لا يمكن الوصول إليه إلا للعقل الخالص.
  2. فلسفة بارمنيدس: ظهرت في أوائل القرن الخامس قبل الميلاد، والوحدوية المبكرة المهمة والتي تستخدم فيها حجة عقلانية بحتة لإثبات أن العالم هو في حقيقة الأمر وحدة لا تتغير.
  3. فيثاغورس: التي ترى أن العالم مكون بالفعل من أرقام، بحيث اتخذت الرياضيات لتكون مستودع الحقيقة المطلقة.

أول التجريبيين في الفلسفة الغربية كانوا السوفسطائيين، الذين رفضوا مثل هذه التكهنات العقلانية حول العالم ككل واعتبروا الإنسانية والمجتمع موضوعات مناسبة للبحث الفلسفي، حيث استحضروا الحجج المتشككة لتقويض إدعاءات العقل الخالص، فقد شكلّوا تحديًا دعا إلى رد الفعل الذي شكّل فلسفة أفلاطون.

فقد كان أفلاطون وإلى حد أقل أرسطو، كلاهما عقلانيًا، لكن خلفاء أرسطو في المدارس اليونانية القديمة للرواقية والأبيقورية قدّموا تفسيرًا تجريبيًا واضحًا لتشكيل المفاهيم البشرية، فبالنسبة للرواقيين يكون العقل البشري عند ولادته صفحة نظيفة، والتي أصبحت مليئة بالمفاهيم من خلال الإصطدام الحسي للعالم المادي عليه.

ومع ذلك فقد أكدوا أيضًا أن هناك بعض المفاهيم أو المعتقدات تشترك فيما بينها، وأطلق عليها – المفاهيم المشتركة -، الموجودة في أذهان جميع البشر، وسرعان ما تمّ تصور هذه الأشياء بطريقة غير تجريبية، وبالرغم من ذلك كانت تجريبية الأبيقوريين أكثر وضوحًا وثباتًا، فبالنسبة لهم فإنّ المفاهيم البشرية هي صور الذاكرة والمخلفات العقلية لتجربة الحس السابقة، والمعرفة تجريبية مثل الأفكار التي تتكون منها.

نقد الفلسفة الإغريقية القديمة:

كانت أولى تعابير التجريبية في الفلسفة اليونانية القديمة هي تعبيرات السفسطائيون، وردا على ذلك قدّم أفلاطون وجهة النظر العقلانية القائلة بأن البشر ليس لديهم سوى – رأي – حول تغيير الأشياء الموجودة في المكان والزمان وإدراكها.

أن ما يسمّى بالمعرفة لا يمكن الحصول عليها إلّا من الحقائق الضرورية الخالدة، وأنّ موضوعات المعرفة من الأشكال أو المسلمات غير المتغيرة وغير المحسوسة مثل الجميل والعادل وما إلى ذلك، هي الأشياء الوحيدة الحقيقية حقًا، بينما يعد في هذا المنظور الدوائر والمثلثات – المعرفة – الهندسية، مختلفة تمامًا في دقتها الكاملة عن الأشياء الدائرية والمثلثية تقريبًا الموجودة في الحواس البشرية.

في حواره مع فيدو Phaedo، شرح أفلاطون نظرية الأفكار الفطرية حرفيًا، فالبشر على سبيل المثال لديهم مفهوم المساواة الدقيقة، والتي بما أنّه لا يمكن أن توفرها الحواس، يجب أن تكون قد اكتسبتها الروح قبل تجسدها.

واتفق أرسطو مع أفلاطون على أن المعرفة عالمية، لكنّه رأى أنّ مثل هذه الأشكال العالمية لا ينبغي تصورها على أنها – منفصلة – عن المسألة التي تجسدها، وهذا الاعتقاد لا يجعل أرسطو تجريبيًا، على الرغم من أنّه كان بالتأكيد أقل عقلانية وتطرفاً من أفلاطون.

واتخذ أرسطو وجهة النظر العقلانية القائلة بأن كل علم أو مجموعة معرفية يجب أن تشبه الهندسة الإقليدية في أن تتكون من استنتاجات من المبادئ الأولى التي هي بديهية وصحيحة بالضرورة وأنّه على الرغم من أنّ الحواس تعرّف البشر بالأشكال المعقولة للأشياء، فلا يمكن أن تكون هناك معرفة منها ما لم يتم استخدام العقل لفهم أشكالها المعقولة.

فلسفة العصور الوسطى:


اتخذ معظم فلاسفة القرون الوسطى بعد القديس أوغسطين – 354-430 – موقفًا تجريبيًا على الأقل بشأن المفاهيم، حتى لو أدركوا الكثير من المعرفة الجوهرية ولكن غير التجريبية، فقد كانت الصيغة المعيارية لهذا العصر هي: “ما من شيء في العقل، فإنّه لم يكن في الحواس من قبل”.

وهكذا رفض القديس توما الأكويني – 1225-1274 – الأفكار الفطرية تمامًا، حيث يشارك كل من الروح والجسد في الإدراك، وكل الأفكار يستخرجها العقل مما يُعطى للحواس، وتُشتق الأفكار البشرية عن الأشياء غير المرئية مثل الملائكة والشياطين وحتى الله، عن طريق القياس من المنظور.

ثمّ شدّد العالم روجر بيكون في القرن الثالث عشر على المعرفة التجريبية للعالم الطبيعي، وتوقع الفيلسوف العلمي في عصر النهضة متعدد الثقافات فرانسيس بيكون – 1561-1626 – في تفضيل الملاحظة على التفكير الاستنتاجي كمصدر للمعرفة.

بعد ذلك كانت التجربة التي أتبعها الاسم الفرنسيسكاني ويليام أوف أوكهام في القرن الرابع عشر أكثر منهجية، حيث قال إنّ كل معرفة لما هو موجود في الطبيعة تأتي من الحواس، على الرغم من وجود ما يسمّى بالمعرفة تجريدية للحقائق الضرورية بالتأكيد، لكن هذا مجرد افتراض ولا يعني وجود أي شيء، فقام أتباعه الأكثر تطرفاً بتوسيع خط تفكيره نحو التجريبية الراديكالية، حيث لا تكون السببية علاقة منطقية بين الأحداث، بل مجرد انتظام ملحوظ في حدوثها.

نقد الفلسفة في العصور الوسطى:

تم توسيع النظرة الرواقية لـ – المفاهيم العامة – أو المعتقدات التي يتبناها جميع البشر وهو عنصر عقلاني محتمل في مدرسة فكرية تجريبية، وخلال فترة العصور الوسطى المبكرة من قبل القديس أوغسطين العقلاني الشامل، اعتقد أنّ المفاهيم الرواقية الشائعة هي حقائق زرعها الله في العقل البشري من خلال التنوير المباشر.


شارك المقالة: